ضعفه ومرضه ووفاته ـ رحمه الله :
في عام 1419اشتد عليه الضعف، فشخص إليه أفراد من عائلته منهم الشيخ إسماعيل بن محمد، سيد عشيرته، وضموه إلى جوارهم، واحتضنوه، وهو في مرتبة العم لكبار أولاد جده الأدنى، قال الشيخ حمزة ـ والسياق كله له ـ وكان في تلك الفترة قلما يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى، وكثيرا ما تعتريه الوعكة بعد الوعكة، حتى يفقد فيه الأمل ثم يتعافى؛ لأن الكتاب لم يبلغ أجله، إلى أن حان الرحيل، وقرع الباب الضيف الثقيل، فأصيب بحمى شديدة مصحوبة بزكام، وذلك في أواخر ذي الحجة عام 1422هـ، ومرضته أنا ووالدي وعمي محمد وأخي صالح، إلى أن توفي بعد ظهر يوم الأحد الثالث من المحرم عام 1423هـ، وقام بغسله وتكفينه الوالد والعم محمد بمساعدة مني أنا والأخ صالح والمحمود بن أحنى، وقال بعضنا لبعض: ألا تلاحظون كيف بقيت على وجه المرحوم مسحة الجمال و الوضاءة.
وقد أم المصلين على جنازته الشيخ زين الدين ابن الشيخ المنير، ودفن في مقبرة تامكوتات.
ولن يلبث العصران يوم وليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
مراثيه:
قال الشيخ حمزة الأنصاري ـ والسياق كله له ـ إلا ما بين المعكوفين.
رثاه الشيخ الفاضل الشاعر المفلق، الناثر المؤنق، أبو عمر أحمد محمد ابن الشيخ العلامة محمد الحاج بهذه القصيدة الرائقة:
أبكى الطيور بموحش الأوكار** خطب يُشت مجامع الأفكار
فاعجب لها تبكي لرزء أخرست**أشجانه البلغاء في الأمصار
ما إن ترى إلا مجمجم حزنه**أو واجما من صرعة الإسكار
فالكون أظلم كله من بعده**أيضيء غب تغيب الأقمار؟!
والدين منزعج لرحلة زينه**تعلوه غاشية من الأخطار
فبكت له عين السمآ، وتبجست**حزنا عليه،صوالد الأحجار
حق على الدنيا لدن طلقتها**أن تستطيب مرائر الأكدار
فلأنت مهجتها،وبهجتها التي**تزهو بها،وبصيتها السيار
هذي عمائدنا الرواسخ تنحني**نحو السجود تحن للإدبار
فتكدرت كل الموارد بعده**وعرى الذبول نواضر الأزهار
إن كان ذلك حالها يا ويحها**ما لي أكن كنائن الأسرار؟!
أو لم أكن بيد الهلاك فريسة**ومن الجنون على شفير هار
يومي بكاء بين حر شهيقه**وزفيره أحتار دون قرار؟!
والليل حزن كم يحرق بي، وفي**طي الفؤاد سرى جحيم النار
كم جاش جيش الهم بين أضالعي**فأهيم كالمحتار لا المختار
أغضي على شوك الغضا ومدامعي**سحاء مثل الوابل المدرار
فتقلصت دون العيون جفونها**تجفو المآقي، فهي أي قصار
لا بدع إن عميت وعام مولّهاً**إنسانها في لجة الأنهار
أأنام في دعة قريرا بعد ما**أودى حميدا شيخنا الأنصاري
أودعت إذ ودّعت أثناء الحشا**حرا يحش صدورنا بأوار
فعلى القرابة أن تظل حياتها**تقتات حزنا غائر الأغوار
لو انه يفدى لجدنا كلنا**بنفوسنا، ونفائس الأعمار
لكنه اعتاف الدنية وارتضى**أخرى، وتلكم دينة الأخيار
فتناوحت كل المكارم بعده**ترثيه في الإجهار والإسرار
لما أضاء سبيلنا دهرا مضى**فتوالت الظلماء وسط نهار
لا تعجبوا،فلكم تغيب قبله**بدر السمآ في ليلة الإبدار
إما يغب ،فلقد غنينا دهرنا**من إرثه بأثارة الآثار
لهفي على علم به ازدان الورى**وتناقلته مسامع الأقطار
ألقت مقالدها العلوم تؤمه**سعيا على إعضالها ونفار
تكفي تآلفه شهيدا أنه**جلى وأمعن، فابل بالمسبار
أما النوازل فهو ملجؤها ،وكم**حمدته في الإيراد والإصدار
ورث الفضائل لا لأجل كلالة**بل عن جدود سادة أبرار
أفنى نضارة عمره بتحلم**وتحمل الأسفار في الأسفار
فصلاته وهنا كمثل صلاته**تترى على وهن إلى الإسفار
تحيي الليالي إن دجت أفكاره**في الذكر رغم تعاقب الأذكار
شهدت له أن الصلاح نديمه**في العالمين أواخر الأسحار
إن أنس لا أنسى زمانا زانه**إحسانه الأسنى،وحسن جوار
والحلم حلية وجهه متحليا**بوجاهة ومحاسن الآثار
أرحامه مرحومة،محرومة**مما سوى التقريب والإيثار
فترى الصغار- على جلالة قدره-**مثل الكبار لديه في الإكبار
وترى الشيوخ بيوم عيد مشرق**إبان طلعته غداة مزار
يتفكهون بغض علم ،تارة**يتجاذبون طرائف الأخبار
تحكي أياومه عهوداً نضّراً**بين النبي وشيخة الأنصار
لا غرو إن وفى ،فتلك سجية الـ**أنصار،حفظ سوابق الآصار
دعني ولومي ، لم أقل إلا الذي**سارت به الركبان في الأقطار
هذي مكارمه تفوت قوافيا**ما إن تنال بغيرة الأغيار
عزت عن الإحصاء إذ لا تنقضي**بالعد، فالإقلال كالإكثار
حسبي له جنات عدن منزلا**وكفى بها حسنى وعقبى الدار
صب الإله عليه من آلائه**ديماً، تدوم بروضه المعطار
تهمي عليه محلة حتى يرى**معشوشبا بمراحم الغفار
ثم الصلاة على النبي محمد**في آله ،وصحابه الأخيار
ورثاه أخونا الشيخ الفاضل أبو أسعد نافع بن عثمان الأنصاري بقصيدة ليس عندي منها إلا ما يلي:
هذا القضاء فما له من دافع** كلا،ومن سمك السمآ، أو رافع
خطب يجل عن البكآ،ورزية**عز العزاء بها،فليس بنافع
فلو انها روحي،وخلف بعدها**جسمي، لهان علي من ذا الواقع
أو لا ترى يبس الجذور أشد في**إتلافها،من قطع غصن يانع
وأعز من فقد الغصون جذورها**فقد البنين جدودها بتتابع
فوربه لولا رجائي رحمة**في الصبر عن هذا البلاء الواقع
وتجلد أبدي ليطفئ بي أسى**أخفيه من بين الجوانح لاذع
لبكاك زين الدين – ملئ جفونه**دمع تحدر من فؤاد جازع
ولئن تقاصر عن إذاعة لوعتي**سجلان من وطف العيون الهامع
فلتبكين فقدي لجدي كلمة**أفشي بها حزناً أقضّ مضاجعي
بأحرَ مما قد بكته نوازل**كم حيرت ذهن الفقيه البارع
فأجاد زين الدين حل عضالها**ببديع نظم ،أو بنثر رائع
ولقد بكى فقه الإمام فراته**من ذائد عن حوضه ،ومدافع
ولقد بكته إلى الأصول فروعها**يبكين خرقاً ما له من راقع
أما خليل فلا خليل بعده**فلو استبان مقالة للسامع
الدراسات عن شخصيته رحمه الله
ـ ترجم له الشيخ حمزة بن عثمان الأنصاري في كتابه (الفيض الفراتي،في أخبار الحي التكراتي) وهي أصل تراجمه التي بأيدينا
ـ أجرى الطالب الأخ /أحمد منير مختار الأنصاري رسالة تخرج حول شخصيته وآثاره في الجامعة الإسلامية بالنيجر"ساي"
ـ ترجمته التي بين يديك وهو عبارة عن ترجمة الشيخ حمزة له مزيدة وملخصة .
كتبه /أحمد محمد بن محمد الحاج الحسني الأدرعي.
__________________