وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
سورة النساء
▪ قوله تعالى : (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ج16
الفرع الرابع : اختلف العلماء في قدر المدة التي إذا نوى المسافر إقامتها لزمه الإتمام ، فذهب مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد في إحدى الروايتين إلى أنها أربعة أيام ، والشافعية يقولون : لا يحسب فيها يوم الدخول ، ولا يوم الخروج ، ومالك يقول : إذا نوى إقامة أربعة أيام صحاح أتم .
وقال ابن القاسم : في العتيبة يلغى يوم دخوله ولا يحسبه ، والرواية المشهورة عن أحمد ، أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة .
وقال أبو حنيفة رحمه الله : هي نصف شهر ، واحتج من قال بأنها أربعة أيام ، بما ثبت في الصحيح من حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر " ، هذا لفظ مسلم ، وفي رواية له عنه : " للمهاجر إقامة ثلاث ليال بعد الصدر بمكة " ، وفي رواية له عنه : " يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا " ، وأخرجه البخاري في المناقب ، عن العلاء بن الحضرمي أيضا بلفظ : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث للمهاجر بعد الصدر " اهـ . قالوا فأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين في ثلاثة أيام يدل على أن من أقامها في حكم المسافر ، وأن ما زاد عليها يكون إقامة والمقيم عليه الإتمام ، وبما أخرجه مالك في " الموطأ " بسند صحيح ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجلى اليهود من الحجاز ، ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا " ، وأجيب عن هذا الدليل من جهة المخالف ، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رخص لهم في الثلاث ; لأنها مظنة قضاء حوائجهم ، وتهيئة أحوالهم للسفر ، وكذلك ترخيص عمر لليهود في إقامة ثلاثة أيام ، والاستدلال المذكور له وجه من النظر ; لأنه يعتضد بالقياس ; لأن القصر شرع لأجل تخفيف مشقة السفر ، ومن أقام أربعة أيام ، فإنها مظنة لإذهاب مشقة السفر عنه ، واحتج الإمام أحمد ، على أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة بما ثبت في الصحيح من حديث جابر ، وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " قدم مكة في حجة الوداع صبح رابعة ، فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - اليوم الرابع ، والخامس ، والسادس ، والسابع ، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن ، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام ، وقد أجمع على إقامتها ، وهي إحدى وعشرون صلاة ; لأنها أربعة أيام كاملة ، وصلاة الصبح من الثامن " ، قال : فإذا أجمع أن يقيم ، كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر ، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم .
وروى الأثرم ، عن أحمد رحمه الله أن هذا الاحتجاج كلام ليس يفقهه كل الناس ، وحمل الإمام أحمد حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة في حجة الوداع عشرا يقصر الصلاة على هذا المعنى الذي ذكرنا عنه ، وأن أنسا أراد مدة إقامته بمكة ومنى ومزدلفة .
قال مقيده - عفا الله عنه - : وهذا لا ينبغي العدول عنه لظهور وجهه ، ووضوح أنه الحق.