شرط الإحتفاظ بالملكية
بحث الأول : الطبيعة القانونية لشرط الإحتفاظ بالملكية
المطلب الأول : طبيعة لشرط الإحتفاظ بالملكية في التشريع الوضعي.
الفقرة الأولى : شرط الإحتفاظ بالملكية في القانون المغربي.
الفقرة الثانية : شرط الإحتفاظ بالملكية في القانون المقارن.
المطلب الثاني : شرط الإحتفاظ بالملكية بين الفقه و القضاء.
الفقرة الأولى : موقف الفقه .
الفقرة الثانية: موقف القضاء .
المبحث الثاني: آثار شرط الاحتفاظ بالملكية في المادة التجارية.
المطلب الأول : آثار اشتراط الاحتفاظ بالملكية فيما بين الأطراف.
الفقرة الأولى: نقل الملكية.
الفقرة الثانية : تبعة هلاك المبيع.
المطلب الثاني :آثار شرط الاحتفاظ في مواجهة الدائنين.
الفقرة الأولى : نفاذ شرط الاحتفاظ بالملكية .
الفقرة الثانية : حجية الشرط أمام الغير المتصرف إليه.
خاتمة :
المـــقـدمــة :
تعتبر مؤسسة الملكية مؤسسة قائمة الذات عرفت تطورا عبر محطات تاريخية مختلفة وذلك كنتيجة للتطور الذي شهده المجال القانوني على المستويين النظري و العملي بفعل الحركية التي تعرفها التصرفات القانونية يوما بعد يوم و بفعل تطور مفهوم الإلتزام في الرابطة العقدية التي تجمع أطراف العقد كأصل عام.
و الاحتفاظ بشرط الملكية ما هو إلى ناتج عن هذا التطور الذي فرضته الحياة العملية و العلمية حيث كان لهذا أثره في ضرورة البحث عن وسيلة لضمان تنفيذ الالتزام يمكن من خلالها مواجهة المخاطر التي تهدد أحد مراكز العقد مما هو أصلا طرفا فيه و تبلور حماية تستجيب للتقلبات و التطورات الاقتصادية في الميدان التجاري.
و عليه فإذا كان شرط الاحتفاظ بالملكية يشكل إستثناءا يستند إلى إرادة المتعاقدين عن المبدأ الذي يقرر إنتقال الملكية كأثر فوري للعقد الذي يؤطر هذا الانتقال, فإن جوازه يتصل بقاعدة مفادها هل هذا التصرف العقدي مرتبط بالنظام العام أم لا,مما يفسح المجال في حالة العدم أمام نفاذ هذا الشرط بين أطرافه على أساس إتفاقي هدفه الأساسي و الأسمى توفير التأمين المناسب للمالك من خلال ضمان تنفيذ الإلتزام المقابل لإنتقال حق الملكية من يد المالك الأصلى إلى المالك الجديد.
الأمر الذي يجعلنا نتسأل و بحق عن الطبيعة القانونية لشرط الاحتفاظ بالملكية ؟
و الآثار التي يمكن أن تنتج عن هذا الشرط ؟
المبحث الأول : الطبيعة القانونية لشرط الإحتفاظ بالملكية .
إن دراسة الطبيعة القانونية لشرط الإحتفاظ بالملكية يقتضي الأمر التطرق إلى موقف التشريع من هذا الشرط (المطلب الأول)، على أن نتطرق فيما بعد إلى الإتجاهات الفقهية والقضائية التي حاولت تحديد الطبيعة القانونية لهذا الشرط (المطلب الثاني).
المطلب الأول : طبيعة شرط الإحتفاظ بالملكية في التشريع الوضعية.
الفقرة الأولى : شرط الإحتفاظ بالملكية في القانون المغربي :
انطلاقا من نصوص قانون الإلتزامات والعقود، يتبين لنا أن المشرع المغربي لم يشر صراحة إلى شرط الإحتفاظ بالملكية وبالتالي نفترض أن المشرع إما أنه لم ينتبه إلى هذا الشرط، وإما أنه فضل الإكتفاء بالقواعد العامة للشرط في ق.ل.ع لتنظيـمه، بحيث إذا اعتبر شرطا فاسخا تم تطبيق الأحكام المتعلقة بالشرط الفاسخ، أم إذا اعتبر بيع مضاف إلى أجل أخضع لأحكام هذا البيع.
لكن بالرجوع إلى القواعد العامة لعقد البيع نجد أنه بمجرد تراضي الطرفين تنتقل الملكية إلى المشتري، وبالتالي قد يظهر من الوهلة الأولى أن إعمال شرط الإحتفاظ بالملكية مخالف لهذه القواعد، لكن بما أن هذا الشرط لا يخالف النظام العام، ولا يتنافى مع إرادة المشرع الذي أعطى الإمكانية للأطراف أن يضمنوا عقودهم ما أرادوا من شروط باعتبار العقد شريعة المتعاقدين، شريطة أن لا يخرجوا عن روح القانون والنظام العام.
وما قلناه لا يعني أن القانون المغربي لا وجود فيه لهذا الشرط، إذ نجد عدة تطبيقات لهذا الشرط في عدة قوانين خاصة من بينها ظهيـر 17 يوليوز 1936 المتمم لظهيري 6 يوليوز 1953 و ظهيـر 22 أبريل 1957 المتعلق ببيع السيارات بالطلق الذي جاء في مادته السادسة أنه فيما يرجع لبيع السيارات بالسلف حسب ما هو منصوص عليه في الفصلين 3 و 4 يحتفظ البائع بملكية المبيع وتوابعه حتى نهاية أداء كامل ثمن البيع من طرف المشتري ولو أصبح المدين في حالة إفلاس أو عجز عن الوفاء بالديون، ولو كانت السيارة في حيازة أي كان[1].
كما نجد تطبيقا آخر لشرط الإحتفاظ بالملكية على مستوى مدونة التجارة في إطار عقد الإئتمان الإيجاري والمعروف بالإنجليزية ب Leasing [2] قد نظمه المشرع في الفصول من 431 إلى 442 من مدونة التجارة، ويمكن القول بأنه عقد تقوم فيه شركة مالية متخصصة ومرخص بها، بشراء ما يحتاج إليه المستثمر والمقاولة من معدات وآلات وأدوات النقل للأغراض المهنية، أو عقار في اسمها مشيد أو في طور التشييد، وكل هذا بعد اختيار المستفيد من هذه العملية للمورد وكل ما يحتاج إليه، ثم الإتفاق في الوقت ذاته مع هذا الأخير على كل المواصفات التي يرغب فيها وتاريخ التسليم[3].
إلا أن شرط الإحتفاظ بالملكية يبرز بشكل واضح من خلال المادة 672 من مدونة التجارة التي تنص على أنه " يمكن أيضا استرداد البضائع المبيعة شرط الأداء الكامل للثمن مقابل نقل ملكيتها، إذا كانت هذه البضائع موجودة بعينها وقت فتح المسطرة…"
وقد قيد هذا الفصل فعالية شرط الإحتفاظ بالملكية في إطار مساطر التسوية أو التصفية القضائية بمجموعة من الشروط[4]، كما أن اشتراط الإحتفاظ بالملكية في هذا الإطار يجعل البائع المستفيد منه لا يعتبر دائنا عاديا، وذلك لأنه يستند إلى حق الملكية باعتباره ضمانة عينية يمكنه الإحتجاج بها في مواجهة المساطر الجماعية للمشتري[5].
من هنا يتضح أن المشرع أعطى أهمية كبيرة لشرط الإحتفاظ بالملكية في الميدان التجاري نظرا للدور المهم الذي يمكن أن يلعبه بين التـجار.
الفقرة الثانية: شرط الإحتفاظ بالملكية في القانون المقارن.
نظم المشرع الفرنسي شرط الإحتفاظ بالملكية في قانون 12 ماي 1967 في عقود البيع، لكن اكتفى بتنظيم آثار هذا الشرط بالنسبة للغير في إطار إجراءات التسوية القضائية وتصفية الأموال[6] ودون التطرق لآثاره فيما بين الأطراف. وقد نص في المادة الأولى عن هذا القانون على وقف نقل الملكية إلى غاية الوفاء بكامل الثمن متبنيا بذلك الآثر الواقف لشرط الإحتفاظ بالملكية، وبالتالي تبقى الملكية في يد البائع إلى غـاية أداء مجموع الثمن. لكن ما يعاب على المشرع الفرنسي في هذا الإطار هو عدم تبيان الأساس الذي يستند إليه المشتري في الإستعمال والتصرف في المبيع المحتفظ بملكيته، علما بأنه لم يصبح بعد مالــكاً[7]
ويؤدي التكييف القانوني أعلاه إلى نتيجة مهمة تتمثل في كون البائع هو الذي يتحمل تبعة هلاك الشيء المبيع، رغم أنه يكون في يد المشتري وهنا تكمن الخطورة، وبالتالي كثيرا ما يعمد البائع إلى إضافة شرط آخر لشرط الإحتفاظ بالملكية هو شرط يجعل المشتري يتحمل تبعة هلاك الشيء المبيع خاصة أنه لا يوجد ما يمنع الأطراف من الإتفاق على إدراج هذا الشرط في عقد البيع لكونه يستند إلى إرادة الأطراف الحـرة.
كما أن المشرع الفرنسي لم يتعرض لما إذا كان البائع ملزماً بإرجاع الأقساط التي تلقاها من الثمن، وذلك عندما يسترد البضاعة من المشتري، أما أنه يحتفظ بها على سبيل التعويض[8]
ينص الفصل 430/1 من القانون المدني المصري على أنه " إذا كان البيع مؤجل الثمن، جاز للبائع أن يشترط أن يكون نقل الملكية إلى المشتري موقوفا على استيفاء الثمن كله ولو تم التسليم"
انطلاقا من النص أعلاه يتضح أن المشرع المصري أكثر وضوحاً من نظيره الفرنسي وكذا الألماني [9]، كما أن النص المصري جاء أكثر عمومية ولا يقتصر على بيع المنقول، إنما يمكن إدراجه حتى في بيع العقار.
إلا أن أهمية شرط الإحتفاظ بالملكية تقتصر على المنقول لكونه يهدف إلى استرداد الشيء المبيع من يد المشتري لامتناع ذلك أصلا[10]. أما بالنسبة للعقار فيمكن الإستغناء عن هذا الشرط باتفاق كل من البائع والمشتري على تأخير التسجيل بالمحافظة العقارية إذا كان العقار محفظ.
ورغم صراحة الفصل 430 المذكور نجد أن شرط الإحتفاظ بالملكية عديم الأهمية وذلك لأسباب مختلفة، أبرزها رفض القضاء المصري إعماله في حالة إفلاس المشتري، وبالتالي ليس بإمكان البائع هنا استرداد المبيع.
واستند بعض الفقه إلى الفصل 430 المذكور وذهب إلى أن البيع الذي تنظمه هذه المادة، ليس بات، إنما معلق على شرط واقف يتمثل في وفاء المشتري بالثمن في الميعاد المحدد.
فيما ذهب اتجـاه فقهي آخر إلى أن البيع مع شرط الإحتفاظ بالملكية ينعقد باتا، وغير موقوف على شرط، والثمن فيه يكون مؤجل إضافة إلى أن انتقـال الملكية يرتبط بوفاء المشتري بالثمن.[11]
المطلب الثاني : شرط الإحتفاظ بالملكية بين الفقه والقضاء.
في هذا المطلب سوف نتطرق إلى الإتجاهات الفقهية التي عملت على تحديد الطبيعة القانونية لشرط الإحتفاظ بالملكية (الفقرة الأولى)، على أن نتطرق إلى موقف القضاء أيضا من الطبيعة القانونية لهذا الشرط (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : موقف الفقه .
لقد اختلف الفقه حول تحديد طبيعة شرط الإحتفاظ بالملكية، فالإتجاه الأول يعتبر أن البيع مع شرط الإحتفاظ بالملكية هو بيع مضاف إلى أجل واقف، إذ يتفق الأطراف على تأخير تنفيذ العقد إلى حين حلول الأجل وهو الموعد المحدد لدفع الثمن، وبحلول هذا الموعد فإنه يتم الوفاء بكامل الثمن، فتنتقل الملكية من البائع إلى المشتري إبتداءا من هذا الوقت، وذلك بعكس لو كيف هذا البيع على أنه بيع معلق على شرط واقف.
واعتبارا أن البيع مع شرط الإحتفاظ بالملكية بيعا مضافا إلى أجل واقف، فإن المبيع يظل ضمن عناصر الذمة المالية للبائع وذلك إلى حين حلول الأجل ودفع الثمن.[12]
في حين أن هناك إتجاه ثان يعتبر أن البيع مع شرط الإحتفاظ بالملكية هو بيع معلق على شرط واقف[13].
فشرط الوفاء بالثمن هو شرط واقف يرتبط بتحققه وجود البيع ذاته ولا يعقد البيع قبل الوفاء، وبالتالي فإنه يبقى البائع مالكا للمبيع، ولا تنتقل الملكية للمشتري قبل الوفاء بكامل الثمن.
فالبائع حسب هذه النظرية يكون له الحق في التصرف في المبيع خلال الفترة المحددة لدفع الثمن، ففي حالة الوفاء فإن العقد يرتب آثاره بأثر رجعي أي منذ إبرامه معلقا على شرط.[14]
في حين أن هناك إتجاه ثالث يرى عكس ما يراه الإتجاهان السابقان، إذ أنه يعتبر أن البيع مع الإحتفاظ بالملكية هو بيع معلق على شرط فاسخ وهذا الشرط هو عدم الوفاء بالثمن في الميعاد المتفق عليه في العقد.
هذا يعني أن للمشتري التملك وبكيفية تامة للشيء إلا أن حقه هذا يكون مهددا بالزوال طيلة المدة المتفق عليها بأداء الثمن بحيث إذا تم أداء الثمن أصبح البيع تاما ولم يبق مهددا بالزوال، أما في حالة إذا لم يف المشتري بالثمن في الميعاد المحدد يتحقق الشرط الفاسخ ويترتب عن هذا زوال حق المشتري في المبيع وبأثر رجعي بقوة القانون.
يتبع