تنين فوبرتال .. أقدم طرام عمومي معلّق في العالم ..؟؟
احتلت مدينة فوبرتال مساحة مهمة في الإعلام الألماني والدولي مؤخراً عندما تمّ الحديث عن قيام شباب مسلمين بتنظيم حملات لما يُعرف بـ"شرطة الشريعة". لكن من يعرف المدينة بشكل جيد، لن يجعل اسمها مجرد إحالة على جماعات تصفها ألمانيا بالمتطرفة، بقدر ما سيتذكر "طراما" معلّقاً في سماواتها، يعتبر أقدم مقطورة معلّقة تعمل بالكهرباء في تاريخ الكرة الأرضية. قبل 113 سنة، دُشّن هذا القطار في هذه المدينة الهادئة بغرب ألمانيا، ومنذ ذلك التاريخ وهو يحافظ على بهائه رغم مرور العقود ومعاناة المدينة من ويلات الحرب العالمية، ليصير رمزها الذي تُعرف به بين مدن العالم، وخادمها الأول المصّر على نقل أبناء وزوار المدينة، فلا يمكن لمن تطأ أقدامه أرض فوبرتال، أن يمنع نفسه من الاستمتاع برحلة عبر مقطورات هذا "الطرام" لا يتجاوز ثمنها أورو ونصف.
تعود فكرة هذا "الطرام" إلى مهندس إنجليزي هو "روبنسون بالمر" الذي فكّر في مقطورات تمرّ فوق نهر فوبر الذي يقطع مدينة فوبرتال، خاصة مع عدم إمكانية شقّ شوارع المدينة لإقامة قطار يساهم في التنمية الصناعية بالمدينة. غير أنّ المشروع لم يرَ النور إلّا مع مهندس آخر، هو ابن مدينة كولونيا "أوجين لانجن" الذي أوكل إليه تحقيق ما فكّر فيه المهندس الإنجليزي، من أجل ربط نهر فوبر مع حوض الرور القريب من المدينة. بعد ثلاث سنوات من العمل، خرج قطار فوبرتال إلى الوجود بتكلفة قاربت 16 مليون مارك ألماني، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف سوى لفترة قليلة بعد الدمار الذي حلّ به خلال الحرب العالمية الثانية. كل يوم يمرّ على عشرين محطة ذهاباً ومجيئاً في مدة لا تزيد عن ساعة، وينقل الآلاف من الموظفين والطلبة والسياح والراغبين في قضاء أغراضهم.
هو وسيلة النقل الأساسي والأجمل في هذه المدينة، تحسّ به فوق رأسك مباشرة عندما تمرّ تحت سكته، فهو لا يرتفع عن الأرض سوى ببضعة أمتار. عندما تركب فيه تتخيّل نفسك للحظات واقفاً على متن مهد متحرّك مخصّص لتهدئة طفل صغير، حيث يتمايل بك "الطرام" يميناً ويساراً، وإذا لم تجلس على الكراسي القليلة التي تحتل فضاءاته، أو تتمسك بالقضبان الحديدية التي تخترقه، قد تسقط في مشهد يتكرّر من حين لآخر، خاصة عندما يتوقف "الطرام" في محطة من المحطات.
وصفته الشاعرة الألمانية ابنة المدينة "إلزه لاسكر شولر" بأنه "تنين فولاذي يلتف ويلتوي فوق النهر الأسود، محطاته هي رؤوسه العديدة وكشافاته عيون التنين التي تقدح شرراً". وكان إلى عهد قريب أكثر وسائل النقل أماناً في العالم حيث لم يتسبب أبداً في وفاة أي إنسان، إلى سنة 1999 عندما انحرف "شويبيبان فوبرتال" عن مساره وسقط في النهر مخلّفاً وفاة خمسة أشخاص وجرح قرابة خمسين واحداً. غير أن هذا الحادث ليس الأول من نوعه، قبله وقع حادث آخر غاية في الطرافة، لا زال أهل المدينة يحكونه خاصة لوجود محل بالمدينة يحمل اسم بطلة الواقعة. هي فيلة تدعى "توفي" أراد أصحابها نقلها عبر هذا "الطرام" إلى حلبة سيرك، غير أن الرحلة لم تثر إعجابها، فضربت بقدميها جدران مقصورة الطرام، ممّا أدى إلى سقوط الفيلة في النهر دون أن تتعرّض إلى أذى كبير.