الحمد لله الذي قدَّم من شاء بفضله ، وأخَّر من شاء بعدله .. لا يعترض عليه ذو عقل بعقله ، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله .. هو الكريم الوهَّاب ، هازم الأحزاب ، ومنشئ السحاب ، ومنزل الكتاب ، وخالق خلقه من تراب .. أشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع سنته إلى يوم الدين .. أما بعد :
وخلتهمُ سهامـاً رامياتٍ *** فكانوها .. ولكن في فؤادي ! وقالوا: قد صفت منا قلوبٌ ** وقد صدقوا .. ولكن عن ودادي "
عرفتهم .. أحببتهم .. وأحببت الجلوس معهم .. وكنتُ أراهم قدواتاً قبل أن يكونوا أصحابا .. ولكن الأمر كما قال خير البشر عليه الصلاة والسلام : ( إنَّ قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن ، كقلبٍ واحد ، يُصرِّفه حيث يشاء ) ثم قال : ( اللهم مصرِّف القلوب ، صرِّف قلوبنا على طاعتك ) رواه مسلم .
ما أقسى أن ينكسر الصلب ، ويضعف القوي ، ويخبو المضيء ! إن المنشود عظيم ، والثمن غالٍ ، والطريق طويل .. وكما قال أجدادنا رحمهم الله : ( جادَّة الطوع طويلة ! ) ، ولكن من عرف قيمةَ ما يطلب ؛ هان عليه ما يبذل .. والجنة لا يستحقها الضعيف الهزيل الناكص على عقبيه .. ولمَّا يصل !
الفتن تتخطَّف من حولنا ، وكلنا عرضةٌ لحبائل الشيطان المُغرضة ، وأنيابه المفترسة ، ولكن السعيد من جاهد وصبر .. فلا يُوقِف مركبه إلا وقد رسى على شط الإيمان .. وما أهون الشيطان ، وما أقل حيلته ، وما أضعف كيده إذا واجهه المؤمن بسلاح الإيمان المُضاء ، ونوره الوضَّاء .. فراجَع إيمانه ونظر في علل فتوره وتقصيره .
ما أحوجنا إلى أن نتكاشف ونتناصح ! ذلك خيرٌ وأولى من ترك العِلل تسري في الجسد دون تشخيص أو علاج ! لا سيما في هذا الزمن الذي ماجت فيه فتن كقطع الليل المظلم !
وما سيأتي - بإذن الله - من سطور هي خواطر محب ، أكتبها لي وللجميع ، ولستُ أخاطب بها شخصاً غير موجود ، بل إنني أنادي تلك النفوس التي نحملها ، وأخاطب القلوب التي بين جوانبنا .. فاللهم أصلح أحوالنا ، وطهر قلوبنا ، وقنا شرور أنفسنا ، ولا تكلنا إليها فنضل ، واجعل مآلنا إلى خير ، واختم لنا بخير ، واجمعنا في جنات النعيم .. اللهم آمين .