الاسلام و الروح الرياضية
الإسلام والروح الرياضية
د. بدر عبد الحميد هميسه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين , فأعزهم وأكرمهم بالمنهج الرباني الذي فيه السعادة والكمال , والفلاح والصلاح لكل أمور حياتهم في المعاش والمعاد , وأصلي وأسلم على خير مبعوث , أرسله ربه لتحقيق منهج الهداية والعزة للبلاد والعباد .
وبعد . . ؛
فإن الإسلام هو دين الجلال والكمال , الذي ارتضاه الكبير المتعال لجميع الناس من عرب ومن عجم , وجعله صالحا لكل زمان ومكان بما حوى من تشريعات ومباديء ومثل , فكل شيء في الإسلام يتحول إلى عبادة للملك العلام , إذا أخلص فيه المرء النية , وصحح الطوية , وعبد الله بما شرع , فالضحك إذا كان غرضه الترويح عن النفس لتجديد النشاط واستكمال الهمة, فهو عبادة , والرياضة إذا كان غرضها تقوية الجسم واستعادة نشاطه , وجعله قادراً على العمل وتعمير الأرض فهي عبادة , وهكذا كل شيء إذا خلصت فيه النية لله , وتحققت فيه المنفعة يُعد عبادة .
( 1 ) حث الإسلام على ممارسة الرياضة
حث الإسلام على ممارسة الرياضة المفيدة النافعة , وجعلها أداة لتقوية الجسم ؛لأنه يريد أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم, ولقد مدح الله تعالى القوة في كتابه الكريم , فقد وصف الله تعالى نفسه فقال : \" ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ \" سورة الذاريات : 58.
ومدح أمين الوحي جبريل عليه السلام بالقوة فقال : \" إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) سورة : التكوير .
وامتن على الخلق بنعمة القوة فقال : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)الروم.
وقال على لسان نبيه نوح عليه السلام : \" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ \"(52)هود.
وافتخرت ملك سبأ بذلك فقالت : \" قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)النمل .
وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأن يعدوا لأعداء الله كل ما يستطيعون من قوة فقال \" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ . . (60) سورة الأنفال.
فالمؤمن القوي , سليم الجسم لا شك أنه خير وأحب الله من المؤمن الضعيف , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. أخرجه أحمد 2/366(8777) و\"مسلم\" 8/56 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\" 10383 . انظر حديث رقم : 6650 في صحيح الجامع .
لأن الجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة، وأن الإسلام لا يُشَرِّع ما فيه إضعاف الجسم إضعافًا يُعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل إن الإسلام خفّف عنه بعض التشريعات إبقاءً على صحّة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمَن عجز عن القيام، وأباح الفِطر لغير القادر على الصّيام، ووضع الحجّ والجهاد وغيرهما عن غير المُستطيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا: \"صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا وإنّ لعينِك عليك حقًّا\" (رواه البخاري ومسلم.)
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه دائماً على ممارسة الرياضة , وينتهز الفرص السانحة في تطبيق ذلك عملياً , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتُرْسٍ وَاحِدٍ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ ، فَكَانَ إِذَا رَمَى يُشْرِفُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ.أخرجه أحمد 3/265(13836) و\"البُخَارِي\" 4/46(2902) .
وعنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شَِمَاسَةَ ، أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ ، وَأَنْتَ كَبِيرٌ ، يَشُقُّ عَلَيْكَ ؟ قَالَ عُقْبَةُ : لَوْلاَ كَلاَمٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ أُعَانِهِ ، قَالَ الْحَارِثُ : فَقُلْتُ لاِبْنِ شَِمَاسَةَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ قَالَ:مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ، ثُمَّ تَرَكَهُ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، أَوْ قَدْ عَصَى. أخرجه مُسْلم 6/52(4987).
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ ، فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ ، إِلاَّ أَرْبَعٌ : مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ. أخرجه النَّسَائِي ، في \"الكبرى\" 8889 أخرجه النسائي في \" كتاب عشرة النساء \" ( ق 74 / 2 ) و الطبراني في \" المعجم الكبير \" ( 1 / 89 / 2 ) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 1 / 562 .
وهناك رياضات كثيرة حث عليها الإسلام منها :
1-الرماية ، عنْ أَبِي عَلِيٍّ ، ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَقُولُ : \" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. أخرجه أحمد 4/156(17568) و\"مسلم\" 6/52(4984) و\"أبو داود\"2514 .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُدْخِلُ الثَّلاَثَةَ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ ، وَالْمُمِدَّ بِهِ ، وَالرَّامِيَ بِهِ. وَقَالَ : ارْمُوا وَارْكَبُوا ، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا ، وَكُلُّ شَىْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ ، إِلاَّ رَمْيَةَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ ، وَمُلاَعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ ، وَمَنْ نَسِيَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عُلِّمَهُ فَقَدْ كَفَرَ الَّذِي عُلِّمَهُ.
- وفي رواية : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الأَزْرَقِ ، قَالَ : كَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ يَخْرُجُ فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ ، وَكَانَ يَسْتَتْبِعُهُ ، فَكَأَنَّهُ كَادَ أَنْ يَمَلَّ ، فَقَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ : صَاحِبَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ ، وَالَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَالَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَقَالَ : ارْمُوا وَارْكَبُوا ، وَإِنْ تَرْمُوا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا. وَقَالَ : كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، إِلاَّ ثَلاَثًا : رَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ ، وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ. قَالَ : فَتُوُفِّىَ عُقْبَةُ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ قَوْسًا ، مَعَ كُلِّ قَوْسٍ قَرْنٌ وَنَبْلٌ ، وَأَوْصَى بِهِنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ.
أخرجه أحمد 4/144(17433) و\"الدارِمِي\"2405 و\"ابن ماجة\"2811 و\"التِّرمِذي\"1637 .
2 - المصارعة ومثلها الملاكمة: وقد صارع النبي جماعة ، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب ، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ كَانَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدّ قُرَيْشٍ ، فَخَلَا يَوْمًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكّةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رُكَانَةُ أَلَا تَتّقِي اللّهَ وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوك إلَيْهِ ؟ قَالَ إنّي لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي تَقُولُ حَقّ لَاتّبَعْتُك ، فَقَالَ ( لَهُ ) رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفَرَأَيْت إنْ صَرَعْتُك ، أَتَعْلَمُ أَنّ مَا أَقُولُ حَقّ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُمْ حتى أُصَارِعَك . قَالَ فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ فَلَمّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَضْجَعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمّ قَالَ عُدْ يَا مُحَمّدُ فَعَ ادَ فَصَرَعَهُ فَقَالَ - يَا مُحَمّدُ . وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْعَجْبُ أَتَصْرَعُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْت أَنْ أُرِيَكَهُ إنْ اتّقَيْتَ اللّهَ وَاتّبَعْت أَمْرِي ، قَالَ مَا هُوَ ؟ قَالَ أَدْعُو لَك هَذِهِ الشّجَرَةَ الّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي ، قَالَ اُدْعُهَا ، فَدَعَاهَا ، فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي إلَى مَكَانِك . قَالَ فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا قَالَ فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَسْحَرَ مِنْهُ قَطّ ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِاَلّذِي رَأَى وَاَلّذِي صَنَعَ \" ابن هشام : السيرة النبوية 1/390, السيوطي : الخصائص الكبرى 209 .
وقال البلاذرى : إن السائل للمصارعة هو ركانة ، فقال له : تهيأ للمصارعة ، فقال : تهيأت ، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه ، فتعجب من ذلك ركانة ، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه ، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا : فوقف ركانة متعجبا وقال : إن شأنك لعجيب ، وأسلم عقبها ، وقيل أسلم في فتح مكة . رواه الحاكم وأبو داود والترمذي .
كما صارع النبي ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم ، فقال : يا محمد هل لك أن تصارعني؟ قال : وما تجعل لي إن صرعتك ؟ قال : مائة من الغنم ، فصارعه فصرعه ، ثم قال : هل لك في العود؟ قال : وما تجعل ؟ قال : مائة أخرى . فصارعه فصرعه ، وذكر الثالثة، فقال : يا محمد، ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك ، ثم أسلم ورد عليه غنمه ، روى عنه أنه قال : ماذا أقول لأهلي؟ شاة افترسها الذئب ، وشاة شذت منى ، فماذا أقول في الثالثة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك ، خذ غنمك وانصرف (ذكره الزرقانى في شرح المواهب ج 4 ص 293) .
وكذلك صارع النبي أبا الأسود الجمحى ، وكان رجلا شديدا بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه ، وكان من المشهورين بالمصارعة في الإسلام محمد بن الحنفية ، جلس كالجبل يحركه رسول الروم لمعاوية يتحدى به أقوياءه ، فأقر رسول الروم بقوة محمد، ثم رفعه محمد مرات وجلد به الأرض .
3 - ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها ، والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية ، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل ، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه وأقسم بها في قوله تعالى وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) سورة العاديات ، فهي من أهم أدوات الحرب ، كما نوه بها في السلم فقال سبحانه \" وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) النحل : 8 ، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } الأنفال : 60 ، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره ، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت ، فأرسلها من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع والمسافة نحو ستة أميال أو سبعة ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ، والمسافة نحو ميل ( تضمير الخيل هو إعطاؤها علفا قليلا بعد سمنها من كثرة العلف ، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن ، ثم ترده إلى القوت أي الأكل العادي . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين : \" يا خيل الله اركبي \" وقال \"اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل \" وقد سابق النبي أيضا على الجمال فسابق على ناقته العضباء .
وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن عمر أرسل كتابه إلى الأمصار يقول فيه :علموا أولادكم السباحة ، والفروسية . وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر .
4 -العَدْوُ: وهو تدريب على سرعة المشى، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعي لتحصيل الرزق وغير . عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم \" من مشى بين الغرضين -علامتين لتحديد المسافة-كان له بكل خطوة حسنة\" . أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (5/269) قال الهيثمى : فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف .
وقد اشتهر من العرب في سرعة العدو حذيفة بن بدر، وكان قد أغار على هجائن النعمان بن المنذر بن ماء السماء، وسار في ليلة مسير ثمان ، فقال قيس بن الحطيم :
هممنا بالإقامة ثم سرنا * * * كسير حذيفة الخير بن بدر
وكذلك من العدائين المشهورين ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب فقد سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة \"المسافة حوالى 500 كيلو متر\" ولما قدم على أبى هريرة خليفة مروان على المدينة وصلى العتمة قال أبو هريرة : حاج غير مقبول منه . فقال : ولم ؟ قال : لأنك نقرت قبل الزوال ، -ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التى يدخل وقتها بالزوال - فأخرج له كتاب مروان بعد الزوال وقال :
ألم ترنى كلفتهم سير ليلة * * * من آل منى نصا إلى آل يثرب
فأقسمت لا تنفك ما عشت سيرتى * * * حديثا لمن وافى بجمع المحصب
5 -اللعب بالسلاح - الشيش : وكان معروفا عند العرب باسم \"النقاف \" وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة في شكلها الحالي ، وكان من صوره رقص الحبشة الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم منهم في المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام ، ففي رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفنون ويلعبون بحرابهم يتلقونها . وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه في بدر والخندق وغيرهما معروفة .
والتحطيب المعروف عندهم باسم \"اللبج \" أو \"اللبخ \" يشبه اللعب بالسيوف لأنه محاولة للأخذ قوامها هجوم ودفاع بالعصي .
6- رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يعرف عند العرب باسم \"الربع \" وهو أن يُشال الحجر باليد ، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل ، والربيعة والمربوع هو الحجر الذي يرفع ، وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا أو يتربعون فقال : عمال الله أقوى من هؤلاء (ذكره في لسان العرب ) وأول من فكر في تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري ، وكان مشهورا بقوته البدنية ، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب فإنه في غزوة خيبر لما ضاع ترسه أمسك بباب كان عند الحصن فتترس به عن نفسه ، وكان سبعة نفر ينوءون بحمله (ذكره في الروض الأنف ج 2 ص 239) .
7 - القفز أو الوثب العالي : وكان يعرف أيضا عند العرب باسم \" القفيزى\" حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافزون عليها ولها نظام خاص لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج ا ص 133 ).
8-الكرة: وهى تشبه لعبة البولو في هذه الأيام ، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة في كتب الأدب ، قال الحارثة بن رافع . كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحى ، والدحو رمى اللاعب بالحجر والجوز وغيره ، والمداحى حجارة كشكل القرصة ، وتحفر حفرة فترسل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قرصته فيها فهو الغالب ، وذكر أن ابن المسيب سئل عن الدحو بالحجارة فقال لا بأس به . قال شيخُ الإِسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى: (... ولعبُ الكرةِ إِذا كانَ قصدُ صاحبِة المنفعةَ للخيلِ والرجالِ؛ بحيثُ يستعانُ بها على الكرِّ والفرِّ، والدخولِ والخروجِ ونحوهِ في الجهادِ، وغرضُه الاستعانةُ على الجهادِ الّذي أَمر الله به ورسولُه صلى الله عليه وسلم ـ فهو حسن، وإنْْْْْْْْ كانَ في ذلك مضرةٌ بالخيلِ و الرّجالِ، فإنّه ينهى عنه).
علي نايف الشحود : موسوعة البحوث والمقالات العلمية 2.
9 -السباحة: عن عطاء بن أبى رباح قال : رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاري يرميان فملَّ أحدهما فجلس فقال له الآخر :كسلت ؟سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \"كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال . مشى الرجل بين الغرضين ، وتأديبه لفرسه وملاعبته أهله ، وتعليم السباحة\" رواه الطبراني بإسناد جيد.
وروى البيهقى بسند ضعيف من حديث أبى رافع : حق الولد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي.
وعن ابن عباس قال : ربما قال لي عمر بن الخطاب : تعال أباقيك في الماء ، أينا أطول نفسا ونحن محرمون .
وفى تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 264) عندما تغلب معز الدولة أحمد بن بويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة ، حتى كان السبَّاح يحمل الموقد عليه القدر باللحم إلى أن ينضج . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله في المدينة ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دفن أبوه قال : هاهنا نزلت بى أمي وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطي على أن النبي عَامَ وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح هو وأصحابه في غدير، فقال ليسبح كل رجل إلى صاحبه ، فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر حتى عانقه ، وقال : أنا وصاحبى (الزرقانى على المواهب اللدنية ج ا ص 164) .
هذه نماذج للتربية الرياضية أقرها الإسلام ، وشجع عليها . تعرف بها مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكل مظاهر الحضارة الصحيحة .
فالإسلام لا يمنع من ممارسة الرياضة طالما أنها قد ارتبطت بآداب الإسلام ومبادئه القويمة .
وطالما كان مقصدها تقوية الجسم وجعله قادراً على آداء التكاليف الشرعية , والمهام الوظيفية , من العزة والاستخلاف على هذه الأرض.
يتبع