الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: لا ريب أن الجوال نعمة عظيمة، يقضي بها الإنسان حاجاته بأقرب طريق، وأيسر كلفة، ولكن هناك أمور تنافي شكر هذه النعمة، وهناك ملحوظات يحسن التنبه لها، والتنبيه عليها؛ حتى تتم الفائدةُ المرجوَّةُ من هذه النعمة، ولأجل ألا تكون سبباً في جلب الضرر على أصحابها.
فمما يحسن التنبيه عليه ومراعاته في هذا الأمر ما يلي:
1- إغلاق الجوال أو وضعه على وضع "الصامت" عند دخول المسجد حتى لا يشوشَ على المصلين، ويقطعَ عليهم خشوعهم وإقبالهم على صلاتهم، عندما يرن. وإذا حصل أنْ نسي المصلي ولم يغلقْه أو يضعه على وضع "الصامت" فليبادر إلى إغلاقه وإسكاته إذا اتصل به أحد؛ لأن بعض الناس يدعه يرن وربما كان بنغمات موسيقية مؤذية، فلا يُغْلِقُهُ ولا يسكته؛ خوفاً من حدوث الحركة في الصلاة. والذي ينبغي لهذا أن يعلم أن تلك الحركة لمصلحة الصلاة، بل لمصلحة المصلين عموماً. كما ينبغي أن يُبْسَطَ العذرُ لمن نسي إغلاقَ جوالِه أو وَضْعَهُ على الصامت، وألا يشدد في النكير عليه، والنظر شزراً إليه، خصوصاً إذا كان ممن يُخشى نُفُورُه وغضبه، أو أن يكون فاضلاً نسي؛ فلا يحسن إحراجه وتبكيتُه. 2- مراعاة حال المتصل عليه، والتماس العذر له: فقد يكون مريضاً، أو في مكان لا يسمح له بالتفصيل كأن يكون في مسجد، أو مقبرة، أو بين أناس لا يود أن يقطع حديثهم أو نحو ذلك؛ فإذا لم يرد، أو رد رداً مقتضباً، أو كانت الحفاوة أقل من المعتاد- فعلى المتصل أن يبسط له العذر، وألا يسيء به الظن. كما يحسن بالمتَّصَلِ عليه أن يخبر المتَّصِل فيما بعد، أو يرد عليه رداً سريعاً يبين من خلاله أنه في مكان لا يسمح له بالحديث؛ فذلك أسلم للقلوب، وأبعد لها من الوحشة والنفرة. 3- الحذر من إحراج المتَّصَلِ عليه: كأن يَمْتَحِنَ المتَّصِلُ المتَّصَلَ عليه بقوله: هل تعرفني؟ فإذا قال: لا، بدأ يلومه، ويعاتبه على نسيانه له، وعدم تخزينه لرقم هاتفه!. مع أن المتَّصَل عليه قد يكون ذا مكانة في العلم أو القدر أو السن، وقد يكون ممن لا يخزن الأرقام في جواله، وقد يكون جواله مليئاً ولا يتسع للمزيد؛ فأولى للمتصل أن يخبر عن اسمه في البداية إن كان يريد أن يُعْرف، وأن ينأى عن تلك الأساليب المحرجة. جاء في الصحيحين عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدعوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) فقلت: أنا، فخرج وهو يقول: ((أنا أنا!!))1، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم استنكر كلمة (أنا) المبهمة التي لا تدل على شخص محدد. 4- البعد عن استعمال النغمات الموسيقية: لما في ذلك من الحرمة، وانتقاص العقلاء لمن يستعملها، ولما فيها من التشويش والأذى. ويقبح استعمالها إذا كان في المساجد، أو المجالس العامة. 5- استعمال الجوال في مجالس العلم ومجالس الأكابر عموماً: لا ينبغي استعمال الجوال في المجالس العامة؛ لأن ذلك يذهب هيبة المجلس، ويقطع الفائدة على المتعلمين، ويؤذي من يلقي الدرس أو الفائدة، ويزري بمن يستعمل الجوال في تلك المجالس. بل ينبغي للإنسان ألا يتصل أو يردَّ على المتصل إذا كان في مجلس يسوده الجد، ويتكلم فيه متكلم واحد، أو أن يكون في ذلك المجلس من يَكْبُره في السن والقدر؛ لأن الاتصال أو الرد يقطع الحديث، ويكدر على الحاضرين، وينافي أدب المحادثة والمجالسة. وقد يُغْتَفَرُ الاتصال أو الرد إذا كان في الأمر ضرورةٌ، أو حاجةٌ يُخشى فواتُها ويراعى في ذلك ترك التطويل. ويغتفر - أيضاً - لكبير القدر أو السن أن يتصل أو يرد، ويغتفر - كذلك - إذا كان الإنسان في مجلس إخوانه أو أصدقائه الذين يطرح الكلفةَ بينهم، أو الذين لم يسترسل حديثهم. ويجمل بالمرء - أيضاً - إذا أراد الاتصال أن يستأذن ويخرج عن المجلس. 6- تسجيل المكالمات، أو وضع الجوال على مكبر الصوت بحضرة الآخرين دون علم الآخر: فقد يتصل أحدٌ من الناس على صاحبه، أو يتصل عليه صاحبه فيسجل المكالمة، أو يضع الجوال على مكبر الصوت وحولَه مَنْ يسمع الحديث. وهذا العمل لا يليق بالعاقل خصوصاً إذا كان الحديث خاصاً أو سِرِّياً؛ فقد يكون ضرباً من الخيانة، أو نوعاً من النميمة. ويقبح إذا كان المُتَّصل عليه من أهل العلم ثم سجل المتصِّل حديثه دون إذنه، ثم نشره بعد ذلك، أو وضعه في الإنترنت، أو كتبه وزاد فيه ونقص. قال الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد حفظه الله: "لا يجوز لمسلم يرعى الأمانة ويبغض الخيانة أن يسجل كلام المتكلم دون إذنه وعلمه مهما يكن نوع الكلام: دينياً، أو دنيوياً كفتوى، أو مباحثة علمية، أو مالية، وما جرى مجرى ذلك"2. وقال حفظه الله: "فإذا سجلت مكالمته دون إذنه وعِلْمِه فهذا مكر وخديعة، وخيانة للأمانة، وإذا نشرت هذه المكالمة للآخرين فهي زيادة في التَّخون، وهتك الأمانة. وإن فعلت فعلتك الثالثة: التصرف في نص المكالمة بتقطيع، وتقديم، وتأخير، ونحو ذلك إدخالاً أو إخراجاً -دبلجة- فالآن ترتدي الخيانة مضاعفة، وتسقط على أم رأسك في: (أم الخبائث) غير مأسوف على خائن. والخلاصة: أن تسجيل المكالمة هاتفية أو غير هاتفية دون علم المتكلم وإذنه فجور وخيانة، وجرح في العدالة، ولا يفعلها إلا الضامرون في الدين، والخلق، والأدب، لاسيما إن تضاعفت -كما ذكر- فاتقوا الله عباد الله ولا تخونوا أماناتكم، ولا تغدروا بإخوانكم"33. 7- النظر في جوالات الآخرين واستعراض الرسائل دون رضاهم: فذلك من كشف الستر، ومن التطفل المذموم، بل هو ضرب من ضروب الخيانة، وباب من أبواب سوء الظن؛ لأن الناظر في رسائل جوال غيره ربما رأى رسالة ففهمها على غير وجهها، أو ظن أنها أرسلت إلى امرأة يعاكسها وقد يكون صاحب الجوال أرسلها إلى زوجته. وقد تكون الرسالة وردت إليه وهو لم يرض بها، فيسيء الناظرُ الظنَّ في صاحبه وهو براء من ذلك. 8- الحذر من استعمال الجوال في التصوير: فبعض الجوالات تتوافر فيها هذه الخدمة، وقد تُستعمل في تصوير المحارم خصوصاً في المناسبات العامة كالولائم وغيرها. ولا يَخْفَى ضرر هذا الصنيع، وتَسبُّبُه في انتهاك الحرمات، وتفريق البيوت، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ويعظم الأمر إذا نشرت الصورة، وأضيف إليها بعض التعديلات، بحيث يرى صاحب الصورة في وضع عارٍ أو نحو ذلك. فعلى مَنْ تسوِّل له نفسه ذلك أن يحذر مغبة صنيعه، وعلى النساء خصوصاً لزوم الستر والحشمة حتى لا يقع المحذور4. هذه بعض الآداب والتنبيهات المهمة لمستخدمي الجوال، أسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين من كل سوء، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.