صورة عملية لتقارب المذاهب
صورة عملية لتقارب المذاهب
المتتبع لحاشية ابن عابدين رحمه الله رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ، يدرك تماما فهم علمائنا رضوان الله عليهم في أن المذاهب وجدت لتكمل بعضها بعضا ، وما وجدت لغايات شخصية فيها انتصار للرأي ، أو تفضيل أحدها على الآخر ، فالأئمة الأربعة بذلوا جهدهم لاستخراج الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، ودارت بين أتباعهم الحوارات والنقاشات ، دون أن يضلل أحد منهم الآخر ، أو يتهمه في دينه ، بل إن مثل هذه الحوارات قد أثرت المكتبة الاسلامية بما أوجدته من كتب الخلاف وبيان طريقة الاستنباط لكل مذهب ، وبينت جانب الرحمة في هذا الدين في اختلاف الأئمة رضوان الله عليهم .
وناهيك عمن شذّ عن طريقة التفكير هذه ، بنشر العصبيات المذهبية ، فمن شذّ شذّ في النار .
وقد بين الإمام الكوثري رحمه الله تعالى أن المذاهب الأربعة تكاد تتفق في ثلاث أرباع المسائل الفقهية .
وقد تجلت هذه الصورة العظيمة في حاشية ابن عابدين رحمه الله تعالى ، فالكتاب وإن كان كتابا مذهبيا صرفا ، يحقق فيه الرأي الراجح في المذهب ، وليس كتاب فقه مقارن ، إلا أنك تجده ينقل عن كتب المذاهب الأخرى ، ويشير في بعض المواضع التي لا نص فيها في المذهب ، أنه قد وجده مثلا عند الشافعية أو الحنابلة ، أو المالكية .
فتراه في مواقع كثيرة ينقل عن المدونة في مذهب مالك ، وعن فتاوى ابن حجر الهيتمي الفقهية والحديثية ، والارشاد لابن عبد ربه ، وكتب الجلال السيوطي ، والوجيز للغزالي مع شروحه ، وشروح المنهاج ، والتحرير للنووي ، وغيرهم ، وتراه ينقل من منتهى الإرادات للحنابلة والغاية الحنبلية وشروحها . .الخ
ويقرر ابن عابدين رحمه الله في كتاب الطلاق / باب الرجعة تحت عنوان :
مطلب : مال أصحابنا الى بعض أقوال مالك رحمه الله ضرورة ، فيقول : فالأولى الجمع بين المذهبين لأنه كالتلميذ لأبي حنيفة ، لذا مال أصحابنا الى بعض أقواله ضرورة كما في ديباجة المصفى .
وفي حاشية الفتال : وذكر الفقيه ابو الليث في تأسيس النظائر أنه إذا لم يوجد في مذهب الامام قول في مسألة يرجع الى مذهب مالك لأنه أقرب المذاهب اليه .
هذا ما أردت قوله هنا ، ففيه من العبرة الكثير ، وبيان جهل ممن يدعو الى نبذ المذاهب ، ويحاول عبثا اظهار تناقضها .
والله الهادي والموفق لكل خير
منقول