اعلم أخي المسلم ، وأختي المسلمة أن الفطرة السليمة ، والعقيدة الصحيحة الخالية من الشوائب لهما دور كبير في تربية النشء وتحديد عقيدته .
لذا يجب الاهتمام بهما والتركيز عليهما منذ نعومة أظفار الأولاد ، ليستطيعوا مواجهة التحديات العصرية ، والتيارات التشكيكية الموجهة ضد ديننا وعقيدتنا بعقيدة ثابتة لا تتأثر بتلك المحاولات التي تريد إفقادهم عقيدتهم الإيمانية بالخالق وصلاحية ما شرعه لهم في أمورهم الدينية والدنيوية وما وعدهم من نعيم في حياتهم الأخروية إن التزموا بما أمرهم به ، واجتنبوا ما نهاهم عنه .
إن تربية الأولاد تربية سوية تحتاج إلى علم من الأبوين بأمور دينهما ، وما يحيط بهما وما يدور في العالم ، وما ينشأ فيه من أفكار فليس كل أب وأم يستطيعان تربية أبنائهما تربية إيمانية ، سوية ، سليمة يقينية غير متشككة ، فما يراه الأولاد من قيام الأبوين بعبادات وفرائض كالصلاة والصوم ، وأداء الزكاة ، والحج ، ولا يجدون له تفسيرا سليما عندما يسألون لماذا نصلي ؟ لماذا نصوم ؟ لماذا ؟ فهم يؤدون هذه العبادات عن طريق التقليد وإن اقتنعوا بحرمة تركها ، وثواب آدائها إلا أن هذا الاقتناع غير كامل في نفوسهم ، لأنهم لم يجدوا أجوبة مقنعة لتساؤلاتهم .
والطفل في طفولته المبكرة يسأل أسئلة في غاية الصعوبة والأهمية لو أحصيناها لوجدنا أن الإجابة عليها مجتمعة تكون عقيدته ، فإذا لم يحصلوا على إجابات صحيحة سليمة فإنهم يخرجون إلى العالم بعقيدة متشككة غير ثابتة مؤدين لفرائض الإسلام عن تقليد وليس عن اقتناع ، فما أن يختلطوا بالمجتمعات الغربية ويندمجوا مع أفرادها ، لأجل الدراسة أو نحو ذلك ، حتى يندمجوا في الحياة الغربية بكل انحلالها وفسادها ، ويتتلمذوا على أهلها ، ويرددوا ضد دينهم ما يردده أساتذتهم بدعوة التحرر والتقدم والتطور ، وقد يكون هذا الشاب قبل سفره إلى الخا
رج للدراسة أو للسياحة يؤدي الفرائض ويسلك سلوكا مستقيما ، وعند عودته إلى بلاده تجده على غير ما كان عليه . وقد يتساءل البعض : لماذا هذا الجيل بالذات هو الذي تسربت إلى كثير من أبنائه وبناته أمراض الانحراف مع أن الجهل ليس بجديد ، فلماذا لم ينحرف جيل الآباء مثلا ؟ وليس عهده بالعلم وطيدا بينما هذا الجيل جيل متعلم ؟
والجواب : إن من أخطائنا الفادحة أننا نتهم العلم بأنه سبب الانحراف مع أننا لو تمعنا في واقعنا نجد أن النهج الذي نهجناه في تلقي التعليم منهج خاطئ ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن آباءنا وأجدادنا نشأوا على الفطرة ، وتربوا على القدوة ، ولم يخرجوا إلى مجتمعات يوجد فيها ما ينقاض عقيدتهم وعاداتهم ، فكانوا شبه منغلقين على أنفسهم ، فلم يتأثروا بما يدور في العالم الذي حولهم ولم يخرجوا إلى تلك المجتمعت ، فظلت عقيدتهم على ما هي عليه .
أما نحن فما إن خرجنا من عزلتنا ، وبعثنا بأبنائنا للدراسة في الدول الغربية التي أعدت العدة لغزونا فكريا بعد فشلها في استمرار غزوها لنا عسكريا واقتصادا وجهت ضرباتها لقتل عقيدتنا واغتيال مبادئنا مستغلة نقطة الضعف فينا ، ضعف التربية الإيمانية في نفوسنا ، لعلمها بتغلغل الجهل في مجتمعنا ، وانتشار الأمية بين أمهاتنا بصورة خاصة ، وهي تدرك خطورة دور الأم في التربية فسرعان ما استجاب لها هذا الجيل .
ولكي نعد جيلا ثابت العقيدة قوي الإيمان يصمد بهما فلا يحدث تخلخل ولا تصدع ، ولكي نصلح الجيل الحالي فعلينا أن نبدأ بالإعدام السليم للتربية الإيمانية لتكون تربية قوية سليمة ، وذلك عن طريق مناهج التعليم ، وبرامج التوعية عن طريق المحاضرات ، والندوات وأجهزة الإعلام المختلفة علنا بذلك نستطيع تدارك الأمر ، وإصلاح الخلل ، وليكن بحثنا منطلقا من هذه الخطوة .
إن أهم قاعدة ترتكز عليها التربية الإيمانية هي صون الطفل عن الزلل والانحراف ، وقد اعتبر الإسلام الأسرة مسئولة عن الطفل واعتبر كل انحراف يصيبه مصدره الأول الأبوان ، أو من يقوم مقامهما في التربية ، وذلك أن الطفل يولد صافي السريرة سليم الفطرة ، وهذا المعنى يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه الشيخان ، وكذلك حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله قال : وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا " رواه مسلم - كتاب الجنة باب 16 .
ولا يبلغ الإنسان رقيه إلا بتزكية طاقاته ، وعقد الصلة الدائمة بينه وبين خالقه وقصة نشأة الإنسان وغاية وجوده على الأرض يدلان على أنها مستقر مؤقت للإنسان قال الله تعالى وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (البقرة:36) وقال تعالى : ( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنتَهَى ) ( النجم : 42 ) فإذا تمثل وجدان المسلم ذلك استطاع أن يتبين سنة الله للإقامة المؤقتة ومنهجها الذي التزم به الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصى به صحبه ، رضي الله عنهم ، وأمته ، وذلك عندما أخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوما فقال له : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه البخاري . وكان ابن عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " . رواه البخاري .
وبحضور هذه الحقيقة في وجدان المسلم دوما وعيشه فيها يكون على صلة لا تنقطع بربه تعالى ، وعلينا دائما أن نرسخ هذه الحقيقة في قلوبنا وقلوب أولادنا ، وسبيلنا إلى ذلك هو العمل بمنهج القرآن والسنة ، والحياة في أجوائهما وآفاقهما ، فللآباء دور كبير في بناء شخصية أولادهم وهناك مبادئ في التربية لا بد من قيام الآباء بتطبيقها وهي :
المبدأ الأول : بث روح الثقة بالله تعالى في نفس الطفل ، ثم قبول ما يقوله المربي ، والثقة بأن الإنسان يستطيع تغيير سلوكه وتبديله إن شاء الله تعالى .
المبدأ الثاني : بث روح الحب والتعاطف بين الطفل وبين أفراد البيت ، ومن الأخطاء التربوية المتبعة في بلادنا والتي تؤدي إلى التفكك الأسري ، وعدم ترابط أفراد الأسرة ، وعدم تنمية الشعور بمسئولية الأخ تجاه أخته ، نجد أن كثيرا من الأسر تلزم الإناث بخدمة إخوانهن في حين لا يلزمون الإخوة بتلبية طلبات أخواتهم ومساعدتهن ، وبذلك ينشأون على عدم الشعور بأنهم مسؤولون عن أخواتهم ، وينجم عن هذا كثير من المآسي الاجتماعية عندما يكبر الإخوة والأخوات فتيخلى الأخ عن أخته وهي في أمس الحاجة إليه .
المبدأ الثالث : توجيه الأطفال توجيها خلقيا يجعل الأخلاق طبيعة ثابتة ، وعادة لا يستطيعون مخالفتها ، لأن النفس لا تخالف ما تعودت عليه بسهولة وقد قيل :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
المبدأ الرابع : تكوين شعور لدى الطفل بأن المبادئ الخلقية نابعة من داخل الإنسان ، وأصلها الدين ، وليست مجرد قوانين مفروضة عليهم من الآباء أو المجتمع ، لأنها مبادئ ميز الله بها الإنسان عن غيره من الحيوانات ، وأنها ضرورة اجتماعية لا تقوم للمجتمع قائمة بدونها
المبدأ الخامس : إن التربية الخلقية لا تتم ولا تقوم لها قائمة بدون تربيت قوة الإرادة ، فتكوين قوة الإرادة هو المبدأ الأساسي في التربية الأخلاقية ، فلا يستطيع الإنسان أن يكون له موقف في الحياة يليق بمكانته في الوجود بدون أن يملك قوة الإرادة ، ومظاهر قوة الإرادة هي الشجاعة في مواجهة الحياة ، وضروبها المختلفة حلوها ومرها ، والثبات على مبادئ الخير التي يؤمن بها مهما كلفه ذلك من تضحيات قال تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ ) ( آل عمران : 159 ) .
المبدأ السادس : تعميق أبعاد معنى النظافة في الإسلام بتحقيق تكامل معناها ، فهو وإن كان يطلب منا طهارة الأبدان ، ونظافة الأطراف والملابس ، فلا بد أن تكون نفوسنا نظيفة ، وسلوكياتنا نظيفة ، وعملنا نظيفا ، ورزقنا نظيفا ، وفكرنا نظيفا ، فما فرضت علينا الطهارة عند كل صلاة إلا لنعد نفوسنا للطهارة الباطنية ، فنكون نظيفين في عقيدتنا وفكرنا ، وسلوكنا ، وعملنا ، كما نكون نظيفين في أبداننا وملبسنا ومشربنا ومأكلنا ، وبذلك تتكامل النظافة باطنيا وظاهريا ، ومن هنا كانت النظافة من الإيمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطهور شطر الإيمان " رواه مسلم . فعلى البيت والمدرسة ، والمجتمع أن يراعوا النظافة الظاهرية التي يكون فيها الإعداد للنظافة الباطنية ، فرض الإسلام علينا ستر العورات والأجساد بالملابس ، وقرن ذلك بذكر لباس التقوى التي هي في القلوب فذلك خير . فإذا اجتمع هذان الأمران كان هو المطلوب قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) ( الأعراف : 26 ) .
المبدأ السابع : خلق إحساس لدى الطفل باحترام إنسانيته وعدم زجره بألفاظ نابية وبأسماء الحيوانات كالكلب والحمار الخ . ومن الأخطاء التي يتبعها كثير من الآباء والأمهات حتى المثقفين منهم ، إطلاق هذه الألفاظ على أولادهم إذا بدر منهم ما يغضبهم ، ونجد هذا الأسلوب يتبع أيضا في المسرحيات التي تقدم على المسارح ويقدمها لنا التلفاز والغريب في الأمر أنهم يعتبرون هذه الألفاظ من أوجب واجبات الفكاهة والكوميديا وإدخال السعادة إلى نفس الإنسان بإهدار إنسانيته ، وإنزاله بها إلى مرتبة الحيوان ويريدونه أن يضحك ويسعد هو بذلك . فزجر الأولاد يجب أن يكون بعبارات أرقى من ذلك تحقق الغاية منها ، وفي الوقت ذاته تحفظ كرامته وإنسانيته حتى لا تتبلد أحاسيس الطفل ، وقد جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأحد أبناء ابنته فاطمة وهو الحسن بن علي ، رضي الله عنهما ، لما أخذ من مال الصدقة : " كخ كخ ليطرحها ثم قال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة " رواه البخاري كتاب الزكاة باب 60 ، ومثال ذلك استخدام ألفاظ : هداك الله ، هذا لا يرضي الله ، هذا حرام عليك ، بارك الله فيك وبذلك يكون الطفل متعلقا بالله تعالى .
المبدأ الثامن : إظهار الاستياء من انحرافات الضالين والمغضوب عليهم والمشركين ومن تبعهم أمام الناشئ ، وانتقاد ما يبدو من أخلاقهم ، وأخبارهم ، ومظاهر حياتهم التي تسربت إلى وسائل إعلامنا من ظلم ، واستهتار ، وترف ، وانهيار ، والإيحاء إليه بنتائجها الوخيمة عن طريق القصة ، أو الحوار ، أو القدوة ، وبهذا يبتعد الطفل عما أشار إليه الحديث النبوي من التهويد والتنصير والتمجيس وليس الحديث محصورا في اليهود والنصارى والمجوس بأعيانهم ، وكل أبوين مسلمين يقلدان اليهود والنصارى في ضلالاتهم ، وأمور حياتهم بما ينافي الآداب الإسلامية ، مسئولون عن انحراف أطفالهم عن الفطرة نتيجة لتقليد آبائهم ، أو لأن آباءهم عرضوهم لأسباب الانحراف كابتعاثهم إلى الخارج لتلقي العلم في مدارس نصرانية وهم أطفال ، والسماح لهم بالاطلاع على الصحف والمجلات وقراءة القصص دون رقابة وتوجيه وإرشاد ومشاهدة أفلام الرعب والجنس التي تجعل نوازع الشر تتغلب على نوازع الخير .. الخ ومن هنا كان مبدأ القدوة الحسنة من أهم مبادئ التربية الإسلامية وأسسها .
فالطفل يتميز بقدرة فائقة على التقليد فينبغي أن يكون الكبار قدوة حسنة ليتأسى الأطفال بهم ، حيث يتعلم الأطفال في المرحلة الأولى من حياتهم ما يسلكونه عن طريق تسجيلهم لكل ما يرونه من سلوك الوالدين و ما يلاحظونه من حركاتهما .
وعلى الأبوين عند إظهار الاستياء من انحرافات الضالين ، وانتقادهما لها أن يقدما الحقائق الموضوعية عن المبادئ الخلقية ، وإقناع أطفالهم بها ، وبيان النتائج العلمية ، والحقائق التاريخية في عواقب الانحراف ومضار سوء الخلق ، فيبينان كيف أن الغش ، والكذب والرشوة تصيب المجتمعات بالانحلال ، وكيف أن عدم اتقان العمل والبطالة يعودان على صاحبهما بالفقر والإفلاس والانحراف ، وعلى المجتمع بالتخلف والضعف ، وكيف أن شيوع الفاحشة والخمر يضر النسل ، ويدمر المجتمع ، وفي قصص القرآن الكريم العبر .
ثم تدريبهم تدريبا عمليا على بعض المواقف الأخلاقية كالأمانة بأن تأتمنه الأسرة على قدر معين من المال ، أو على حياة بعض الطيور بأن تكلفه الإشراف على تربيتها والاهتمام بها ، أو تدربه على إتقان العمل ، فتسند إليه بعض الأعمال وتطلب منه الدقة في أدائها ، وعلى قدر أمانته وإتقانه العمل يكافأ عليها ، وهكذا يتم الانسجام بين الشعور العاطفي والمبادئ الخلقية ، والتطبيق العملي لها ، وقوام هذا الانسجام : اطمئنان النفس لانسجامها مع فطرتها التي خلقت عليها في عبادة الله والإيمان به ، وكذلك بمنحه الجوائز القيمة على حفظ بعض أجزاء القرآن وبعض الأحاديث النبوية .
ويجب ألا نغفل جوانب الترفية المنضبطة بالضوابط الشرعية فإنه جزء مكمل للتربية . وهكذا يتحقق إن شاء الله تعالى الأمن والاستقرار للأولاد .