قانون زجر المتحرشين
قانون زجر المتحرشين
لم يعد التحرش الجنسي ذلك ""الطابو"" الذي يخشى الجميع دراسته و الخوض فيه، حيث أضحى ظاهرة اجتماعية تحظى باهتمام مجموعة من المنابر الإعلامية كما استأثرت بنقاش مجموعة من الفعاليات الحقوقية و جاء نتيجة لذلك هذا المولود الجديدو الذي اختير له من الأسماء ""قانون زجر المتحرشين"" في إطار مقاربة قانونية تكفل التصدي لهذه الظاهرة في مختلف صورها.
و في هذا السياق، فقد حافظ المشرع المغربي على نفس الصياغة بالنسبة للتحرش الجنسي في مفهومه القانوني الكلاسيكي أو ما يعرف ب "" تحرش الرئيس بالمرؤوس"" مع الرفع من العقوبة الحبسية في حدها الأقصى لتصل إلى ثلاث سنوات عوض سنتين، حيث نصت المادة 1-503 من مشروع القانون الجنائي على أن : " يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و غرامة من 5000 إلى 50000درهم، من أجل جريمة التحرش الجنسي، كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أي وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية" .
و قد وسع المشرع المغربي من دائرة التجريم فيما يتعلق بهذه الظاهرة حيث خرج عن التجريم الكلاسيكي الذي ظل محصورا في نطاق العمل و في إطار علاقة التبعية أو ما يعرف ب"" تحرش الرئيس بالمرؤوس"" ليشمل بالتالي مختلف صور و حالات التحرش الجنسي داخل و خارج العمل مع تحديد لمجموعة من الظروف المشددة و التي من شأنها تشديد العقاب متى توافرت شروطها، حيث نصت المادة 1-1-503 على أنه : "" يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي و يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر و غرامة من 2000 إلى 10000
درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1 – كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛
2 – كل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية."" هذه المادة و إن كانت تشكل في عمقها انسجاما مع ما أضحى يعرفه المجتمع من سلوكات و ظواهر كان يستعصي التصدي لها في ظل غياب نص قانوني صريح يجرم هذه السلوكات طالما أن القانون الجنائي محكوم بقاعدة الشرعية الجنائية التي تنص على أنه "" لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص""، لكن القراءة الأولية لهذه المادة تدعونا للتوقف عند مجموعة النقط التي يجب الإحاطة بها:
أولا: بالنسبة للعقوبة، فقد جاءت تخييرية، إذ تركت للقاضي الجنائي في إطار سلطته التقديرية الحكم إما بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهرو إما بغرامة من 2000 إلى 10000 درهم مع إمكانية الجمع بين العقوبتين.
ثانيا: بالنسبة للركن المادي، فإن المشرع لم يعرف ما المقصود بالتحرش الجنسي و لم يميزه عن الغزل أو التغزل، إنما اكتفى بتحديد مجموعة من الأفعال التي تشكل الركن المادي حيث نص على أن : – كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛
2 – كل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية" غير أن هذا النص يصطدم و المبدأ الجنائي الذي يقضي بالتقيد بحرفية النص و عدم التوسع في تفسير النص الجنائي و ذلك باستعماله لعبارات فضفاضة التي تحتمل أكثر من تأويل كما هو الشأن بالنسبة لعبارة ""أمعن"" التي تفيد التدقيق و الإطالة و التمادي في الشيء و كذا ""المضايقة"" التي تنطوي على مفهوم نسبي يختلف من إنسان لآخر و ذلك باختلاف التكوين النفسي و التربية الأخلاقية و الدينية، فمثلا مجرد النظرات قد تشكل في حد ذاتها مضايقة في حين قد يذهب للبعض لحد اعتبار اللباس و التمايل في المشي مضايقة و استفزازا له، فهل سيتم متابعة النساء الكاسيات العاريات بتهمة "التحرش الجنسي" ؟؟؟فضلا على أن المشرع وسع من النطاق المكاني ""الفضاءات العمومية أو غيرها""، فإذا كانت الفضاءات العمومية معلومة مسبقا و تفيد الأماكن المفتوحة في وجه العموم، فإن عبارة غيرها تبقى أيضا فضفاضة و تعني بمفهوم المخالفة الأماكم غير العمومية، كالمصعد مثلا.
و يعتبر تجريم توجيه الرسائل ذات الحمولة الجنسية أيا كان نوعها سواء رسائل" مكتوبة أو الهاتفية أو أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور" خطوة جريئة للمشرع المغربي تستحق منا الوقوف عندها و التصفيق بحرارة عليها سيما في ظل عاصفة الفيديوهات و الصور الإباحية التي أصبحت تجتاح حياتنا الخاصة دون سابق نشرة إنذارية من قبيل "أبو فادي" و أبو ماضي".
ثالثا: بالنسبة للركن المعنوي، فقد اشترط المشرع توجيه إرادة الجاني نحو إستمالة المتحرش به(ها) لأغراض جنسية، و بالتالي يمكن القول أن المشرع قد جرم بشكل غير مباشر التحريض على الفساد طالما أن التحريض على الدعارة له شروطه التي من أهمها وجود المال مقابل الجسد و التي تختلف الكل عن التحرش الجنسي.
غير أن الملاحظ ان المشرع لم يتطلب ضرورة توفر الركن المعنوي "بالنسبة توجيه الرسائل ذات الحمولة الجنسية" و بالتالي فمجرد توجيه هذه الرسائل يغني عن الخوض في مدى تحقق الركن المعنوي من عدمه.
و قد أحاط المشرع هذه الجريمة و الآفة الخطيرة الجد متفشية في أيامنا بسياج من الظروف المشددة و التي من شأنها مضاعفة العقوبة، حيث نص في الفقرة الأخيرة من المادة 1- 1-503 على أنه : "تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام و الأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها" . كما نص من خلال المادة 2-1-503 على أنه : " يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات و غرامة من 5000 إلى 50000درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية قاصرا دون الثامنة عشر من عمره" .
و بالرغم من كل ما قيل، يبقى السؤال مطروحا حول مدى نجاعة هذا القانون في تحقيق الردع بنوعيه العام و الخاص و ما مدى كفاية هذا القانون للحد من هذه الظاهرة سيما أن مجموعة من الظواهر في تزايد مستمر بالرغم من تجريمها؟؟؟
و في الأخير، يمكننا القول بأنه إلى جانب هذه الترسانة القانونية التي تشكل قيمة تشريعية كبيرة و تنسجم مع واقع اليوم المعاش و ستسد لا محالة الفراغ التشريعي في هذا الباب، إلا أن الوازع الديني يبقى في نظرنا الفيصل و الحل الناجع لمواجهة هذه الظاهرة اللاأخلاقية مع استحضار آيات الذكر الحكيم، حيث جاء في محكم كتاب "الله" عز و جل في سورة النور بعد بسم الله الرحمان الرحيم " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون (30) و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، و ليضربن بخمرهن على جيوبهن، و لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، و لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، و توبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون(31)" صدق الله العظيم.
ذ. محمد ابورك - باحث في القانون الجنائي