رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين
رواية -عازف الكمان
مقدمة: انها اسطورة موسي ،حكاية المعلمين السودانيين الذن جاءو من بلادهم البعيدة وراء بحر القلزم يحملون المصابيح،فكانت لهم ثروة لا تقدر بثمن،انها حب الناس العاديين في سهول تهامة وعلى امتداد السعيدة...
الفصل الاول
- طخ .. طخ !!
- كبرنا يأبي ولم تكبر عصاك هذة ابداً !!
فتح عيناه ببطء شديد وادارهم حوله في ذهول
- هذا ليس ابي .. لماذا انا هكذا لا استطيع الحراك ، ماهذه الآلام المبرحة التي تجتاح جسدي واللون الأبيض الذي يحيط بي من كل جانب ؟!
أطل امامه وجه مكتنز لرجل في العقد الخامس من عمره ذو ملامح طيبه وعينان يطفح بهما الدمع والحزن ..
- من هذا ؟ هذا عمي ابراهيم !. عمي ابراهيم الذي احبه كثيراً ، هاجر منذ اربعين سنه مع صديقة الخميسي ، تاركاً قريتنا فراراًمن عكفه الأمام * ونزلا الى ميناء الحديدة ، الخميسي راي امراة اجنبية في سفينه تحمل العلم الأيطالي .. اخذت تغامزه وتلوح له فأنطلق نحوها لا يلوي على شئ فالخميسي رجل عنيد ولو فكر في شئ لا بد ان يناله مهما كان الثمن وابحرت السفينه الى الحبشة ، اما عم ابراهيم فقد وجد حماليــين يفرغون حموله سفينه سودانيه فأخذ يعمل معهم في التفريغ وانتهز فرصة غفله المراقب واندس بين الحاويات في عنبر السفينة وابحرت به الى بور سودان .. هكذا افترق الصديقان اللدودان في ذلك الزمن الغابر عندما كان يخيم على اليمن الظلام الرهيب .. عادا بعد تلك السنين كأنما كانا على إتفاق بعد ان توحدت اليمن ونعمت بالسلام .. كل منها محمل بتجارب الغربة الطويلة ، لم يتـزوج الخميسي في الماضي وعاش في الحبشة كالأحباش " اذا جاعوا سرقوا واذا شبعوا زنوا " .. اما عمي ابراهيم فقد تزوج من إمرأة سودانيه من الشمال انجبت له ابنتيه سعاد ورحاب .. في حقيقة لانعرف شيئاً عن إمرأته السودانيه لأنه عاد مع ابنتيه وثروة احيا بها ارضه وبنا بها بيته العامر في قريتنا وتزوج مرة اخرى من إمرأة مطلقة عقيم .. كان عمي ابراهيم غاية في النبل والكرم والمرح ، ايضاً فقد كان يشكل ظاهرة غريبة في قريتنا على النقيض من ابي عايش الذي كان شديد القسوة ومقتر .. لأن ابي عاقل قريتنا كان دائماً يتجول مع جماعتة المسلحة يبطش بالجميع دون استثناء وكانت متعتة الوحيدة هي ادمان الزواج .. هذه المرأة الأخيرة الـتي تزوجها لاحقاً كانت سبب تعاستي .
* * *
شعر انه هناك الم حاد كأنما لسعته نحله على عضده الأيمن واظلمت الدنيا في عينيه مرة اخرى ، اختفى الوجه الطيب ولم يدر كم طال عليه الأمر .. عندما فتح عينيه مره اخرى ، اخذ ينظر حوله وهو لايستطيع الحراك وفاقد الأحساس بجسده ..
- ماذا حدث لي ؟ هل انامت ام ماذا !!! لماذا انا هكذا ؟
كان الوجه الطيب المألوف يطل عليه وينظر في اشفاق كان هناك وجه جديد جواره. حدق صالح في الوجه الجديد وجه جميل لشاب في العشرينيات من العمر ، عينان طفوليتان واسعتان جميلتان ..
- لابد ان هذا .. جلال
ادار صالح عينيه الى الجانب الأخر وراي فتاة جميله ترتدي خمار وجوارها امراة
- هذه سعاد .. وامي ايضاً
عندما راى المرأة اغرورقت عيناه بالدموع وعادت الذاكره المشوشة تعابثه ...
- كان عمي ابراهيم والخميسي يجلسان امام بقالة حسن عند الطريق المترب الذي يمر امام القرية .. يدخنان المداعة وكنت انا اقوم بتجهيزها لهم ، عندما توقفت سيارة على الطريق وكالعادة نظر عمي وصديقه الى القادم الجديد نزل منها رجل في الخامس والعشرين
من العمر تقريباً .. جعل الخمسي الذي يعشق الجمال اينما حل يشهق وكاد يختنق بالقات المكور في فمه ، رمقه عمي في سخرية .. كان الشاب موفور الصحة.. شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر له عينان واسعتان طفوليتان ولحية مصقولة .. كان يشع منه السلام .. نظر الخميسي إلى الرجل الذي أقبل نحوهم يرفل في أثوابه البيضاء . يبدو انه من أصحاب الدعوة والتبليغ الذين ينتشرون في المساجد في كل النواحي في المدن والأرياف .. واستوى الخميسي جالساً
- سبحان الله ما هذا بشر .
ضحك عمي ونظر إلى الخميسي المفتون
- "لقد جاء ليعلمكم أمور دينكم ودنياكم "
دنا القادم وحيا في أدب وسال عن مسجد القرية ، لم يمهله عمي إلا قليلا ونظر إليَّ وصاح
- صالح .. دع كل شئ وخذ هذا الرجل إلى غرفة الضيوف في بيتي وقدم له الإفطار فورا
نهضت من المجمرة وتركت الفحم يذوي وحملت حقيبة الرجل الصغيرة وتقدمته نحو القرية ، كان صامتا طول الوقت ، كنا نشق الطرقات وكل المارة يتأملون القادم المشرق في إعجاب ويبادلونه التحية حتى أوصلته بيت عمي ، تقدمته إلى الداخل وناديت على زوجة عمي ، اخبرتها أن تعطني المفتاح ، فجاءت بنت عمي سعاد تحمل المفتاح وعندما شاهدت الزائر
الجديد انزوت راجعة وفر لون الرجل .. وكانت هذه البداية .. ثم حدثت تغيرات مذهلة بعد ذلك ..
* * *
اصبح الخميسي ملازماً للمسجد منذ ان جاء جلال ليقدم دروسه في المسجد ترك غاراته اليومية لمدينة الحديدة وعودته مخمورا .. اضحى ملازماً لجلال في حله وترحاله ..كان عندما يزجره عمي ابراهيم يرد في سخرية
- إن هذا الجلال اعاد لي انسانيتي التي اهدرها هؤلاء التيوس امثال عايش اخيك ، اللذين لم يحيوا من السنة سوى الكحل والخضاب فقد عاملوني معاملة الكلب الأجرب ..
كان جلال يبر بالخميسي ويعامله كوالده تماما.. في الجانب الآخر ، سعاد بنت عمي من أجمل البنات في القرية ومتعلمة كانت دائما ترفض كل الذين يتقدمون للزواج منها ، فهي سمراء وطويله ولها روح مرحة كأبيها ، غدا الكل يتمناها له .. ومع ذلك ظلت تصد كل الناس .. الخميسي ايضا يجلها لأنها جميلة جداً ، وتبر به كأبيها تماماً ، تذهب إلى بيته وتنظفهه وتقوم بغسل ملابسه وتعد له الطعام ، كان دائما يرفع يده إلى السماء ويدعو لها بأن يهب الله لها رجل لايقل عنها جمالاً وأخلاقاً .. اشياء طرأت عليها ، اصبحت دائمة البكاء، لقد بارحها كثير من المرح منذ أن فوجئت بالزائر الغريب معهم واقامته في بيتهم كانت تقوم بتنظيف وترتيب غرفة الضيف عندما يذهب ليقدم دروسه في المسجد وتغسل ملابسه البيضاء وتعطرها وتعد له الطعام بنفسها وتحمله له .. جلال رجل شديد الحياء وصامت لا يتحدث كثيرا ، فقط تبين الانفعالات المختلفة على صفحة وجهه الطيب ، في إحدى المرات كنت اجلس معه في الغرفة ، نهض ليغلق النافذة تسمر في مكانه ممتقع اللون وانهار جالساً وقد فاضت عيناه بالدموع داعب أنفي عطر نفاذ ، انساب من النافذة عطر اعرفه جيداً انه عطرها الذي اشتريه لها دائما من الحديدة .
سعاد بنت عمي لابد أنه رآها مرة أخرى وفعلت فعلها فيه ، كانت انفاسه المتلاحقة تنبئ بحجم الانفجار الضخم الذي دوى في قلبه .
* * *
في مقيل عمي المعتاد يوم الجمعة ، كنا كلنا نجلس وعدد من اعيان القرية نتسامر ، كنت قد اخبرت الخميسي بقصة جلال وبنت عمي سعاد فأقسم ساعتها على ان يسعى بكل ما اوتي من قوة وتأثير على عمي ان يزوجهما ببعض .. كان الخميسي يجلس جوار عمي .. وجلال عن كثب محاط بشباب من القرية يمضغ وريقات القات ويبدو ساهماً وشارداً بعينيه الواسعتين الجميلتين ، همس الخميسي في أذن عمي بشئ ما ، نظر عمي الى جلال وردد بصوته الجهوري ..
- جلال .. هل انت متزوج ؟
- لا ليس بعد ياعمي
- لماذا لم تتزوج .. اليس عندك ( ...) ؟
ضج المجلس بالضحك وارتبك الشاب واصيب الخميسي بإمتعاض شديد ورمق عمي شزراً، وكنت اعلم كم من السباب البذئ يدور في رأسه الآن .. فتدارك عمي الأمر وابتسم في ود
- اذا اردت الزواج الآن نزوجك ..
- انا يتيم وليس لي المال الكافي الآن
- نحن لانبيع النساء .. بل نزوج الــنساء للرجال اصحاب الخلق والدين مثلك
هكذا عمي غريب الأطوار ، الذي اكتسب جل طباعه الغريبة من السودان .. نظر اليَّ واردف في جزل ..
- هيا ياصالح .. نادي على ابنتي سعاد
لم اصدق اذني ونهضت لا الوى على شئ وجئت بها تقدم رجل وتؤخر الأخرى الى المجلس وقفت منزوية على استيحاء نظر اليها عمي مشجعاً وفي ود
- هل تريدي الزواج من هذا الرجل ؟
واشار نحو جلال الذي اصيب بالذهول فقد عرفها واطرق الى الأرض وهي عرفتة ايضاً وفرت هاربة دون ان تقول لا كما كانت تفعل في الماضي .. نظر عمي الى الجالسين وردد في اعتزاز
- اشهدكم بأني زوجت ابنتي سعاد بضيفنا الكريم جلال على سنة الله ورسوله وبمالديه من مال الأن ..
نهض الخميسي وانطلق خارجاً وعاد يحمل بندقيتة الآلية واطلق الرصاص الذي مزق السكون واكد فرحه الشديد بالقاء قنبلتين في الوادي إرتج المكان .. وسرى الخبر في القرية سريان النار في الهشيم تزوج جلال من سعاد بنت عمي وبعد سبعه ايام سافرا ،كان جلال يقيم في الدمام بالمملكة العربية السعودية
* * *
مرض الخميسي مرضاً شديداً بعد رحيل سعاد وزوجها عن القرية وأخذ يهذي من الحمى ، فعدناه انا وعمي ابراهيم في بيته الذي تكسوه الأوساخ بعد رحيل سعاد .. جلس عمي امامه وهو ينظر اليه في اشفاق ممزوج بالتهكم
- مابك ياحبيبي الخميسي؟
- الاترى ايها المدبر .. إني أموت !!
- لن تموت ياخميسي ولو دهستك شاحنة
- اللعنة !! ماكان ينقصني الا أن تزورني وتنغص علي حياتي
- انا اعرف سبب مرضك ، عز عليك فراق الرجل
- وانت مادخلك ؟!
- إن الرجل قد غدى صهري ويمكنك ان تكون حلقة الوصل بيني وبينه ..
وكأنما انصب ماء بارد على الخميسي .. استوى جالساً وبان عليه التفكير العميق ونظر الى عمي تلك النظرة المألوفة
- لماذا لم تخبرني من قبل يا مـ .....
ضحك عمي ضحكته المجلجله وتركني مع الخميسي وانصرف .. نهض الخميسي وارتدى ملابسه على عجل واخبرني بأن انزل معه الى مدينة الحديدة .. كنت في السابق اسافر معه الى الحديدة حيث يمارس مجونه ونعود معاً سعداء كان يأخذني نكاية بأبى عايش وجماعته ، كان يكره ابي .. الا انه يبعدني تماماً عن عالمه الخاص كنت رفيق درب فقط
اتجهنا رأساً الى موقف سيارات حرض هناك اعطاني مبلغ من المال ونصحني بأن اتزوج رحاب ابنه عمي .. وقفز الى السيارة نظرت اليه بعين دامعة .. ان للخميسي مكانه كبيرة في نفسي كلن طيب القلب رغم مايحيط به من مجون .. دار محرك السيارة وناديت
- ماذا اقول لعمي ابراهيم ؟!
- قل له قبح الله وجهك .. لن تراني ثانيةً
واطلق ضحكته المجلجله التي تشبه ضحكة عمي وكانت تهز قريتنا هذا ثم ردد ابيات من الشعر ، كنت اعرف ان الخميسي رجلاً مثقفاً
رحلوا ولست مساءلاً عن دارهم
أنا باخع نفسي على اثارهم
مضى الخميسي ومن قبله سعاد وجلال وخيم الحزن على عمي ابراهيم حتى ظهر استاذ موسى .. الأستاذ السوداني الذي جاء ليدرس في مدرسة قريتنا الصغيرة ، وبدات صفحة جديدة .. اصبح موسى من اعز اصدقاء عمي وكان بينهما مساجلات واحاديث ذات شجون .
* * *
- هذة المرأة الموفورة الصحة ليست امي .. امي التي انهكها مرض الدرن والقهر من ابي المزواج .. في ذلك اليوم كانت تبصق دماً وتسعل بشدة كان عمي قد سافر الى الأرض المقدسة .. ذهبت الى ابي في بيت عرسه الجديد وناديت عليه طالباً منه مصاريف للدواء جاءت زوجتة الجديدة وقابلتني مقابلة سيئة وافحشت لي في القول ، صفعتها بكل ماأوتيت من قوة .. غضب ابي غضباً شديداً وكنت اعرف ان شجرة الأمام ستنتظرني .. شجرة الأمام عند اطراف القرية جوار المقبرة .. كان في الماضي يربط بها المغضوب عليهم وتأتي الضباع من الوادي وتفترسهم ولايجد الناس في الصباح سوى اشلاء ممزقة .. مضى ذلك الزمن وراحت الضباع من الوادي واصبح الذين يربطون عن تلك الشجرة يواجهون الأسوأ .. يجدونهم في الصباح وقد ذهب عقلهم من جراء مارؤوه من اهوال في الليل .. خروج الموتى من القبور وعواء واصوات .. وهوام والجن وكل الوان الظلام ، سحبني اعوان ابي بقسوة وربطوني هناك رغم توسلات امي واخوتي الصغار لاادري بعد ذلك ماذا حدث .. لماذا انا هنا الأن ؟!..
بدات الصور تبهت في ذهنه المشوش مرة اخرى و تختفي ليحل محلها الظلام المطبق .. بعد ان احس بتلك اللسعة على عضده الأيسر واختفت الوجوه الطيبة من حوله .
* * *
عكفة الإمام : جنوده
حرض : مدينة على الحدود اليمنية - السعودية
شجرة الإمام : اسطورة من تاليف الكاتب
******
الفـصل الثاني
رن جرس التلفون في منزل المقدم فيصل المطيري الذي يعمل في دائرة السجون بمدينة الدمام .. نهض الرجل الذي كان نائماً في تلك الساعة المتأخرة من الليل ، بادي الأنزعاج ورفع السماعة
- آلو ..منزل المقدم فيصل !!
- نعم .. من معي ؟
- المرجو حضورك فوراً الى قسم شرطة العدامة*
نهض الرجل وارتدى ملابسه على العجل وقد اكتسى وجهه بالحزن العميق والغضب وهمس فى نفسه
- لأ بد انه الولد نواف .. رباه ماذا فعلت حتى يكون لي مثل هذا الأبن العاق ؟!
المقدم فيصل رجل طيب ، كانت اسرته الصغيرة تتكون من ولده نواف وثلاث بنات ايمان وسمر ونور وزوجتة فاطمه ، تلقى تعليمة في الخارج ، حيث درس في كلية السجون في السودان ثم عاد الى المملـكة وترقى في مرفق السجون وقام بدورات تاهيليه اخرى في المانيا واميركا .. كان له فلسفه خاصة في تربية ابناءه وذلك ان يترك لهم قدر من الحرية بشرط ان لا تتجاوز حدود القانون .. لكن نواف الذي افرطت امه في تدليله قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وهذه ليست اول مرة يستدعى الى اقسام الشرطة بخصوص ابنه ..
خرج فيصل وعلى عجل وبمنتهىالهدوء وركب سيارته وانطلق بها في شوراع المدينة الهادئة .. وصل قسم الشرطة .. هناك وجد ابنه نواف وصديقه الطائش رياض كالمعتاد يجلسان في مكتب الضابط المناوب .. وقف الضابط وحيا المقدم فيصل الذي كان الشرر يقدح فى عينيه وهو ينظر الى ابنه المنزوي خائفاً، ابتسم الضابط في ود يخفف من التوتر السائد في تلك اللحظة
- انها جريمة بسيطة .. كانا على الساحل يفحطان بالسيارة وهما في حالة سكر ووجدنا مع صديقه قطعة من المخدرات .
اكفهر وجه فيصل واندفع نحو ابنه نواف وامسك بتلابـيـبه يعنفه
- هكذا يا نواف .. دائماً توقعني في الحرج
نظر الضابط الى الجندي المختص والى المقدم فيصل
- لاعليك .. يمكن شطب القضية .. حيث انهما حدثان وهذة اول مرة تسجل لهم سابقة في منطقتنا .
نظر المقدم فيصل الى الضابط المناوب في امتنان ودفع ابنه بعيد وردد صائحاً في وجهه
- عليك ان تعود الى البيت وحدك غداً صباحاً
ثم التفت الى رياض
- وانت سيكون لي مع والدك شأن آخر
رياض الأبن الوحيد للمهندس مسفر الذي يعمل في ارامكو كان مسفر قد تلقى جل تعليمه في اميركا ثم عاد يتزوج في سن متأخرة ويعيش على الطريقة الأميركية في بيته في الجوار، هو من اصدقاء فيصل رغم اختلافهما في نمط الحياة .. حيث ان فيصل متحفظ لابعد الحدود حتى انه لا يدخن بينما مسفر يعيش كل الحياة الأميركية بمباذلها وشعارها العجيب
(الفضيحة هي الحرية الوحيدة التي يمكننا ممارستها ) لذلك اصبح ابنه يشبهه ومن شابه اباه فماظلم ..
خرج المقدم فيصل من القسم وركب سيارته والدمع ينهمر من عينيه وعقله يدور كالماكينه خوفه من انزلاق ابنه الى الهاوية مع رفيق السوء رياض !! مبادئة في عدم التدخل!! هذةالأشياء جعلته يشعر بالأحباط الشديد والحزن آثر ان ينطلق بالسيارة على الخط الدائري والخروج من المدينة التي تجثم على صدره .. كانت السيارة تبتعد وسرعتها تزيد وفيصل غارق في احزانة .. الظلام والضباب مخيم على الطريق
* * *
توقفت الشاحنة المحملة بالماعز والكباش عند حافة الطريق ،كانت أ نوار الدمام تلوح من بعيد .. إنسل صالح من بين ارجل الدواب واعطى السائق الفليــبــيني المبلغ المتفق عليه لتهريبه الى المنطقة الشرقية .. كان صالح يزمع البحث عن الخميسي الذي يعمل في المحرقة* والأقامة معه حتى يجمع مبلغ من المال يخلصه من نير والده القاسي .. كان يسير ساهماً .. استرجع اللحظات الرهيبة الأخيرة .. أمه كانت تولول وهم يسحبونه بقسوة الى الشجرة الملعونة .. أخوانه الصغار .. عندما يأتو في الصباح ولايجدوا صالح . ماذا ياترى سيعتقدون هذا القيد الحديدي الذي لا يستطيع فيل على اقتلاعه أي قوة جبارة تمكنت من تحرير رجله منه !! انه نفسه لم يصدق إن ذلك حدث .. كان شئ رهيب فعلاً .. انه الأن في السعودية بعد رحله مضنية، جائع لم يتناول طعام منذالأمس ، ملابسه تفوح منها روائح كريهة لروث وبول البهائم .. المدينه لازالت تبعد عنه .. كان يسير مترنحاً يحمل صرة الملابس .. ونسمات الفجر تهب من جهه البحر تــنعش روحة الوفية ، كان يفكر بصوت مسموع
- هذة المرة عندما اعود بالمال الوفير سأنتظر عودة عمي ابراهيم من الأراضي المقدسة وافاتحة في الزواج من ابنته رحاب و أخذ امي واخوتي ونسكن في بيت الخميسي المهجور سأخبره عندما التقيه في المحرقة على مشروعي .. سأعمل على احياء ارضه الميته بالشراكة بالنصف، الخميسي رجل طيب سيوافق .. كان دائماً يسعى على ان استقل عن ابي ، دروس الحرية التي يقدمها الخميس من اعظم الدروس التي تلقاها صالح في حياته..
ظل صالح سائراً .. كان يمشي في منتصف الأسفلت دون شعور .. نسبة للهدوء الذي كان يخيم على المكان، لم يتوقع ان تمر سياره في هذا الطريق وبسرعة جنونية وفي هذا الوقت المتأخر من الليل ولكن مالم يتوقعه حدث .. كان الضباب كثيف وهناك سيارة مسرعة يبدو على سائقها الأستغراق العميق ..صالح يسير مترنحاً على الأسفلت ... حدث التصادم الذي قذف بصالح في الهواء وسقط على بعد ثلاثة امتار.. اصطدم راسه بالاسفلت وتفجر الدم من جبهته ..اوقف الرجل السيارة التي دارت حول نفسها وانغرست في الرمال .. نزل في جزع والدمع يطفر من عينيه نحو المصاب ، كان صالح يجاهد نفسه على النهوض ويسقط المرة تلو المرة في معركة عنيفة من اجل التشبث بالحياة ..
* * *
برز راسه اولاً من تحت الماء .. ثم بدأ باقي جسده في الظهور وهو يتجه نحو الساحل بخطواته الواثقة وجسدة الاثيرى ، خرج يمشي على الرمال .. كان يسير مسرعاً نحو الرجلين ، استدار صالح نحو القادم وانبسطت اسايره رغم الآلآم المبرحة .. جعل القادم الغامض يقـــــترب نحو الطريق الأسفلتي ، جاهد صالح بكل قواه وصرخ
- ساعدني يا استاذ موسى !!!
التفت المقدم فيصل نحو الغريب القادم من المجهول بقامتة المديدة واكتسى وجهه بالرعب كانت هناك اضواء غريبة تشع من عينيه الفسفوريتين وملامحه السمراء .. لقد عاد استاذ موسى مرة اخرى عندما عرف ان صديقة صالح في محنة ، انحنى وحمل صالح على كتفة ونظر الى المقدم فيصل وردد صوتة المعدني الذي يأتي من كل الجهات ..
- اتبعني الى السيارة .. لاوقت للدموع ..
اندفع موسى بخطوات سريعه نحو السيارة المغروزة في الرمال وضع صالح على المقعد الخلفي وجلس المقدم جواره
- انا ساٌقود السيارة ..
جلس موسى في مكان السائق بعد ان اخذ المفاتيح من فيصل المذهول وانطلقت السيارة بسرعه كأنها البر ق الخاطف نحو المدينة .. لازال فيصل المسكين يظن انه يعيش في كابوس حقيقي .. وان كل مايراه الأن ليس حقيقي بالمرة ..
في قسم الطورئ بالمستشفى جاء رجال الأسعاف مهرولين نحو السيارة التي تخطت البوابة ووقفت بطريقة عنيفة .. تعاونوا مع المقدم فيصل في حمل المصاب الى النقاله الى الداخل .. خرج فيصل يبحث عن المدعو موسى .. السوداني الغامض ولكنه لم يعثر له على اثر.. اخبروه بأن السيارة لم يكن بها احد سواه والمصاب .. لم يتحمل فيصل كل ذلك وخر مغشى عليه وسط دهشة العاملين في المستشفى وحملوه الى الداخل
* * *
العدامه : حاره في مدينة الدمام
المحرقة : مكان عمل تجار الخردة
يفحطان : يلعبان بالسيارة على الرمال
****