وليلي ....عاصمة المغرب القديم أطلال شاهدة ...على حضارات منسية
طالت غيبتي عن قسم السياحة, واليوم أعود بموضوع ارجو ان ينال استحسانكم. قد لا تستطعون زيارة المغرب, لكن هو يزوركم ويعرفكم عليه من خلال تاريخ مدنه, فأرجوأن تستمتعوا معي بالجولة. هي جولة في تاريخ مدينة كانت تعد واحدة من أشهر الحواضر القديمة في حوض المتوسط، كما تصنف ضمن التراث الإنساني العالمي. هي عاصمة المغرب القديم, هي... وليلي أوكما يطلق عليها الأجانب فوليبيليس. تعتبر وليلي من أهم المواقع الأثرية بالمغرب , وتعد واحدة من أشهر الحواضر القديمة في حوض البحر المتوسط . وبحسب الحفريات الأركيولوجية التي أقيمت بالموقع من بداية القرن العشرين , أن الاستيطان بها يرجع الى القرن الثالث قبل الميلاد . ساهمت عدت ظروف طبيعية على استقرار الانسان بهذه المنطقة منذ عهد قديم ,وأهم هذه الظروف وفرة المياه المتمثلة في وادي الخمان ووادي فرطاسة , أيضا اشراف المدينة على منطقة فلاحية هذا بالاضافة الى مواد البناء في محاجرجبل زرهون . يبعد موقع وليلي عن مدينة مولاي ادريس زرهون أولى المدن الإسلامية في منطقة شمال افريقيا،بثلاثة كيلومترات , و300 كيلومترا شمال مدينة مكناس العاصمة الاسماعلية و60 كيلومتراغرب مدينة فاس عاصمة أول دولة اسلامية مستقلة في منطقة شمال افريقيا .
بحسب المؤرجين فان أصل تسمية وليلي كونه اسما أمازيغيا مشتقا من (أليلي ) , لكن أختلف في معنى الاسم فالبعض يفسره على أنه ورد أو زهر شجر الغار ,والبعض الأخر فسره بأنه نوع من الزهور التي تحمل تسمية (الدفلى الوردية ) وهو نبات ينموا على ضفاف الأنهار .
وعلى مدى العصور استوطن وليلي عدة شعوب , الأمازيغ , الرومان , البزنط , وغيرهم من الأعراق . وتدل آثار الموقع على تعاقب عدة حضارات خلال عشرة قرون، من عصور ما قبل التاريخ إلى العهد الإسلامي ، ابتداء من القرن الثالث قبل الميلاد إلى حين قيام دولة الأدارسة سنة 788 بعد الميلاد خلال فترة حكم الملك يوبا الثاني وابنه بطليموس الأمازيغي ما بين سنة 25 قبل الميلاد و40 ميلادية , شهدت وليلي ازدهارا كبيرا أهلها لتصبحعاصمة لموريطانيا الطنجية , بعد سنة 40 ميلادية عرفت وليلي خلال فترة حكم الأباطرة الرومان تطورا كبيرا وحركية عمرانية تتجلى من خلال المعابد، والمحكمة والحمامات، وقوس النصر، وكذا المنازل المزينة بلوحات الفسيفساء ومعاصر الزيتون . ويكشف الموقع عن أضخم مشهد فني بديع يضم الموزايك والفسيفساء وتماثيل الرخام ومئات الحفريات واللوحات الفنية والأعمدة الأثرية المنقوشة بأحرف رومانية في شكل رَاقٍ وجميلٍ ، تعكس ثقافات الرومان والأمازيغ .
وتبرز الحفريات الروح المبدعة للذين عاشوا في الموقع عبر العصور، حيث تبين الآثار الصامدة أن وليلي تحوي عدة أحياء سكنية كالحي الشمالي الشرقي والذي يضم كُلاًّ من منزل ( فينوس )المزين بنقوش ورسوم فريدة ، ومنزل أعمال ( هرقل ) و قصر( كورديان ) ، وكذا الحي الجنوبي الذي يضم منزل (أورفي ) . ويطغى رسم « السمكة » على عموم منازل مدينة وليلي فضلا عن رسوم الملوك والملكات والفرسان. .
ويعد قصر ” كورديانوس ” أضخم بناية في الموقع تبلغ مساحته حوالي 4488 متر مربع ، أعيد بناؤه في عهد الإمبراطور ” كورديانوس الثالث ” ما بين 238 و244 بعد الميلاد. يعتبر «الشارع الرئيسي» لمدينة وليلي الأثرية أهم المعالم الشاهدة على تاريخها، حيث يدخل ضمن أهم شوارعها وأروعها، يتصل بمنازل الواجهة الشمالية والجنوبية بواسطة أروقة وشوارع ثانوية، ويشكل خطا مستقيما يمتد إلى «قوس النصر» الذي يتوسط المدينة،حيث توجد في أعلاه صورة منقوشة للإمبراطور «كراكلا»، بني على شرف هذا الأخير سنة 217م لمنحه المواطنة الكاملة لسكان المدينة وإعفائهم من الضرائب،من طرف بلدية فوليبيليس .. بالإضافة إلى الشارع الرئيسي توجد أهم سقاية عمومية بوليلي، وذلك لحجمها وموقعها وسط المدينة كذلك، حيث تمثل نهاية القناة الرئيسية تجاه الغرب، وشمال هذه البناية توجد بقايا المراحيض العمومية.
عند جولتك في أرجاء وليلي تقف على منازل قديمة اتخذت أسماء عديدة تعود لفترة ما قبل الحكم الروماني وما بعده، مثل منزل الفارس، والأعمدة، والصدرية، والحيوانات المفترسة، ومنزل الساعة الشمسية... التي يرجع أصل تسميتها إلى أحداث معينة أو تشير إلى أصحابها أو شيء يميزها، كما تختلف من حيث تصاميمها، إلا أنها تشترك في عدة نقاط، إذ تتوفر هذه المنازل على باحات معمدة وغرف وقاعات استقبال وأكل، وحمامات صغيرة وأخرى عمومية، كما يزخرف أغلب باحاتها أعمدة محددة أو ملساء أو حلزونية، وفسيفساء عبارة عن لوحات فنية جميلة تعبر عن مواضيع مختلفة. وليلي قد تبدو للناظر أعمدة متفرقة وأسوار بعيدة وأكواما من الحجر المتناثر, الا أنها والى الآن تحافظ على ملامحها كمدينة عريقة، لا يقل تصميمها وطرائق بنائها عن المدن المعاصرة، فباب المدينة الرئيس، المُستقبل تجاه الشمال، حيث طنجة أهم حواضر المتوسطي، تمتد على طول الطريق المؤدية إليه مبان فخمة تضم قصور لوجهاء المدينة، ورصيفا مظلالا يفصل مسالك العرابات، عن موطئ الراجلين، ينضبط تصميمه لتوزيع دقيق للمحال التجارية حسب التخصص والحرف، تليها أزقة تضم دورا سكنية واسعة تقطنها عائلات رومانية ثرية .
وقد حفظت معابد ودور السكان الأقدمون لمدينة وليلي, لوحات فنية تروي أساطير اغريقية قديمة . ومن بعض شخوص هذه الأساطير , مصارعة هرقل لأفعى (الهيدرا ) اللاذعة ومقاتلته (ستيمفالوس) آكلة لحوم البشر, واشهار( ديانا ) إلهة القمر ومحبة الصيد أقواسها، فيما يُمعن (باخوس) إله الخمر في قسماتها الهادئة، مسجاة على البحر المقدس... تلك بعض الشخوص التي تحكيها وليلي للجائل المعاصر بين أطلالها كموطن قديم للترف والأسطورة .
.
تشهد مدينة وليلي صيف كل سنة تنظيم مهرجان دولي يشارك فيه فنانون عرب وأجانب، ومجموعات موسيقية من مختلف أنحاء العالم، حيث تكون خلاله المدينة الأثرية على موعد سنوي مع أشهر الفنانين، وترقص خلاله وليلي على إيقاع النغمات الموسيقية المنتمية لحضارات متعددة .