ما هو ضغط الأقران؟
ما هو ضغط الأقران أو ضغط المجتمع المحيط
الضغط من المجتمع والبيئة المحيطة، كيف نكتشفه ونواجهه؟ وهل له تأثيرات إيجابية؟
نتعرض جميعا لضغوطات من المجتمع المحيط فكيف نتعامل معها؟
"لم أدخن ولا أدخن، ومتأكدة أن لا نية لدي لتجربته في المستقبل، لكن عدد المرات التي عرض علي التدخين يفوق عدد مرات "صباح الخير" التي أقولها لأصدقائي كل يوم"، لم يتوقف الأمر على التدخين، بل تعداه لكل شيء في حياتي، من الثياب الداكنة التي كنت أرتديها إلى فرع الجامعة الذي سأختاره، وليس انتهاءً بمجال عملي الذي أحب كمحررة في موقع إلكتروني، كل الكلمات التي كنت أسمعها تعاد مع كل طفل ومراهق وفتاة وحتى البالغين، لذا عندما أخذت أول قرار بأن أفعل ما أريد -بغض النظر عن المحيط وتأثيره- نجح الأمر واستمر حتى الآن، نعم لقد منعتهم!
في كثير من الأحيان قد تضطر للضحك على نكات ليست مضحكة، أو تذوق طعاماً حار جداً، أو قد تتظاهر بفهم شيء ما لم تفهمه أبداً، أو الموافقة على فكرة أنت ضدها تماماً لمجرد أن الجميع مع هذه الفكرة، أو الامتناع عن فعل شيء تحبه تجنباً لكلام من حولك وتعليقاتهم الساخرة حول ما تفعله، فبشكل أو بآخر ستؤثر عليك آراؤهم بدراستك وعملك ومكان سكنك وحتى مظهرك الخارجي، في هذا المقال سنتعرف على ضغط الأقران الذي نتعرض له.. ما هو؟ وكيف نواجهه كأفراد وأهالي؟ وهل بالضرورة أن يكون ذو تأثيرات سلبية فقط؟
ما هو ضغط الأقران؟
ضغط الأقران (Peer Pressure) أو الضغط الاجتماعي (Social Pressure)، هو عبارة عن تأثير معين، يتعرض له الناس أو الأفراد من قبل أقرانهم، حيث يتم تحفيزهم وتشجيعهم من أجل اتباع عادات وسلوكيات أو تبني قيم ما أو لاتخاذ قرارات عدة، فتتم هذه العملية على الأفراد بصورة دائمة، لكن عندما يتخذ الأشخاص صفة رسمية يتم التأثير عليهم من قبل الأحزاب أو الفئات الأخرى، كما يتخذ ضغط الأقران في معظم حالاته الناحية السلبية وليس الإيجابية.
من هم الأقران؟
القرين، هو الشخص الذي ينتمي لذات المجموعة الاجتماعية والفئة العمرية والمستوى الاقتصادي والثقافي، الذين تتشارك معهم في الكثير من السمات والاهتمامات والمصالح، وقد تتوافر بينكم بعض الأشياء المشتركة أو جميعها، حيث يميل معظم الأشخاص لقضاء معظم أوقاتهم مع أقرانهم لاسيما الأطفال والمراهقين والشباب.
ولعل مجموعة الأقران تحل في مرحلة من المراحل مكان الأسرة بالنسبة للمراهق من خلال المشاركة في النشاطات الاجتماعية والترفيهية، إضافة لتأثير هذه المجموعات أو الأقران على السلوكيات الاجتماعية، أي تعزيز بعض السلوكيات أو تغييرها، ولاسيما العدوانية منها أو الجنسية، حيث أظهرت دراسة أجريت عام 2011 أن الأشخاص الذين لديهم مجموعة أقران يميلون للعدوانية حيث ازدادت لديهم مستويات العدوانية أكثر من غيرهم، وذلك من خلال دراسة طويلة الأمد، تم فيها مراقبة مجموعة من المراهقين الأستراليين عددهم 328 لمدة سنة، تمت الدراسة بمشاركة جامعة غريفت (Griffith University) ومعهد كوينزلاند، كما أنه من أكثر السلوكيات التي تنتشر نتيجة لتأثير ضغط الأقران هي: التدخين، شرب الكحول، المخدرات، بعض السلوكيات العدوانية.
لماذا يتأثر الأفراد بأقرانهم ولاسيما الأطفال والمراهقين؟
يعتمد الأطفال التقليد والمحاكاة كأحد أكثر أساليب التعلم التي يتبعونها لاكتشاف الأشياء الجديدة، لذا هم يخضعون لعملية ضغط الأقران أكثر من غيرهم، فيمتد تأثير الأقران من نوعية الطعام إلى الثياب ونوع الموسيقى التي يستمعون لها، وحتى لطريقة تصفيف الشعر. بالنسبة للمراهقين والشباب فهم يقضون أوقات طويلة مع أصدقائهم وأقرانهم؛ بالتالي يزداد تأثير هؤلاء الأقران كلما أصبح الشباب أكثر استقلالية في حياتهم بعيداً عن الأهل.
ولعل فترة الانتقال من المراهقة إلى مرحلة الشباب هي أحد المراحل الهامة والحساسة في حياة أي شخص، حيث يتحول من طفل يعتمد على الآخرين في معظم جوانب حياته ومتطلباته إلى شخص يحاول أن يكون مستقلاً يتخذ قراراته بنفسه، ويعتمد على ذاته لتلبية احتياجاته، إضافة للتغيرات النفسية والجسدية التي ترافق هذه المراحل، وفي محاولة أن يكون الشخص مستقلاً يحاول تجربة العديد من الأمور الجديدة أو الغريبة، لكن قد تتحول التجربة لشيء خطير؛ يؤثر على حياتهم ويحول هذه المرحلة من المتعة والحيوية إلى المشاكل والاكتئاب واليأس.
"من الصعب جداً مقاومة ضغط الأقران لأننا جمعياً نفضل أن نكون مقبولين في مجتمعاتنا"؛ هذا ما قاله الدكتور لورنس شتاينبرغ (Laurence Steinberg) الخبير في المراهقة وأستاذ علم النفس في جامعة تمبل (Temple University) وجامعة كاليفورنيا، في كتابه عصر الفرصة (Age of Opportunity)، الذي يتحدث عن المراهقين وكيفية التعامل معهم.
ضغط الأقران والصحة.. كيف يؤثر الأصدقاء على اختياراتك
غالبا ما تقدم المطاعم وجبات ضخمة، لذا لا تحمّل نفسك ما لا تطيقه ولا تجبرها على إنهاء وجبة بعد شعورك بالشبع؛ لذا يمكنك تناول الوجبة ببطء والتوقف عن الأكل عندما تشعر بالامتلاء، أو مشاركة الوجبة مع شخص آخر إنها عادة صحية واقتصادية أيضاً.
عندما نخرج مع أصدقائنا يكون قرار تناول الطعام موجوداً بيد الوجبات السريعة بلا شك، لذا عليك عدم الإكثار من السكريات والوجبات السريعة، وعندما تتعرض لتعليقات من أصدقائك إن طلبت عصير فواكه في الكافتيريا بدلاً من رقائق البطاطا المقلية، أو حساء الخضار بدلاً من الهامبرغر، كن واثقاً باختياراتك والتزم بها، ولا ترضخ لشعور أنك مختلف عن أقرانك أو لا تشبههم، سيزول هذا الشعور حالما يعتادون عليك.
كيف يمكن للأقران سرقة الأوقات المفيدة منك؟
قد يدعوك الأصدقاء لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ومشاهدة الأفلام على التلفزيون أو العاب الفيديو لساعات طويلة، بدلاً من ذلك، يمكنك اقتراح أفكار مختلفة كالذهاب للنادي أو السباحة، أو محاولة اكتشاف أماكن جديدة في المنطقة أو خارجها والاستمتاع بالوقت دون هدره على أشياء غير مفيدة.
مواقع التواصل الاجتماعي عززت هدر الوقت بين الأقران
تعتبر هذه المواقع في عصرنا الحالي أكثر وسائل الاتصال والتواصل استخداماً، لذا يمكنك بدلاً من هدر الوقت في التصفح والدردشة فقط، مشاركة بعض العادات الصحية مع أصدقائك، أو أن تتحداهم في اللياقة وغيرها من الأمور، إضافة لمشاركة بعض الهوايات والاهتمامات ومتابعتها، وتشجيع الآخرين على ممارسة الهوايات التي يحبونها كرياضة أو فن أو غيرها. إن وجدت بعض الأشخاص يروجون لعادات غير صحية، أو يتهكمون لما تقوم به، عليك التفكير جدياً بإلغاء متابعتهم أو حتى صداقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي!
كيف يكون ضغط الأقران إيجابياً؟
مثلما يستطيع الآخرون التأثير علينا وعلى قراراتنا بشكل سلبي، يمكن أن يتخذ هذا التأثير ناحية إيجابية، لاسيما في المنافسة من أجل الدراسة والتحصيل العلمي وممارسة الرياضة، إضافة لاتباع عادات صحية في الحياة، وحماية أنفسنا من التعرض للأذى، أو للمشاركة في أنشطة تطوعية تفيد الآخرين وغير ذلك، يتحول في هذه الحالة تأثير الأقران إلى تثقيف الأقران؛ أي الإيجابي وليس السلبي، هذا الأسلوب يتبعه الأشخاص الذين ينتمون لمنظمات صحية، من أجل نشر المفاهيم الجيدة وتصحيح أخرى في المجتمع من خلال الشباب للشباب أنفسهم، مثل شبكة تثقيف الأقران الشباب (Youth Peer Education Network) الموجودة في حوالي 50 دولة حول العالم، حيث تتلقى دعماً من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتعمل على قضايا صحية وشبابية من خلال تثقيف الأقران.
كما يلعب الأقران دوراً كبيراً في التطورات الاجتماعية والعاطفية للأطفال والمراهقين خلال مسيرة حياتهم، لذا عندما يكون هذا التأثير سلبياً قد يدفع الأقران والأصدقاء؛ الشخص للتسرب من المدرسة والهروب من الحصص الدراسية والسرقة والغش، إضافة للانخراط بأعمال خطيرة أو عدائية، والتدخين وشرب الكحول والإدمان على المخدرات، وغيرها من الأمور.
يتبع