حياكم الله في منتديات واحة الإسلام.... تشرفنا زيارتكم.... يزدنا تألقا انضمامكم لاسرتنا.... نعمل لخدمتكم ...فمنتدياتنا صدقة جارية لاجلكم فحياكم الله ونزلتم اهلا وحللتم سهلا
كلمة الإدارة
 
 

 
 
 
 

منتديات واحة الإسلام :: الأقسام الأدبية والثقافية :: مكتبة واحة الإسلام

كاتب الموضوع wissam مشاهدة صفحة طباعة الموضوع  | أرسل هذا الموضوع إلى صديق  |  الاشتراك انشر الموضوع
 المشاركة رقم: #
تم النشر فى :01 - 09 - 2016
wissam
Admin
Admin
تواصل معى
https://wahetaleslam.yoo7.com
البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل
 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين Emptyموضوع: رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين

رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين
رواية -عازف الكمان







مقدمة: انها اسطورة موسي ،حكاية المعلمين السودانيين الذن جاءو من بلادهم البعيدة وراء بحر القلزم يحملون المصابيح،فكانت لهم ثروة لا تقدر بثمن،انها حب الناس العاديين في سهول تهامة وعلى امتداد السعيدة...







الفصل الاول




- طخ .. طخ !!

- كبرنا يأبي ولم تكبر عصاك هذة ابداً !!

فتح عيناه ببطء شديد وادارهم حوله في ذهول

- هذا ليس ابي .. لماذا انا هكذا لا استطيع الحراك ، ماهذه الآلام المبرحة التي تجتاح جسدي واللون الأبيض الذي يحيط بي من كل جانب ؟!

أطل امامه وجه مكتنز لرجل في العقد الخامس من عمره ذو ملامح طيبه وعينان يطفح بهما الدمع والحزن ..

- من هذا ؟ هذا عمي ابراهيم !. عمي ابراهيم الذي احبه كثيراً ، هاجر منذ اربعين سنه مع صديقة الخميسي ، تاركاً قريتنا فراراًمن عكفه الأمام * ونزلا الى ميناء الحديدة ، الخميسي راي امراة اجنبية في سفينه تحمل العلم الأيطالي .. اخذت تغامزه وتلوح له فأنطلق نحوها لا يلوي على شئ فالخميسي رجل عنيد ولو فكر في شئ لا بد ان يناله مهما كان الثمن وابحرت السفينه الى الحبشة ، اما عم ابراهيم فقد وجد حماليــين يفرغون حموله سفينه سودانيه فأخذ يعمل معهم في التفريغ وانتهز فرصة غفله المراقب واندس بين الحاويات في عنبر السفينة وابحرت به الى بور سودان .. هكذا افترق الصديقان اللدودان في ذلك الزمن الغابر عندما كان يخيم على اليمن الظلام الرهيب .. عادا بعد تلك السنين كأنما كانا على إتفاق بعد ان توحدت اليمن ونعمت بالسلام .. كل منها محمل بتجارب الغربة الطويلة ، لم يتـزوج الخميسي في الماضي وعاش في الحبشة كالأحباش " اذا جاعوا سرقوا واذا شبعوا زنوا " .. اما عمي ابراهيم فقد تزوج من إمرأة سودانيه من الشمال انجبت له ابنتيه سعاد ورحاب .. في حقيقة لانعرف شيئاً عن إمرأته السودانيه لأنه عاد مع ابنتيه وثروة احيا بها ارضه وبنا بها بيته العامر في قريتنا وتزوج مرة اخرى من إمرأة مطلقة عقيم .. كان عمي ابراهيم غاية في النبل والكرم والمرح ، ايضاً فقد كان يشكل ظاهرة غريبة في قريتنا على النقيض من ابي عايش الذي كان شديد القسوة ومقتر .. لأن ابي عاقل قريتنا كان دائماً يتجول مع جماعتة المسلحة يبطش بالجميع دون استثناء وكانت متعتة الوحيدة هي ادمان الزواج .. هذه المرأة الأخيرة الـتي تزوجها لاحقاً كانت سبب تعاستي .

* * *

شعر انه هناك الم حاد كأنما لسعته نحله على عضده الأيمن واظلمت الدنيا في عينيه مرة اخرى ، اختفى الوجه الطيب ولم يدر كم طال عليه الأمر .. عندما فتح عينيه مره اخرى ، اخذ ينظر حوله وهو لايستطيع الحراك وفاقد الأحساس بجسده ..

- ماذا حدث لي ؟ هل انامت ام ماذا !!! لماذا انا هكذا ؟

كان الوجه الطيب المألوف يطل عليه وينظر في اشفاق كان هناك وجه جديد جواره. حدق صالح في الوجه الجديد وجه جميل لشاب في العشرينيات من العمر ، عينان طفوليتان واسعتان جميلتان ..

- لابد ان هذا .. جلال

ادار صالح عينيه الى الجانب الأخر وراي فتاة جميله ترتدي خمار وجوارها امراة

- هذه سعاد .. وامي ايضاً

عندما راى المرأة اغرورقت عيناه بالدموع وعادت الذاكره المشوشة تعابثه ...

- كان عمي ابراهيم والخميسي يجلسان امام بقالة حسن عند الطريق المترب الذي يمر امام القرية .. يدخنان المداعة وكنت انا اقوم بتجهيزها لهم ، عندما توقفت سيارة على الطريق وكالعادة نظر عمي وصديقه الى القادم الجديد نزل منها رجل في الخامس والعشرين

من العمر تقريباً .. جعل الخمسي الذي يعشق الجمال اينما حل يشهق وكاد يختنق بالقات المكور في فمه ، رمقه عمي في سخرية .. كان الشاب موفور الصحة.. شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر له عينان واسعتان طفوليتان ولحية مصقولة .. كان يشع منه السلام .. نظر الخميسي إلى الرجل الذي أقبل نحوهم يرفل في أثوابه البيضاء . يبدو انه من أصحاب الدعوة والتبليغ الذين ينتشرون في المساجد في كل النواحي في المدن والأرياف .. واستوى الخميسي جالساً

- سبحان الله ما هذا بشر .

ضحك عمي ونظر إلى الخميسي المفتون

- "لقد جاء ليعلمكم أمور دينكم ودنياكم "

دنا القادم وحيا في أدب وسال عن مسجد القرية ، لم يمهله عمي إلا قليلا ونظر إليَّ وصاح

- صالح .. دع كل شئ وخذ هذا الرجل إلى غرفة الضيوف في بيتي وقدم له الإفطار فورا

نهضت من المجمرة وتركت الفحم يذوي وحملت حقيبة الرجل الصغيرة وتقدمته نحو القرية ، كان صامتا طول الوقت ، كنا نشق الطرقات وكل المارة يتأملون القادم المشرق في إعجاب ويبادلونه التحية حتى أوصلته بيت عمي ، تقدمته إلى الداخل وناديت على زوجة عمي ، اخبرتها أن تعطني المفتاح ، فجاءت بنت عمي سعاد تحمل المفتاح وعندما شاهدت الزائر




الجديد انزوت راجعة وفر لون الرجل .. وكانت هذه البداية .. ثم حدثت تغيرات مذهلة بعد ذلك ..

* * *

اصبح الخميسي ملازماً للمسجد منذ ان جاء جلال ليقدم دروسه في المسجد ترك غاراته اليومية لمدينة الحديدة وعودته مخمورا .. اضحى ملازماً لجلال في حله وترحاله ..كان عندما يزجره عمي ابراهيم يرد في سخرية

- إن هذا الجلال اعاد لي انسانيتي التي اهدرها هؤلاء التيوس امثال عايش اخيك ، اللذين لم يحيوا من السنة سوى الكحل والخضاب فقد عاملوني معاملة الكلب الأجرب ..

كان جلال يبر بالخميسي ويعامله كوالده تماما.. في الجانب الآخر ، سعاد بنت عمي من أجمل البنات في القرية ومتعلمة كانت دائما ترفض كل الذين يتقدمون للزواج منها ، فهي سمراء وطويله ولها روح مرحة كأبيها ، غدا الكل يتمناها له .. ومع ذلك ظلت تصد كل الناس .. الخميسي ايضا يجلها لأنها جميلة جداً ، وتبر به كأبيها تماماً ، تذهب إلى بيته وتنظفهه وتقوم بغسل ملابسه وتعد له الطعام ، كان دائما يرفع يده إلى السماء ويدعو لها بأن يهب الله لها رجل لايقل عنها جمالاً وأخلاقاً .. اشياء طرأت عليها ، اصبحت دائمة البكاء، لقد بارحها كثير من المرح منذ أن فوجئت بالزائر الغريب معهم واقامته في بيتهم كانت تقوم بتنظيف وترتيب غرفة الضيف عندما يذهب ليقدم دروسه في المسجد وتغسل ملابسه البيضاء وتعطرها وتعد له الطعام بنفسها وتحمله له .. جلال رجل شديد الحياء وصامت لا يتحدث كثيرا ، فقط تبين الانفعالات المختلفة على صفحة وجهه الطيب ، في إحدى المرات كنت اجلس معه في الغرفة ، نهض ليغلق النافذة تسمر في مكانه ممتقع اللون وانهار جالساً وقد فاضت عيناه بالدموع داعب أنفي عطر نفاذ ، انساب من النافذة عطر اعرفه جيداً انه عطرها الذي اشتريه لها دائما من الحديدة .

سعاد بنت عمي لابد أنه رآها مرة أخرى وفعلت فعلها فيه ، كانت انفاسه المتلاحقة تنبئ بحجم الانفجار الضخم الذي دوى في قلبه .

* * *

في مقيل عمي المعتاد يوم الجمعة ، كنا كلنا نجلس وعدد من اعيان القرية نتسامر ، كنت قد اخبرت الخميسي بقصة جلال وبنت عمي سعاد فأقسم ساعتها على ان يسعى بكل ما اوتي من قوة وتأثير على عمي ان يزوجهما ببعض .. كان الخميسي يجلس جوار عمي .. وجلال عن كثب محاط بشباب من القرية يمضغ وريقات القات ويبدو ساهماً وشارداً بعينيه الواسعتين الجميلتين ، همس الخميسي في أذن عمي بشئ ما ، نظر عمي الى جلال وردد بصوته الجهوري ..

- جلال .. هل انت متزوج ؟

- لا ليس بعد ياعمي

- لماذا لم تتزوج .. اليس عندك ( ...) ؟

ضج المجلس بالضحك وارتبك الشاب واصيب الخميسي بإمتعاض شديد ورمق عمي شزراً، وكنت اعلم كم من السباب البذئ يدور في رأسه الآن .. فتدارك عمي الأمر وابتسم في ود

- اذا اردت الزواج الآن نزوجك ..

- انا يتيم وليس لي المال الكافي الآن

- نحن لانبيع النساء .. بل نزوج الــنساء للرجال اصحاب الخلق والدين مثلك

هكذا عمي غريب الأطوار ، الذي اكتسب جل طباعه الغريبة من السودان .. نظر اليَّ واردف في جزل ..

- هيا ياصالح .. نادي على ابنتي سعاد

لم اصدق اذني ونهضت لا الوى على شئ وجئت بها تقدم رجل وتؤخر الأخرى الى المجلس وقفت منزوية على استيحاء نظر اليها عمي مشجعاً وفي ود

- هل تريدي الزواج من هذا الرجل ؟

واشار نحو جلال الذي اصيب بالذهول فقد عرفها واطرق الى الأرض وهي عرفتة ايضاً وفرت هاربة دون ان تقول لا كما كانت تفعل في الماضي .. نظر عمي الى الجالسين وردد في اعتزاز

- اشهدكم بأني زوجت ابنتي سعاد بضيفنا الكريم جلال على سنة الله ورسوله وبمالديه من مال الأن ..

نهض الخميسي وانطلق خارجاً وعاد يحمل بندقيتة الآلية واطلق الرصاص الذي مزق السكون واكد فرحه الشديد بالقاء قنبلتين في الوادي إرتج المكان .. وسرى الخبر في القرية سريان النار في الهشيم تزوج جلال من سعاد بنت عمي وبعد سبعه ايام سافرا ،كان جلال يقيم في الدمام بالمملكة العربية السعودية

* * *

مرض الخميسي مرضاً شديداً بعد رحيل سعاد وزوجها عن القرية وأخذ يهذي من الحمى ، فعدناه انا وعمي ابراهيم في بيته الذي تكسوه الأوساخ بعد رحيل سعاد .. جلس عمي امامه وهو ينظر اليه في اشفاق ممزوج بالتهكم

- مابك ياحبيبي الخميسي؟

- الاترى ايها المدبر .. إني أموت !!

- لن تموت ياخميسي ولو دهستك شاحنة

- اللعنة !! ماكان ينقصني الا أن تزورني وتنغص علي حياتي

- انا اعرف سبب مرضك ، عز عليك فراق الرجل

- وانت مادخلك ؟!

- إن الرجل قد غدى صهري ويمكنك ان تكون حلقة الوصل بيني وبينه ..

وكأنما انصب ماء بارد على الخميسي .. استوى جالساً وبان عليه التفكير العميق ونظر الى عمي تلك النظرة المألوفة

- لماذا لم تخبرني من قبل يا مـ .....

ضحك عمي ضحكته المجلجله وتركني مع الخميسي وانصرف .. نهض الخميسي وارتدى ملابسه على عجل واخبرني بأن انزل معه الى مدينة الحديدة .. كنت في السابق اسافر معه الى الحديدة حيث يمارس مجونه ونعود معاً سعداء كان يأخذني نكاية بأبى عايش وجماعته ، كان يكره ابي .. الا انه يبعدني تماماً عن عالمه الخاص كنت رفيق درب فقط

اتجهنا رأساً الى موقف سيارات حرض هناك اعطاني مبلغ من المال ونصحني بأن اتزوج رحاب ابنه عمي .. وقفز الى السيارة نظرت اليه بعين دامعة .. ان للخميسي مكانه كبيرة في نفسي كلن طيب القلب رغم مايحيط به من مجون .. دار محرك السيارة وناديت

- ماذا اقول لعمي ابراهيم ؟!

- قل له قبح الله وجهك .. لن تراني ثانيةً

واطلق ضحكته المجلجله التي تشبه ضحكة عمي وكانت تهز قريتنا هذا ثم ردد ابيات من الشعر ، كنت اعرف ان الخميسي رجلاً مثقفاً

رحلوا ولست مساءلاً عن دارهم

أنا باخع نفسي على اثارهم

مضى الخميسي ومن قبله سعاد وجلال وخيم الحزن على عمي ابراهيم حتى ظهر استاذ موسى .. الأستاذ السوداني الذي جاء ليدرس في مدرسة قريتنا الصغيرة ، وبدات صفحة جديدة .. اصبح موسى من اعز اصدقاء عمي وكان بينهما مساجلات واحاديث ذات شجون .

* * *

- هذة المرأة الموفورة الصحة ليست امي .. امي التي انهكها مرض الدرن والقهر من ابي المزواج .. في ذلك اليوم كانت تبصق دماً وتسعل بشدة كان عمي قد سافر الى الأرض المقدسة .. ذهبت الى ابي في بيت عرسه الجديد وناديت عليه طالباً منه مصاريف للدواء جاءت زوجتة الجديدة وقابلتني مقابلة سيئة وافحشت لي في القول ، صفعتها بكل ماأوتيت من قوة .. غضب ابي غضباً شديداً وكنت اعرف ان شجرة الأمام ستنتظرني .. شجرة الأمام عند اطراف القرية جوار المقبرة .. كان في الماضي يربط بها المغضوب عليهم وتأتي الضباع من الوادي وتفترسهم ولايجد الناس في الصباح سوى اشلاء ممزقة .. مضى ذلك الزمن وراحت الضباع من الوادي واصبح الذين يربطون عن تلك الشجرة يواجهون الأسوأ .. يجدونهم في الصباح وقد ذهب عقلهم من جراء مارؤوه من اهوال في الليل .. خروج الموتى من القبور وعواء واصوات .. وهوام والجن وكل الوان الظلام ، سحبني اعوان ابي بقسوة وربطوني هناك رغم توسلات امي واخوتي الصغار لاادري بعد ذلك ماذا حدث .. لماذا انا هنا الأن ؟!..

بدات الصور تبهت في ذهنه المشوش مرة اخرى و تختفي ليحل محلها الظلام المطبق .. بعد ان احس بتلك اللسعة على عضده الأيسر واختفت الوجوه الطيبة من حوله .

* * *

عكفة الإمام : جنوده

حرض : مدينة على الحدود اليمنية - السعودية

شجرة الإمام : اسطورة من تاليف الكاتب




******




الفـصل الثاني







رن جرس التلفون في منزل المقدم فيصل المطيري الذي يعمل في دائرة السجون بمدينة الدمام .. نهض الرجل الذي كان نائماً في تلك الساعة المتأخرة من الليل ، بادي الأنزعاج ورفع السماعة

- آلو ..منزل المقدم فيصل !!

- نعم .. من معي ؟

- المرجو حضورك فوراً الى قسم شرطة العدامة*

نهض الرجل وارتدى ملابسه على العجل وقد اكتسى وجهه بالحزن العميق والغضب وهمس فى نفسه

- لأ بد انه الولد نواف .. رباه ماذا فعلت حتى يكون لي مثل هذا الأبن العاق ؟!

المقدم فيصل رجل طيب ، كانت اسرته الصغيرة تتكون من ولده نواف وثلاث بنات ايمان وسمر ونور وزوجتة فاطمه ، تلقى تعليمة في الخارج ، حيث درس في كلية السجون في السودان ثم عاد الى المملـكة وترقى في مرفق السجون وقام بدورات تاهيليه اخرى في المانيا واميركا .. كان له فلسفه خاصة في تربية ابناءه وذلك ان يترك لهم قدر من الحرية بشرط ان لا تتجاوز حدود القانون .. لكن نواف الذي افرطت امه في تدليله قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وهذه ليست اول مرة يستدعى الى اقسام الشرطة بخصوص ابنه ..

خرج فيصل وعلى عجل وبمنتهىالهدوء وركب سيارته وانطلق بها في شوراع المدينة الهادئة .. وصل قسم الشرطة .. هناك وجد ابنه نواف وصديقه الطائش رياض كالمعتاد يجلسان في مكتب الضابط المناوب .. وقف الضابط وحيا المقدم فيصل الذي كان الشرر يقدح فى عينيه وهو ينظر الى ابنه المنزوي خائفاً، ابتسم الضابط في ود يخفف من التوتر السائد في تلك اللحظة

- انها جريمة بسيطة .. كانا على الساحل يفحطان بالسيارة وهما في حالة سكر ووجدنا مع صديقه قطعة من المخدرات .

اكفهر وجه فيصل واندفع نحو ابنه نواف وامسك بتلابـيـبه يعنفه

- هكذا يا نواف .. دائماً توقعني في الحرج

نظر الضابط الى الجندي المختص والى المقدم فيصل

- لاعليك .. يمكن شطب القضية .. حيث انهما حدثان وهذة اول مرة تسجل لهم سابقة في منطقتنا .

نظر المقدم فيصل الى الضابط المناوب في امتنان ودفع ابنه بعيد وردد صائحاً في وجهه

- عليك ان تعود الى البيت وحدك غداً صباحاً

ثم التفت الى رياض

- وانت سيكون لي مع والدك شأن آخر

رياض الأبن الوحيد للمهندس مسفر الذي يعمل في ارامكو كان مسفر قد تلقى جل تعليمه في اميركا ثم عاد يتزوج في سن متأخرة ويعيش على الطريقة الأميركية في بيته في الجوار، هو من اصدقاء فيصل رغم اختلافهما في نمط الحياة .. حيث ان فيصل متحفظ لابعد الحدود حتى انه لا يدخن بينما مسفر يعيش كل الحياة الأميركية بمباذلها وشعارها العجيب

(الفضيحة هي الحرية الوحيدة التي يمكننا ممارستها ) لذلك اصبح ابنه يشبهه ومن شابه اباه فماظلم ..

خرج المقدم فيصل من القسم وركب سيارته والدمع ينهمر من عينيه وعقله يدور كالماكينه خوفه من انزلاق ابنه الى الهاوية مع رفيق السوء رياض !! مبادئة في عدم التدخل!! هذةالأشياء جعلته يشعر بالأحباط الشديد والحزن آثر ان ينطلق بالسيارة على الخط الدائري والخروج من المدينة التي تجثم على صدره .. كانت السيارة تبتعد وسرعتها تزيد وفيصل غارق في احزانة .. الظلام والضباب مخيم على الطريق

* * *

توقفت الشاحنة المحملة بالماعز والكباش عند حافة الطريق ،كانت أ نوار الدمام تلوح من بعيد .. إنسل صالح من بين ارجل الدواب واعطى السائق الفليــبــيني المبلغ المتفق عليه لتهريبه الى المنطقة الشرقية .. كان صالح يزمع البحث عن الخميسي الذي يعمل في المحرقة* والأقامة معه حتى يجمع مبلغ من المال يخلصه من نير والده القاسي .. كان يسير ساهماً .. استرجع اللحظات الرهيبة الأخيرة .. أمه كانت تولول وهم يسحبونه بقسوة الى الشجرة الملعونة .. أخوانه الصغار .. عندما يأتو في الصباح ولايجدوا صالح . ماذا ياترى سيعتقدون هذا القيد الحديدي الذي لا يستطيع فيل على اقتلاعه أي قوة جبارة تمكنت من تحرير رجله منه !! انه نفسه لم يصدق إن ذلك حدث .. كان شئ رهيب فعلاً .. انه الأن في السعودية بعد رحله مضنية، جائع لم يتناول طعام منذالأمس ، ملابسه تفوح منها روائح كريهة لروث وبول البهائم .. المدينه لازالت تبعد عنه .. كان يسير مترنحاً يحمل صرة الملابس .. ونسمات الفجر تهب من جهه البحر تــنعش روحة الوفية ، كان يفكر بصوت مسموع

- هذة المرة عندما اعود بالمال الوفير سأنتظر عودة عمي ابراهيم من الأراضي المقدسة وافاتحة في الزواج من ابنته رحاب و أخذ امي واخوتي ونسكن في بيت الخميسي المهجور سأخبره عندما التقيه في المحرقة على مشروعي .. سأعمل على احياء ارضه الميته بالشراكة بالنصف، الخميسي رجل طيب سيوافق .. كان دائماً يسعى على ان استقل عن ابي ، دروس الحرية التي يقدمها الخميس من اعظم الدروس التي تلقاها صالح في حياته..

ظل صالح سائراً .. كان يمشي في منتصف الأسفلت دون شعور .. نسبة للهدوء الذي كان يخيم على المكان، لم يتوقع ان تمر سياره في هذا الطريق وبسرعة جنونية وفي هذا الوقت المتأخر من الليل ولكن مالم يتوقعه حدث .. كان الضباب كثيف وهناك سيارة مسرعة يبدو على سائقها الأستغراق العميق ..صالح يسير مترنحاً على الأسفلت ... حدث التصادم الذي قذف بصالح في الهواء وسقط على بعد ثلاثة امتار.. اصطدم راسه بالاسفلت وتفجر الدم من جبهته ..اوقف الرجل السيارة التي دارت حول نفسها وانغرست في الرمال .. نزل في جزع والدمع يطفر من عينيه نحو المصاب ، كان صالح يجاهد نفسه على النهوض ويسقط المرة تلو المرة في معركة عنيفة من اجل التشبث بالحياة ..

* * *

برز راسه اولاً من تحت الماء .. ثم بدأ باقي جسده في الظهور وهو يتجه نحو الساحل بخطواته الواثقة وجسدة الاثيرى ، خرج يمشي على الرمال .. كان يسير مسرعاً نحو الرجلين ، استدار صالح نحو القادم وانبسطت اسايره رغم الآلآم المبرحة .. جعل القادم الغامض يقـــــترب نحو الطريق الأسفلتي ، جاهد صالح بكل قواه وصرخ

- ساعدني يا استاذ موسى !!!‍‍‍

التفت المقدم فيصل نحو الغريب القادم من المجهول بقامتة المديدة واكتسى وجهه بالرعب كانت هناك اضواء غريبة تشع من عينيه الفسفوريتين وملامحه السمراء .. لقد عاد استاذ موسى مرة اخرى عندما عرف ان صديقة صالح في محنة ، انحنى وحمل صالح على كتفة ونظر الى المقدم فيصل وردد صوتة المعدني الذي يأتي من كل الجهات ..

- اتبعني الى السيارة .. لاوقت للدموع ..

اندفع موسى بخطوات سريعه نحو السيارة المغروزة في الرمال وضع صالح على المقعد الخلفي وجلس المقدم جواره

- انا ساٌقود السيارة ..

جلس موسى في مكان السائق بعد ان اخذ المفاتيح من فيصل المذهول وانطلقت السيارة بسرعه كأنها البر ق الخاطف نحو المدينة .. لازال فيصل المسكين يظن انه يعيش في كابوس حقيقي .. وان كل مايراه الأن ليس حقيقي بالمرة ..

في قسم الطورئ بالمستشفى جاء رجال الأسعاف مهرولين نحو السيارة التي تخطت البوابة ووقفت بطريقة عنيفة .. تعاونوا مع المقدم فيصل في حمل المصاب الى النقاله الى الداخل .. خرج فيصل يبحث عن المدعو موسى .. السوداني الغامض ولكنه لم يعثر له على اثر.. اخبروه بأن السيارة لم يكن بها احد سواه والمصاب .. لم يتحمل فيصل كل ذلك وخر مغشى عليه وسط دهشة العاملين في المستشفى وحملوه الى الداخل

* * *

العدامه : حاره في مدينة الدمام

المحرقة : مكان عمل تجار الخردة

يفحطان : يلعبان بالسيارة على الرمال

****


التوقيع: wissam



 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين 2410


الخميس سبتمبر 01, 2016 4:20 pm
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
Admin
الرتبه:
Admin
الصورة الرمزية

wissam

البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wahetaleslam.yoo7.com

مُساهمةموضوع: رد: رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين


الفـصل الثالث


دلف المقدم فيصل من بوابة المستوصف الخاص واتجه راساً الى مكتب صديقه الدكتور محسن الذي قابله بابتسامة جعلته يطمئن على اوضاع المصاب بخير ، فقد نقله من قسم الحوادث بالمستــــشفى العام الى هذا المستوصف الحديث حتى يتأكد تماماً من سلامه الرجل ، جلس فيصل قباله صديقه الدكتور الذي ناوله ملف المصاب المجهول .. اخذ يقلب صور الأشعة والأوراق ثم ردها الى الدكتور محسن الذي ردد في ثقة
- لاتوجد أي كسور .. فقط ارتجاج في المخ ادى الى فقدان مؤقت للذاكرة ، بعض الرضوض والكدمات نتيجة لاصتدامه بالاسفلت ..
نظر الى صديقة في توجس
- ماذا يعني فقدان ذاكرة مؤقت ؟!!
- للأسف سيظل المصاب لفترة غير محدوده لايتذكر شئ يتعلق بالماضي حتى اسمه ايضاً .. لاحظ اننا لم نجد في مقـتنياته مايدل على هويته سوى انه قادم من اليمن ..
استلقى فيصل على مسند الكرسي ساهماً ، لمعت الدموع في عينيه ، ثم اخذ قلم من مكتب الدكتور ، شطب كلمة مجهول وكتب عبدالرحمن فيصل المطيري على الملف ورده الى الدكتور الذي نظر الى صديقه في دهشة .. ردد فيصل
- للضرورة احكام .. ان هذا الأنسان سيظل في كفالتي حتى تعود له الذاكرة طال الزمن اوقل .. ارجو ان تستخرج له تصريح بأن يخضع للعلاج في مستشفاكم لمده عام
كان محسن يحب المقدم ويعرف انه صاحب ضمير حي وقد اكبر هذه البادرة الحميدة ..داس الدكتور محسن على الجرس جاءت الممرضه الهندية وطلب منها ان تذهب الى قسم جراحة العظام وتخبر الدكتور المختص ان يستخرج للمصاب تصريح للعلاج في وحدته لمده عام ..
انصرفت الممرضه .. والتفت فيصل اليه متساءلاً
- هل يمكن اخذ الرجل المصاب الى البيت الأن ؟!
- سنعرف ذلك من تقرير الطبيب المختص فاذا كانت حالته الصحية قد تحسنت فيمكنه الذهاب معك ومعاودتـنا شهرياً لمتابعة حالته عن كثب
تهللت اسارير فيصل .. اذا انقضى نصف المشوار اما اجرءات الشرطة فهو كفيل بها ..عادت الممرضه تحمل التقرير ، ناولته دكتور محسن الذي قرأة بعناية ووقع عليه وناوله لفيصل
- المريض الأن بخير ويستطيع ان يذهب معك ويأخذ علاجه معه
- خير البر عاجله
نهض الرجلان وخرجا من المكتب الى قسم جراحة العظام .. كان صالح يجلس ساهماً عندما شاهد المقدم فيصل بملابسه الرسمية يأتي مع الدكتور اوجس خيفه واخذ ينظر اليهما في وجل الا ان ابتسامه ودودة منه طردت كل الهواجس من قلب صالح الطيب ، صافح فيصل صالح
- انت من اليوم اسمك عبدالرحمن ، ستذهب لتقيم معي في البيت حتى اكتمال علاجك .. لاتحزن ستعود لك الذاكرة لاحقاً
نظر صالح الى وجه الرجل الطيب الذي يبدو مألوفاً
- اشكرك على كل ذلك .
نظر صالح الى الدكتور محسن
- لكن يادكتور عندما انام ارى اناس كنت اعرفهم ارى كل حياتي الماضيه وعندما استيقظ لااذكر الا النزر اليسير .
- هذا صحيح ، لانك تعاني من صدمه شعوريه من جراء الحادث العنيف ، عندما تـنوم يتعطل الشعور وتخرج الذكريات من مخزون اللاشعور وقد يساعدك ذلك على استرداد ذاكرتك بصورة جيدة
تنهد صالح بعمق وانبسطت اساريره ، نظر الى المقدم فيصل في ود
- قدر الله وماشاء الله فعل
* * *
عندما حل عبدالرحمن ضيفاً على المقدم فيصل ، حلت البركه بالبيت كما قال فيصل نفسه لزوجتة فاطمة .. نجحت اعماله التجارية فالرجل له محلات لبيع العطور تمر بكساد شديد .. كان عمل صالح في غايه البساطة ، في الصباح يوصل البنات سمر وايمان الى المدرسة بالسيارة ثم يعود ليشذب حديقة المنزل التي احالتها انامله الذهبية الى ارم ذات العماد عندما يؤذن الظهر يصلي ويرجع الى المدرسة ليأتي بالبنات . ثم يرتاح في غرفتة الجميلة عند باب المنزل حتى العصر .. يصلي ويذهب ويفتح المحل الجديد للعطور الذي اصبح يدر ارباحاً كبيرة تفوق كل المحلات الأخرى التي يملــكها ابونواف وفي العاشرة مساءً يعود الى مسكنه الهادئ ومع المذياع تمتد سهرتة البريئة مع فيروز وام كلثوم والقلم والأوراق وعندما ينام يتداعى الماضي المشوش احياناً تكون ذكريات مفرحة واحياناً تصيبه بالانقباض
لايمكن ان يعــيش الأنسان هكذا بدون ماض .. رغم ان الرجل الذي استضافه في بيته غايه في الـكرم والنبل .. صالح يجله كأبيه تماماً ويتفانى في خدمته وطاعته .. هذا التحول الجديد اسعد المقدم فيصل وانساه المنغصات التي يسببها له ابنه نواف .. لكن ماذا كان شعور نواف ؟!
لم يستسغ رياض وجود هذا الغريب في بيت صديقة نواف وايضاً هناك ابعاد اخرى .. هناك إرهاصات صاهرة مرقوبه بين الأسرتين حيث يزمع المهندس مسفر تزويج ابنه بإحدى بنات صديقه فيصل ، لكنها لم تنضج بعد ، قد حز في نفس رياض ان يقوم عبدالرحمن بتوصيل البنات الى المدرسة .. ظل ينفث سمومه في اذن صديقه المسكين نواف وقد ساعد الأهمال الذي تعمده ابونواف له واهتمامه المطلق بالغريب في الأونه الأخيرة غيرة نواف .. شعر ان اباه يحب عبدالرحمن كأنه ابنه تماماً ويـباهي به في مجالسه ويأخذه لعـقـد الصفقات المهمه ويعطية الأموال ليوردها الى البنك .. كل هذة الأعمال كان يتهرب منها نواف واذا انجزها ينجزها بطريقة سيئة وظلت كلمة فاشل التي يطلقها عليه ابيه ترن باصداء مؤلمة في نفسه وتوغر صدره على عبدالرحمن لذلك يتعامل معه دائماً بتعالي وجلافة مصطنعة لاتشبه طباعه الحقيقية ابداً ..
* * *
دفع نواف باب المطبخ صباحاً كانت تجلس امه فاطمة على الطاولة تطعم الصغيرة نور .. كان الدمع يطفر من عينيه جلس على الكرسي قباله امه وردد في صوت خانع
- امي اريد التحدث معـــك ..
نظرت فاطمه الى ابنها المنهار في دهشة .. ليس من عادته ان ياتي اليها في الصباح هكذا .. ولكنها ايضاً لمست التغيرات التي حدثت في الأونه الأخيرة واشفقت على ابنها ، نظرت اليه في حب عميق ..
- ماذا بك اليوم يا ابني .. لماذا لم تذهب الى المدرسة ؟
- لااريد الذهاب الى المدرسة او الى أي مكانٍ
بان الأمتعاض على وجه امه وحدقت في وجه ابنها الشاحب الذي يــبـدو عليه انه لم ينم طوال الليل وعيناه المقرحــتـان بالبكاء
- ماذا بك اليوم يا بني ؟
- - هل انا فاشل يا امي ؟‍‍!
باغتها التساؤل ولم تستطع الإجابة ولزمت الصمت
- اذأ انت ايضاً تعتقدين اني فاشل كما يعتقد ابي تماماً
دفن نواف راسه بين ساعديه وجلس يبكي في نشيج مكتوم ، تركت فاطمة ابنتها نور المذهوله ، نهضت وجلست جوار ابنها واخذت تمسح على شعره في حنو بالغ
- ماعاش من يقول عليك فاشل
- انه ينعتـني بذلك ويردد دائماً امامي الحمدلله الذي ابدلني بخير منك يقصد عبدالرحمن اليمني
نظرت نورالبريئة الى اخيها ثم الى امها عندما سمعت اسم عبدالرحمن ورددت في جزل
- انا ايضاً احب عبدالرحمن يا ماما .. لانه دائماً يعطيني حلوى ..
نظر نواف بحده الى شقيقــته الصغيرة وانتهرها فبكت وولت هاربة ، نظرت فاطمه الى ابنها في عتاب ممزوج بالشفقة ..أردف نواف
- حتى هذه الصغيرة لا ترحمني !!!
- انها طفله فمن باب اولى ان تحب من يحسن اليها وليس من يقسو عليها
- دعك من هذا يا امي ، اتركينا في المهم ، لماذا يعاملني ابي هكذا ؟!
- يا ابني ان أباك كان يريد منك ان توظف الحرية التي منحها لك بصورة ايجابية وقد حز في نفسه ان يجدك تنحدر من سئ الى اسوأ ..
رفع نواف راسه ونظر الى امه في انكسار
- ماهو الشئ الذي افعله ولايرضى ابي ؟!
- دعك من ابيك سأخبرك عن الشئ الذي تفعله ولايرضيني ، انت اصبحت لاتذهب الى المدرسة وقد اخبرتــني زينب زوجه مدير المدرسة الشامله بأن زوجها اخبرها عنك وهو يخشى ان يخبر ابيك .. اذا كنت لاتذهب الى المدرسة .. فاين تذهب ؟!
صعق نواف كأنما مسه تيار كهربائي واشاح بوجهه بعيداً وقد خشى ان تقرأ امه افكاره كان يذهب مع صديقه رياض الى مدن ( ارامكو) ليقابلان رجل اجنبي مريب يعطيهم مخدرات يروجاها خلسه بين الطلاب في الشامله
- امي .. انها تـكذب .. فقط انا اكره المواد العلميه واحب ان ادرس ادبي وابي يريدني ان اكون طبيب
- لماذا لم تخبر أباك بذلك ؟، انت حر في إختيار مستقبلك ،
هذا عذر أقبح من الذنب ، أنظر إلى شقيقتك إيمان تجاوزتك في الدراسة .. ألا ترى أن أبيك يحبها أيضاً . إن أباك يحب النجاح .
- لكن هذا اليمني لا يدرس ومع ذلك أبي يحبه .
- يا بني إن أباك يشعر بالذنب حياله ، لانه السبب في أعاقته هكذا ، ماذا تعرف عنه أنت؟! إنه في مثل سنك ويبدو عليه إنه جاء من أجل هدف ما .. هذه قيمه اسمها التضحيه ولا تعرفها أنت ..هل تعتقد لو كان له مثل فرصتك هذه من راحة ورفاهية كان سيرسب في المدرسة ؟! أنا نفسي أرى فيه ذكاء وقاد.. إذهب أنت بنفسك وأجلس معه في المحل يعلمك التجارة بدلاً من التسكع مع رياض في الطرقات .
شعر نواف بالألم العميق فبالرغم من كلمات أمه الموضوعيه فهي أمرأة حكيمه وتحب الحق ردد في تخاذل .
- حتى أنت ياأمي لستِ في صفي .
- يا بني كل أم في الدنيا تحب إبنها مهما كان .. لكن لا تتمنى له الفشل والضياع ،
لم تفلح كلمات أمه الطيبه في إزالة الغل الذي في صدره بعد كل السموم التي ينفثها في صدره رياض ، نظر إلى أمه في يأس ..
دوى نفير سيارة رياض في الخارج .. نهض نواف .. رياض هذا يسلب إرادته تماماً .. أستدار منصرفاً وهو يجز أسنانه وردد في نفسه .
- سنرى من يبقى في هذا البيت أنا أم هو !!
شيعت فاطمه إبنها بنظرات الحنان والأشفاق وهو منطلق خارجاً وقد تعاظم أحساسه بالتعاسة
* * *
كان يعمل بجد ونشاط في تشذيب الحديقة ، إن متعته الحقيقية هي العمل في الزراعة وقد أفلح الرجل الطيب في إختيار الشخص المناسب لفلاحة حديقته .. نزع قميصه المبتل بالعرق وطرحه على العشب تحت شجيرة الفل ذات الأزهار البيضاء وجلس يستظل بها .. أزاحت إيمان ستارة النافذة وأطلت من خلف الزجاج إلى الحديقة .. كان صالح يحس بأن شيء ما يختلج في صدره رفع عينيه ببطء حتى لا يحرجها ، فقد اعتاد على نظراتها من خلف الزجاج ومرآة السيارة ، كم هي جميلة هذه البنت !! إن روح صالح الشاعريه من بنى عذره كانت تهفو إلى حب جديد .. إذ لم يعد هناك ماض يتذكره .. إنه اليوم عبد الرحمن !! كان ينزف مشاعره ليلاً على الورق مع أنغام فيروز وأم كلثوم ويسترجع اليوم واللحظات الجميلة التي تجمعهما .. نظرت إلى عبد الرحمن الذي يجلس وقد أسلم جسده القوي البرونزي المبتل بالعرق لنسمات عابقة بأريج الشجيرة الظليلة التي يقبع تحتها .. ظلت الأجواء الساحرة التي تحيط به تمس شغاف قلبها ..إيمان كأبيها تحب البساطة والصدق والتضحية وأشياء أخرى ، كانت دموع عذبة تنساب من عينيها الواسعتـيـن المهدبتين .. أقـتربت منها شقيقـتها سمر وأطلت من النافذة حيث كانت روح أختها ساهمة بعد أن نادتها مراراً ولم تجب .
- ماذا بك ؟!
نظرت سمر من النافذة وشاهدته يجلس ساهماً وقد خيم على وجهه الحزن النبيل .. وأردفت
- أراك قد تغيرت كثيراً هذه الأيام .
نظرت إليها إيمان نظرة حالمة .
- لقد تغيرنا كلنا منذ أن حل بيننا حتى أبي أراه سعيداً غير آبه لمنغصات نواف .. ونور الصغيرة أيضاً تحبه ..
- لا أقصد ذلك .. أنت دائمة الجلوس خلف النافذة عندما يكون عبد الرحمن في الحديقة يوم الجمعة .
- لا أدري !! إني أحس بشيء ما ينعش روحي .. هل تعتقدين أنه الحب ؟.
- أنا لم أجربه لأُفتي فيه .. قد يكون شفقة على حالته أو تعاطف .
- لا أعتقد . . أحياناً أراه يحمل وريقات ويكتب ، كم تمنيت أن أعرف ماذا يكتب .؟!
- في الغالب شعر .. إن اليمنيين ميالين لكتابة الشعر بطبعهم .. أو خواطر وذكريات .
- ذكريات !! لا أظن .. إنه إنسان بلا ماضي وهذا ما يحز في نفسي ، لابد أن تكون هناك نساء في حياته الماضية .
- هذه حقيقة .
- لقد صدق نزار قباني عندما قال :ـ
" ما أصعب أن تهوى امرأة ياولدي ليس لها عنوان .. أو رجلاً بالطبع !! "
ضحكت سمر على لمحات شقيقتها الذكية وأردفت
- قد تعود له الذاكرة فجأة ونتحول نحن إلى حلم جميل كان يعيشه ويعود له الماضي الأليم الذي أراه على صفحة وجهه عندما يقودنا بالسيارة إلى المدرسة .
- أنت حكيمه فعلاً يا أختي ولا أعرف ماذا يعجبك في رياض الطائش .
بان الإمتعاض على وجه سمر لأنها معجبة به على علاته .
_ إن رياض شاب متمرد وأنا يعجبني هذا النوع من الرجال الحلاقة الغربية التي يحلقها .. القمصان والفنائل المزينة بالعلم الإمريكي .
- هل تعتقدي هذا المسخ والتشبه بالإمريكان حضارة ..إين الحب الحقيقي الطاهر ؟!
- لا أعتقد أن الحب هو مصدر السعادة الوحيد في رحلة الحياة القصيرة ، المتعة كل شيء
- أما أنا فأرى سعادتي كلها مجسدة في هذا القادم من الجنوب ويجلس وحيدأً في الحديقة .. الحب أسمى عاطفة في الوجود .
- رغم أن الطريق مسدود .
- منذ متى كان الطريق مفتوح للنساء .. أريد أن أعيش الحب وأصنع له أجنحة من خيالي تحلق بي حيث لا أمنيات ولا كائنات تمر ..
- وااه .. من أين هذا التعبير الفاتن ؟!
- كتبته لي صديقتي السودانية رانيه ، مقاطع من أغنية سودانية أم أنك تعتقدي أن أغاني السودانيين هي المامبو السوداني فقط .
- إن رانيه تكتب الشعر إيضاً .
- ليتها تعيرني موهبتها لإجاري هذا القابع هناك وفي قلبي شعراً ..
كان الحديث يدور عنه سجالاً عند النافذة .. وهو جالس يتمزق .. بنت الرجل إيمان ، تباً لهذه الذاكرة المعطوبه ..التي تقف حائلاً أمامه .. عندما ينام ليلاً يرى نساء ورجال وأشياء أخرى .. هل كان متزوجاً في الماضي ؟!
نهض من مكانه وسار في تـثاقل والتقط قميصه من على العشب وأرتداه واختفت عضلاته المفتولة وصدره العارى.. أغلقت البنتان الستارة .. أتجه صالح إلى غرفته ، فتح الباب وأغلقه خلفه وجلس مع أوراقه العجيـبة يكتب مطلع قصيدة
بطاقات*
أروى التباكي بما بين ماض من المجد
وما بين سيف الطقوس
تأكل أشراقها كل ذات أصيل
بمعلقة من ذهب
لايمان تلك القلوب التي وقفت تستخير السؤال
سبيلاً إلى لجة الوصل أو عتمات الذهول
وحول الجواب تطوف العيون
بإزهارها الفاتنة .

تجئ بملئ خيالاتها المترعات ما بين
خافي الظنون وحكمتها المعلنة
تضئ السهام إذا أنطلقت أو تظل
يظل الخباء خفوتاً يضاء ولا يتقد
من عيون السكون رياح الظنون بدت بادية
الرنا حيطة ترقب اللحظة التائهة
والنفاذ يورق فاطمة الصمت كل عبور
وما زال في النفس شيء أبى أن يبوح

هي ذي باندفاع المشوق تهيئ أشياءها للرحيل
منى لهفة تمتطي عبق الفرح كي تعبر
أفق الزغاريد عما قريب إلى غاية الإنتظار
ومن خلفها ترتقي الدعوات لترسم
باقات ذكرى على حائط الذاكرة .
طوى الأوراق ودسها تحت الوسادة واستلقى ساهماً يحملق في السقف وأغمض عينيه التي انساب منها الدمع المرّ .. اليوم عطلة الجمعة ، سيرتاح قليلاً ويغتسل ثم يذهب إلى الصلاة في المسجد المجاور ...
* * *
*بطاقات : قصيدة الشاعر اليمني ( ياسين الزكري ) ـ صحيفة الثوري العدد ( 1543) 1/10/98م

******







التوقيع: wissam



 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين 2410



الخميس سبتمبر 01, 2016 4:21 pm
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
Admin
الرتبه:
Admin
الصورة الرمزية

wissam

البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wahetaleslam.yoo7.com

مُساهمةموضوع: رد: رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين



الفـصل الرابع



أوقف الصديقان السيارة عند الساحل وترجلا منها ، إتجها صوب البحر وجلسا على الرمال، كان وجه نواف يضج بالإنفعالات وقد بان عليه الاستياء الشديد ، يبدو أنه حكى لصديقه البادئ التفكير العميق مشاكله مع أسرته بعد أن حل بينهم الضيف الجديد إلتفت نواف إلى صديقه .
- ماذا تراني فاعلاً بهذا الضيف الثقيل ؟
بان الإمتعاض على وجه رياض الذي كان لا يقل عنه كراهيةً لعبد الرحمن
-نبلغ عليه السلطات .. فهو مجهول كما ترى
- هذا لن يجدي ، أنت تعرف أبي جيداً .. إذا عرف ذلك سيقتلني
حدق رياض في الأفق البعيد
- نحن نريد خطة لإبعاده ، دون أن يعرف أبوك إن لنا دخل في الأمر
إنبسطت أسارير نواف
- نعم .. إنه كذلك يا أبو الأفكار . الست جيمس بوند ؟!
ضحك رياض لهذا الأطراء من صديقه وأخذ يخطط بأصبعه على الرمال فجأة تهلل وجهه والتفت إلى صديقه نواف
- تذكرت الآن !!
- أبي أخبرني بأن أحضر عبد الرحمن إلى بيتنا ليصنع لنا تعريشة زهور مثل التي صنعها لكم فقد أعجب بها أبي كثيراً .
- ماذا يعني ذلك ؟
- نستدرجه إلى البيت ثم نقوم بتخديره ونحمله بالسيارة ونلقيه بعيداً عن الدمام .
بان التفكير على نواف :
-أنا أريد فقط أن لا يعرف أبي أن لي ضلع في الموضوع
- نعم إنه كذلك .. سيعتقد والدك أنه أستعاد ذاكرته وأنصرف أخبرني عن تحركاته ، إذ يجب أن نأخذه من نقطة بعيدة عن البيت .
قاطعه نواف
- من المحل مثلاً !!
- هو كذلك .
- غداً الخميس سيقوم عبد الرحمن بتوريد الأموال إلى البنك بعد إغلاق المحل ظهراً كالمعتاد
- توريد الأموال !!
- نعم .. فهو يقوم بجمع إيراد كل شهر ووضعه في حساب أبي ..
- إذا الخطة قد حبكت تماماً ، يجب إختطافه قبل الذهاب إلى البنك وبذلك يظن والدك أنه أخذ الأموال وهرب ..
بان الجزع في وجه نواف
- هل تريد أن تأخذ الأموال ؟!
- ولم لا فهي تنفعنا في العملية المزدوجة التي بصددها أحضرتك هنا
بانت الدهشة في وجه نواف ، فهو يعلم أن صديقه لا تنقضي عجائبه ..
- أخبرني مستر بتلر بأنه سيعطينا جوازات بريطانية بعد تنفيذ العملية ..
إكتسى وجه نواف بالرعب
- هل سنترك المملكة ؟!
بان الإمتعاض على وجه رياض وحدق في صديقه في قرف
- هل تريد أن ندفن أنفسنا بين هذه الرمال .. لا بد أن نسافر إلى إمريكا ... الراب!! المخدرات!! .. الإيدز!! .. نعيش بعيداً عن منغصات أصحاب الهيئة .
- أنا لن أذهب معك في هذا المشوار .. لقد شطحت بعيداً يا صاحبي ..
- لا تكن جباناً أنت تحتاجني ، من سيزودك بإكسير السعادة بعد سفري ؟!
كان رياض قد علم نواف تعاطي المخدرات التي كان يزوده بها مستر بتلر ، أضحى نواف ينحدر للإدمان بسرعة وقد لاحظت أمه فاطمة مراراً ذبول عينيه وجفاف شفتيه ، أجاب نواف في خنوع
- ماهي العملية المزدوجة التي قلتها ؟!
- ذهبت أمس مع مستر بتلر إلى مكان بعيد على الساحل حدده الرجل وأخبرني بأن يوم الجمعة بعد غد مساءً سيأتي قارب به رجلين يسلمانا شحنة مخدرات ونقوم نحن بإدخالها إلى المدينة إلى بيتنا وسيأتي مستر بتلر كما تعرف إنه صديق إبي الحميم ليسمر معه ليلاً ولا تنسى أن مصاريف الرحلة من صديقنا عبد الرحمن !!
كان التوجس لا زال مسيطراً على نواف ، عرف رياض ان أقصر طريق لإقناع صديقه أن يحقنه بجرعة صغيرة الآن .. أخرج رياض الامبولة ، لمعت عينا نواف الذابلتين وبدأ يتحسس شفتيه بلسانه .
لحظات وكان نواف يسبح في بحور من السعادة لا توصف .. نواف إنسان حساس .. ضغوط الحياة والفشل الدراسي لعبت دور أساسي في إنزلاقه إلى هذا الدرك .. أحساسه العميق بأن والده لايحبه كان مصدر تعاسته .. إنصرف رياض الماكر وترك صديقه مستلقٍ على رمال الساحل جوار سيارته وعند الطريق .. أخرج هاتفه السيار واتصل بشخص ما .. ولم تمض لحظات وجاءت سيارة فورد ذات أرقام أجنبية .
توقفت على الطريق كان مستر بتلر يرتدي نظارات سوداء تخفي ملامحه .. إقترب رياض وحياه ، أشار نحو نواف .
- هذا صديقي الذي أخبرتك عنه ، والده ضابط .. ستكون سيارتهم فوق الشبهات عند دخولنا المدينة مع الشحنة .
إنبسطت أسارير مستر بتلر وربت على كتف رياض وفتح باب السيارة وأنطلقا بها معاً إلى المدينة ، كان نواف لا يزال في غيبوبته اللذيذة مستلق على رمال الساحل ..
* * *
دخلا إلى المحل .. نظر عبد الرحمن إلى الزائرين في دهشة يشوبها التوجس كان عبد الرحمن يعرف أن رياض لا يحبه إطلاقاً أما نواف فهو مسكين ، لم يكن صالح يكن أي عداء لنواف ، بل كان يحبه خفية وقد عرف أن معادن الناس لا تعرف إلا بقرائتهم من الداخل ، نفس نواف الطيبة شوهتها العلاقات المنسوجة حوله .. أبتسم عبد الرحمن في وجه الزائرين
- مرحباً .. أهلاً وسهلاً .
أخذ رياض يتأمل المحل الذي كان يوشك على الإغلاق وبه عدد قليل من الزبائن .. كان صالح قد جمع كل الإيراد ووضعه في الحقيبة المعتادة ، جلس رياض أمام عبد الرحمن مباشرةً ورسم على شفتيه إبتسامة لزجة بينما كان نواف يقف في إضطراب في الجانب الأقصى من المحل .. بدأ الزبائن في الانصراف محملين بأكياس العطور ، نظر رياض إلى عبد الرحمن الذي كان يسجل أرقاماً في ورقة .
- أبي طلب منى أن أخبرك بأنه يريد منك أن تصنع لنا خميلة زهور جميلة كتلك التي صنعتها في بيت أبو نواف .
- أبشر بكل سرور .
- نريدك أن تذهب معنا الآن حتى نطلعك على المكان وتخبرنا بإحتياجات الخميلة .
- الوقت ضيق الآن ، إني ذاهب إلى البنك .
- لا عليك معنا سيارة ، عشر دقائق فقط .. نطلعك على المكان ثم نوصلك البنك .
اوجس عبد الرحمن خيفة وشعر بأنهما يدبران امراً .. بان عليه التفكير العميق فهو يعرف ان هذا الغلام ذو عقلية اجرامية وكان دائماً يحزن للعلاقة غير السوية التي تجمعه بنواف .. ظل عبدالرحمن يكتب على الورقة .. لكنه كتب شئ آخر ليس له علاقة بالحسابات
- إذا اغلق المحل وانصرف معكما ..
تحرك نواف وساعد عبدالرحمن في اغلاق المحل .. انحنى صالح الى الدرج كانت هناك حقيبة اخرى جديدة اشتراها قبل يومين سحبها وترك الورقة التي سطرها على حقيبة النقود
ونهض منصرفاً معهما ، نظر رياض الى نواف المضطرب وابتسم ابتسامه ظفر وقد لمحها صالح في الواجهه الزجاجية للمحل وتأكد له تماماً ان في الأمر مؤامرة ابتسم عبدالرحمن ايضاً فهوله خططه والاعيبه ايضاً .. انطلقت السيارة الى بيت رياض ، هناك نزل الأصدقاء على الطريق ، مرت حافله تنقل طالبات المدرسة التمهيدي ، لمحتهم نور الصغيرة من نافذة السيارة وهم يهمون بالدخول ظلت تتابعهم بعيونها البريئة وتلوح لهم بيدها .نظر اليها عبدالرحمن ولوح بيده مبتسماً بـينما كان الصديقان منهمكين في فتح البوابة الكبيرة لادخال السيارة ..دخل الجميع .. نظر عبدالرحمن الى الحديقة المهمله في اسى
- ان حديقــتـكم تحتاج الى مجهود جبار
- لاعليك ان ابي كريم جداً وانا اعرف انك ذو انامل ساحرة فقط حددلنا المواد التي تحتاجها اجلس استرح الأن ..
- اعتقد اننا في حاجة الى بارد ينعشنا ..
- ولم لا ..؟
جلس عبدالرحمن مع نواف تحت ظل شجرة . كان نواف يتحاشى النظر الى عبدالرحمن وقد قرأ عبدالرحمن في صفحة وجهه البرئ الطفولي حجم المؤامرة التي يحيكها رياض .. لكن عبدالرحمن رجل شجاع وغير هياب .. فقط كان قلبه يتمزق على نواف المسكين هذا الخلوق التعس لوعرف عظم المحبه التي يكنها له عبدالرحمن لتخلى عن كل شئ ولازمه في المحل .
كان وجه نواف وتصرفاتة العفوية تذكره بشخص ماعلق في ذاكرته الخربة . ظل نواف المضطرب يحرك يديه في توجس.. لاحظ عبدالرحمن آثار الإبر على زنده الأبيض ابر المخدرات . امسك عبدالرحمن بيده برفق واخذ يتحسس البثور التي صنعتها الأبر في جزع
- ماهذة البقع على ساعدك يانواف ؟!
قفز نواف كالملسوع بعيداً وأخذ يخفي ساعديه بجلبابه الواسع
- ما شأنك انت ؟
ابتسم عبدالرحمن في ود
- انت انسان طيب يانواف ، لاتشبه هذه الحياه التة تعيشها . انا اعرفك من الداخل
كانت كلمات عبدالرحمن الطيبة اشد على نفسه من ضرب الحسام واخذ وجهه يتلون وقد اكتسى بالشعوربالذنب ، لم ينقذه الا قدوم رياض محملاً باكواب المشروبات ناول كل منهما
كوبه في يده وشرب الجميع نهض الصديقان اما عبدالرحمن فسقط على الأرض .. تهلل وجه رياض حمل الحقيـبة التي فلتت من يد عبدالرحمن واندفع بها داخلاً ثم عاد يحمل عبدالرحمن مع نواف ويضعه في صنـدوق السيارة ثم فـتح البوابة الخارجية وخرجا بالسيارة وعاد رياض واغلق البوابة ، لحسن الحظ ام رياض عند شقيقتها في الجلوية وابيه في الشركة يبدو ان الخطة نجحت تماماً ..
انطلق بالسيارة خارج المدينة في اتجاه مدينة الظهران .. عندالغروب كانا وسط الصحراء ، قاما بانزال الضحية واسجائه على الرمال تحت شجرة ظليلة ، كان الحزن والجزع يخيمان على نواف ، نظر اليه صديقه رياض وردد مطمئناً
- لاتجزع عليه لن يصاب بسوء .. ان صحاري المملكة تعج بالمجهولين من كل البلاد ، اليمن ، السودان ، الصومال ، وغيرها .. سيفيق ويجد رفاق : يجلس معهم هيا بنا
اتجه رياض نحو السيارة على عجل .. كان نواف يتلفت الى الرجل المسجى على الرمال في اسى .. الشمس قد غربت تماماً .. ركبا السيارة في رحله العودة الى الدمام ..
* * *
عاد فيصل في الواحدة ظهراً الى البيت كالمعتاد ، اطلق نفير السيارة توقع ان يفتح له عبدالرحمن البوابة ويأخذالسيارة الى المدرسة لاحضار البنات.. ظل يطلق النفير ولكن لاحياه لمن تنادي ، اوجس خيفة ونزل من السيارة ودلف نحو البوابة .. انفتح الباب واطلت منه نور الصغيرة سـألها
- اين عبدالرحمن ؟!
- شاهدته مع رياض ونواف اخي يدخلون الى بيت رياض
بان الأمتعاض على وجه فيصل ، توقع ان في الأمر شئ من مباذل رياض ، فلم فيديو رخيص او شئ من هذا القبيل في هذة الفيلا المشبوهه .. قام بادخال السيارة واتجه مع ابنته الصغيرة الى الداخل
اتصل بابى رياض في الشركة يستفسره ، لمحته فاطمة ووقفت تستمع الى حديثه الغاضب
- آلو المهندس مسفر
- اهلاً ابو نواف
- انا اسأل عن عبدالرحمن .. هل جاء عندكم اليوم في المنزل ؟
بدأ التفكير على مسفر
- لاادري كنت قد طلبت من ابني رياض ان يخبره يصنع لنا خميله كالتي في داركم ..
- شكراً جزيلاً .. مع السلامه
لم يطمئن فيصل تماماً .. مسفر في الشركة ، زوجتة في الغالب في الجلوية كالمعتاد فهو كثير الشجار معها .. خرج فيصل الى الفناء ، قادته قدماه الى غرفة عبدالرحمن .. دفع الباب ودخل .. اخذ ينظر حوله في انبهار وجدها نظيفة ومرتبة . لمح اوراق على المنضدة اخذ يقلبها ويقرأ .. بانت في محياه ابتسامه عريضه .. إن ضيفة الصغير يكتب الشعر .. خرج وركب السيارة الى المدرسة .. وجد البنات ينتظرن في قلق .. فوجئت ايمان بقدوم والدها بدلاً عن الحبيب المنتظر .. نظرت اليها سمر في تشفي .. ركبت البنات السيارة وعادوا الى البيت ، كان هناك الف سؤال يدور في رأس ايمان ومظاهر القلق والتوتر بادية على ابيها ، انزلهن ابيهن عند البوابه وادار السيارة وانطلق بها نحو مستوصف صديقه محسن ، دفع الباب على عجل واتجه الى مكتب صديقه .. لاحظ محسن اضطراب صديقه وسأله
- ماذا بك اليوم يا ابونواف ؟
- لم يعد عبدالرحمن الى البيت ، هل تعتقد انه استعاد ذاكرته ونسانا ..
- لااعتقد ان ذاكرته تعود فجأه هكذا .. ان ارتجاج المخ .. يحتاج الى فترة حتى تعود الذاكرة اويتعرض لصدمة شعورية .. اوباعث وجداني قوي يربطه بالماضي .. كل هذه الأشياء المحتمله ..
بان التفكير العميق على فيصل .. خطرت في باله فكره .. تناول التلفون من المكتب واتصل بالبنك الأهلي .. كان ردهم .. ان احد لم يأت اليوم لتوريد الأموال في حسابه .. وضع السماعة وردد في نفسه " لماذا لايذهب الى المحل ، لعله يعثر على طرف خيط يقوده الى الطريق "استأذن فيصل صديقه وانطلق دون ان يكمل الشاي الذي اكرمه به محسن الذي حملق في دهشه من صديقه .. انطلق الى المحل وكان يحمل مفتاحاً احتياطياً ، قام بفتح المحل وذهب الى المكتب وجلس على الدرج المفتوح كانت تقبع الحقيبة السوداء وعلى ظهرها الورقة البيضاء .. حملها وقرأ
الوالد العزيز فيصل
جاء نواف ورياض اليوم الى المحل وطلبا مني الذهاب معهما الى بيت رياض .. وانا احس انهما يدبران امراً سيئاً . لم ادر كنهه وتركت حقيبة النقود واخذت حقيبة مزيفة محشوة بالأوراق ..
ابنك عبدالرحمن
إنسابت الدموع صامته من عيني فيصل واكتسى وجهه بالغضب الشديد ، حمل الحقيبة والرسالة وغادر المحل وهو يترنح من فرط الأعياء . ركب السيارة وقام بجوله روتينيه على اقسام الشرطة والترحيل .. ثم عاد الى البيت وكان اذان العشاء يتعالى عندما وصل بادئ الأجهاد .. عرج نحو غرفة عبدالرحمن وجدها خاليه ومظلمه . اغلقها وانطلق الى الداخل .. كانت الام فاطمه والبنات يجلسن في توجس امام التلفزيون . تقدم في تثاقل كأنه يسحب قاطرة خلفة .. ظلت عيناه الغاضبتان تتفحصان المكان وتتصفح الوجوة الممتقعة ، بحثاً عن نواف .. كانت فاطمة المفزوعه على ابنها قد اتصلت خلسه بام رياض واعلمتها ان تبعد نواف الى أي مكان خوفاً عليه من ابيه الغاضب رغم ان رد زينب ام رياض لم يكن مطمئناً واخبرتها بأنها عادت الظهر الى البيت ووجدت ثلاثه اكواب عصير ملقاه على الأرض في الحديقة ولم تجد احد في البيت .. ظل فيصل يتقدم ثم ترنح وسقط على الأرض صرخت النساء وتتدافعن نحوه يولولن .. نهضت سمر برباطة جاش واتصلت بالدكتور محسن . سرعان ماجاء وحمل معهم فيصل الى فراشه وحقنه بالمنوم واطمئن عليه وطمئنهم انه يعاني من الإرهاق النفسي والجسدي ويجب ان تتركه ينام حتى الصباح .. جلست فاطمة جوار زوجها النائم وهي تلعن في سرها ابنها نواف فقد كان السبب في كل ذلك .. جلست ايمان التي تحب ابيها حبا جما عند قدميه وهي تبكي بحرقة ولاتدري ان قلبها انفطر على ابيها المسجى او الحبيب الذي رحل ...









التوقيع: wissam



 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين 2410



الخميس سبتمبر 01, 2016 4:22 pm
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
Admin
الرتبه:
Admin
الصورة الرمزية

wissam

البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wahetaleslam.yoo7.com

مُساهمةموضوع: رد: رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين



الفـصل الخامس

فتح عينيه واستوى جالساً . كان الظلام يلف المكان بعبائته السوداء المرصعة بالنجوم ، رياح الصحراء تئن في اذنيه والقمر بازغ في شحوب على الأفق الشرقي .. كان هناك لحن شجي ينساب الى اذنيه ، معزوفه على آله الكمان لامست وجدانه ، جعلته يتلفت بحثاً عن مصدرها الذي يبدو قريباً .
كان هذا اللحن الخماسي يبدو مألوفاً لديه .. نهض مترنحاً نحو مصدر الصوت خلف الكثبان الرملية فوجده .. ممسكاً بالالة السحرية شهق صالح من الدهشة انه موسى !! استاذ موسى السوداني ومقطوعه ( دوبيت )* على آله الكمان .. تداعى الماضي على ذاكرته المشوشة ، عندما كان يجلس مع موسى ويعابثه
- ياموسى اين زوجتك واولادك ..
فيرد موسى باسماً
- ياصالح ان قصتي قصة حياة انسان .. املاكه في العالم ريشة وضمير وكمان * .. اقترب صالح من الرجل الذي كان يدير له ظهره والمقطوعه الشجيه تداعب اذنيه وتسكر روحة وانطلق عقال سيل من التداعيات
- ياموسى اين زوجتك واولادك ؟!
ترك موسى الكمان والتفت باسماً نحو صالح الذي اقترب وكان بعيداً
- ان قصتي ياصالح قصة حياة انسان املاكه في العالم ريشه وضمير و كمان* ..
واستمر تدفق شلال الذاكرة في مخيله صالح المعطوبه ..
- دنيا لايملــكها من يملــــكها ..
رد موسى في جزل :
- اغنى اهاليها سادتها الفقراء ..
- العاقل من يأخـذ منها ما تعطيه ..
- على استحياء ..
- والجاهل !!
- من ظن الأشياء هي الأشياء*
اقترب صالح وغدا قاب قوسين او ادنى وردد في خبث .
- من هم مظاليم اليمن الثلاثه ياموسى ؟!
- الحرمه والحمار والاستاذ المتعاقد ..
اندفع صالح يعانق موسى والدموع تنساب من عينيه بغزارة ربت موسى على را س صالح وردد في نغمة جادة .
- هيا يا ابويمن اليوم لدينا عمل كبير يجب انجازة ..
إنطلق الرجلان نحو غرفة من الحجر عند الساحل البعيد ، دخل الصديقان الغرفة وضع موسى الكمان جانب وجواره القوس وفتح درج ، اخرج اشياء افزعت صالح ، مسدس ومدفع بازوكا
- ماذا تريد ان تفعل ياموسى عهدي بك تــكره مثل هذه الأشياء ؟
- الحديث ذو شجون !!
- ماذا ياصديقي
- سنقتل الجراثيم ..
- الجراثيم ؟!!
- نعم .. اليس تجار المخدرات جراثيم ؟! اليوم ستـتم عمليه تبادل في الساحل .عمليه إدخال سموم الى " الأرض التي بارك الله من حولها "
بانت الدهشة العميقة على صالح ، الذي اعتاد احاديث موسى الساحره
- لكن القتل جريمة وحيازة الأسلحة ايضاً جريمة كما كنت تقول ..
- ان المخدرات تقتل المجتمع .. هل تعتقد ان المخدرات جريمة جنائية ؟
- ماذا تعني ؟!
- المخدرات جريمة سياسية تروجها جهات معادية للأمة العربية تدمر مستقبلها المتمثل في شبابها ..
- انك تقول الحقيقة دائماً يا موسى .. لله درك
- نعم انا اقوم بازالة هذة الجراثيم وابادتها حتى لايستفحل المرض اللعين .
ناول موسى صديقه صالح مسدس محشو دسه صالح في حزامه وحمل موسى المدفع على عاتقه ودس المسدس الآخر في حزامه
- هيا بنا الى العمل ..
انطلق الصديقان خلف كثبان الرمال الى الساحل ، شاهد صالح صخرة كبيرة يجلس عليها رجلين ومن خلفهما قارب سريع ، تبدو ملامح الرجلين اسيويه ويتحدثان بلغة انجليزية ركيكه امر موسى صالح ان يمكث في مكانه ، تقدم موسى من خلف الرجلين وزحف نحوهما يستمع اليهما .. كان الرجلان ينويان قتل العميل الذي يأتي بحقيبة النقود ويأخذان المخدرات ويروجانها بنفسيهما في بلد آخر سمع موسى ذلك وعاد زاحفاً الى صديقه واطلعه بالأمر بان توجس على صالح وهو يشاهد سيارة تقـــترب من البعد، شهق صالح من الدهشة كانت سيارة المقدم فيصل .. توقفت السيارة ترجل منها نواف ورياض الذي كان يحمل حقيبة سوداء في يده .. اقــترب الصديقان من الرجلين في حذر ، راى صالح ذلك وتذكر كلام موسى فانطلق دون وعي منه يحذر نواف ورياض الذين تسمرا في مكانهما شلت المفاجأه الجميع استدار المجرم وهوى بقضيب حديدي على راس صالح المندفع نحوه ، ترنح صالح وسقط مغشياً عليه ،نهض موسى وسحب مسدسه واطلق النار على الرجل ، ارداه قتيلاً يتخبط في دمائه ، اندفع زميله نحو القارب وادار المحرك على عجل وانطلق به الى عرض البحر استدار رياض راكضاً نحو السيارة وخلفه نواف البطئ.. ركب رياض السيارة ولم يتمكن نواف من اللحاق به والركوب جيداً فانطلق رياض وسقط نواف واصطدم بجسم السيارة وخر مغشياً عليه .. اعـد موسى مدفع البازوكا ووجهه نحو الزورق المبتعد واطلق القذيفة التي انطلقت لـتفجر الزورق وتحيله الى كره من نار ، اضاءت البر والبحر بلهبها المتراقـص ..القى موسى المدفع جانباً ثم قام بدفن الجثة واتجه نحو صالح كان قد عاد اليه وعيه وبدأ يتلمس الأشياء حوله .. وجد موسى امامه نظف موسى الدم المتجمد على جبينه واخذ يربط راسه بالضمادات .. يبدو ان شيئاً ما حدث ايضاً !! استعاد صالح الذاكرة وبدا له كأنه في حلم غريب ، عندما نظر الى الرجل الذي كان يقوم بتطبيـبه عرفه وشعر بقشعريرة تجتاح جسدة ..
- استاذ موسى !! لا يمكن
- نعم لقد عدت من اجلك .. امك كانت طيبة معي واني منصرف الآن .
نهض موسى واستدار . حملـق صالح فيه في دهشة وهو يبتعد بقامته الفارعة .. حاول النهوض ولكنه وجد نفسه مسمراً في مكانه تداعى اليه الماضي . والاشياء المحزنة التي حدثت ، تذكر مواقف والده المخزية ومعاداته للمدرسة والأستاذ موسى ، كان ابيه من الجماعة .. كان دائماً في مجالسة الخاصة لايذكر اسم موسى اطلاقـــــاً ، فقط ينعته بالخادم حزذلك في نفس صالح كثيراً آنذاك واخبر امه و في حفل تزويج كريمته الكبرى حليمه .. لازال صدى كلماتها الطيبة في اذانه
-"ان اباك وجماعته لايعرفون اقدار الرجال .. ولايعرفون القبيلة "* لاتدعو موسى للعرس حتى لايهينه ابوك "
ثم نهضت امي الطبية واحضرت طبق من الأرز ووضعت عليه قطعتين من اللحم الحنيذ واحضرت اختي حليمه اكليل من زهور الفل وجعلن كل ذلك في سله ورددت امي ..
-" اذهب الى موسى في المدرسة "..
وحملته له في المدرسة ، نظر موسى باسماً
-" بارك الله في امك يا صالح .. اخبرها ان موسى يقريها السلام " ..
كل هذة التداعيات مرت في ذاكرة صالح العائدة بعد غياب طويل .. صاح خلف موسى
- انتظرني ياموسى .. دعني اذهب معك
جاءه صوته الساحر من الجهات الأربعه
- لكل نفس اجل .. لن تستطيع ان تأتي معي الآن
تنهد صالح المسمر مكانه في اسى
- سامحنا يا موسى ..
توقف موسى والتفت .
- كان خطأً فادحاً ..
- سامحنا ياموسى ..
- لماذا تطلقون النار هكذا لا تفه الاسباب ، خمسين مليون قطعة سلاح !! وخمس عشر مليون نسمه .. انها قسمه ضيزى
- سامحنا ياموسى ..
- اردت لكم الحياة .. وأردتم لي الموت*
- سامحنا ياموسى ..
- { كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون }
رددت الفيافي الموحشه الآيات الكريمات وتداعى جل هذا الحديث الغامض الى أذني نواف الملقى عن كثب نهض نواف واتجه نحو عبدالرحمن ، الذي كان يحدق في الافق المعتم الذي غاب فيه موسى .. وضع نواف يده برفق على كتف صالح ، استدار صالح كالملسوع بغته وحدق في وجه نواف الطيب وهمس في نفسه " من هذا الرجل الذي يشبه جلال الحضرمي " .. رد نواف في انكسار .
- سامحنى يا عبدالرحمن ..
حدق صالح في دهشه في وجه الرجل الطيب
- عبدالرحمن !! أنا اسمى صالح
أشرقت اسارير نواف واحتضنه وهو يهذي بالشكر .
- أذاً قد عادت لك الذاكره .. الحمد لله .
- ماذا تعني .. انا لا أعرفك
- هيا بنا ستعرف ذلك لاحقاً .. إن أبي ينتظرك في البيت ..
- نهض صالح وذهب مع نواف وهما متشابكي الايدي نحو الطريق الاسفلت الذي كان يلوح في ساعات الفجر الاولى كخيط أسود طويل على الرمال المعتمه تتدافع فيه انوار السيارات العابره كحبات المسبحة ..
* * *
هوامش
1) أغنيه او مقطوعه دوبيت .. معزوفه بآله الكمان لبرعي محمد دفع الله .
2) مقاطع من اغنيه زورق الالحان للمطرب محمد الامين
) قصيده الشاعر محمد مفتاح الفيتوري
4) مقوله مشهوره للمقدم احمد الثلايا ( اعدمه الامام احمد عقب انقلاب 1955م )
5) القبيله : كلمه المراد بها السلوك الحميد

*************


الفـصل السادس


دوي انفجار عند منتصف الليل إرتجت له المدينه .. دمر الانفجار نصف الفيلا التي يقطن فيها المهندس مسفر وأشتعلت فيها النيران. جاءت سيارات الاطفاء وجمهور غفير من اهالي
الحارة ونساء يولولن .. دخل رجال الانقاذ الى الفيلا وعادوا يحملون جثه رجل أجنبي ورجل آخر مثخن بالجراح ، كان يحتضر ويهذي ، ودخلوا مرة أخرى يبحثون عن جثه أخرى ، ربما زوجة الرجل بين الانقاض جاءت سيارة السفاره الامريكيه لاحقاً ورجال البوليس الفدرالي يتقصون الحقائق عن هذا الانفجار المريب .
إنها لعبة الاقدار الازلية أراد مستر بتلر أن يفجر المهربين في البحر ويستاثر بالدولارات ويخون العصابه ويأخذ الولدين معه الى بريطانيا لذلك أعطى رياض حقيبه ملغومه تنفجر بعد اربع ساعات حسب تقديره لزمن التبادل في المكان المعني .. أراد رياض، يلعب لعبه أخرى ، يعطي المهربين حقيبة الريالات التي تخص عبدالرحمن ويستاثر بدولارات مستر بتلر ، لذلك احتفظ بالحقيبة الملغومه في البيت.. اراد عبدالرحمن أن يفوت الفرصة لرياض ، وترك الاموال في محل فيصل وأعطاهم حقيبة محشوة بالاوراق كان الكل يريد ، والله يفعل ما يريد وإنه لايكون إلا ما يريد إنها سنه الله في الخلق ولن تجد لسنة الله تبديلاً .. دائماً على الباغي تدور الدوائر ، الديان لاينوم وكما تدين تدان كل منهم واجه مصيره الذي يستحقه والله يسير الامور على النوايا .
تقدم رياض بالسياره واضواءها تبدد عتمة المكان لقد سمع دوي الانفجار عند مدخل الحاره وأحس به كانه انفجر في قلبه الذي كان ينتفض رعباً ، عندما وصل واتجه الى فيلتهم المحترقه والمحاصرة برجال الامن والاسعاف ، نزل من السياره في جزع والدمع يطفر من عينيه بغزاره ، اندفع نحو رجال الاسعاف اللذين يحملون جسد والده الجريح ، احتضن والده المثخن بالجراح وطفق يبكي بحرقه ويردد في نبرة ندم شديد
- سامحني يا ابي .. انا السبب في كل ذلك
رفع والده راسه ورمقه في غضب والالم يعتصره وبصوت متحشرج لارحمه فيه ردد على مسامع ابنه اسوأ كلام ممكن ان يقوله أب يعيش سكرة الموت الى ابنه الضال
- لعنة الله عليك الى يوم الدين !!..
ذهل رياض ونظر الى ابيه كالمشدوه
- سامحني يا ابي
- ما ذنب أمك في الداخل ؟!
عندما سمع رياض ذلك افلت ابيه الذي سقط راسه على المحفه واندفع نحو الفيلا المشتعله يصيح ، أمسكه رجال الشرطه إنهار واعترف لهم بكل شئ وأخذوه بالسياره من المكان..خلف سيارات الاسعاف التي كان عويلها يبدد هدؤ المدينة .
خمدت النيران أخيراً وخرج رجال الانقاذ يحملون جثه امرأه محترقه واسدل الستار على الفيلا .. فيلا المهندس مسفر الذي لايحسن ابداً اختيار اصدقائه ، ولايعرف كيف يربى ابناءه ويعتقد ان العالم الحر الوحيد امريكا " حيث الفضيحة هى الحريه الوحيده التي يمكنناممارستها .."
* * *
إقتربت السيارة نصف النقل من الكفتيريا الهادئه عند طرف المدينه مع انفاس الفجر الاولى وأشعة الشمس ترسل خيوطها الذهبية وتطلي المدينه بلون الذهب .. اوقف سائق السيارة السيارة بعنف ايقظ الصديقيـن النائمين على ظهر السيارة ونهضا يتـثاءبان ، قفزا الى الارض ، ناوله نواف الاجرة .. ودلفا إلى الكافتيريا الهادئة ، كان بها عدد قليل من الزوار يتهامسون عن امر جلل حدث في الليلة الماضية.. جلس نواف وصديقه صالح على منضده هادئه منزويه بعيداً .. كان صوت ام كلثوم الشجي ينساب عذباً رقراقاً على اذنيهما ، وعلى وجهيهما تبدو آثار الليلة الماضية .. حدق نواف بعينين مجهدتين في وجه صديقه صالح
- من كان ذلك الرجل الغامض الذي كنت تتحدث معه في الصحراء ؟
إكتسي وجه صالح بالاسى العميق
- هل رأيته ؟!
- لم اره قط .. سمعتك تـتحدث معه
- انه موسى .. كان معلماً في قريتنا في اليمن
- كان معلماً .. كان !!
- الله يرحمه .. مات في احداث مؤسفة
اتسعت عينا نواف من الدهشه وشرق بالعصير الذي كان يشربه ، كان الكلام أغرب مما يتصور
- هل كنت تخاطب رجل قادم من عالم الغيب
- نعم .. كنت اظنه في ذاكرتي فقط ، وليس له وجود حقيقي في الخارج حتى سألتني أنت
بان التفكير العميق على نواف المذهول وأردف صالح
- راح ضحيه ما نسميه نحن بالصراع القبلي ويسميه هو بالجهل النشط
وطفق صالح يشرح لنواف ملابسات مقتل موسى
- دار نزاع بين جماعه من قريتنا مع رجل من القرية الاخرى على قطعه أرض بين القريتين .. اطلق اصحابنا النار فأردوه قـتيلاً .. وعندما عسعس الليل فوجئنا بالرصاص ينهمر كالمطر على قريتنا .. اختبأنا نحن المعتادين على ذلك ، في الصباح وجده الطلاب ممدد أمام غرفته جوار المدرسة وقد اغتاله الرصاص الاعمى عن طريق الخطأ تلك الاخطاء الفادحة التي لايمكن معالجتها ابداً ، كان في عينيه نظرة غضب ممزوج بالدهشة كان يحبنا ..كان وجه صالح ينبض بالالم وهو يشرح لنواف المذهول تفاصيل موت موسى وأردف
- جاء مندوب من السفاره واخبرنا أن كرامة الميت دفنه وأن أهله رفضوا الديه وطلبو ان يعمل بها وقف على روحه ، بنينا بها الوحده الصحية على الارض المتنازع عليها.. وبموت موسى اختفت هذه الظاهرة الكئيبه عن منطقـتـنا .. نهائياً
بان الاسى على وجه نواف
- أنها قصة اغرب من الخيال .. هؤلاء السودانين غرباء فعلاً .. كنت ازور السودان مع أبي دائماً ، ابي درس في السودان واذكر ذات مره في شهر رمضان وكنا في السودان .. ادركنا الافطار وتعطلت سيارتنا في الطريق فوجئنا بالسودانيين ينقضون علينا من كل حدب وصوب ، اخذونا معهم الى موائد افطارهم المنصوبة في الشوارع ، تغيرت المفارش البسيطه ليحل محلها سجاد فارسي والاواني المعدنية بالزجاج والكريستال .. كانوا يعرفون قدر الضيف ، قد اسعدهم أن ابي يعرف كل انواع الاطعمه ، والدي ايضاً رياضي مطبوع كان يردد دائماً " السودانيون هم الذين ادخلو منشط كرة القدم الى المملـكة " ويردد ايضاً مراراً " إن في السودان قبيلـتين ، القبيلة الزرقاء تشجع الهلال والقبيلة الحمراء تشجع المريخ " .. كان اغلب الحديث في الافطار يدور حول مباراة رمضان الثأرية بين عملاقي الكرة السودانيه الهلال والمريخ ، لم يتركنا السودانيون ذلك اليوم نذهب حتى العاشرة مساءً ، اصلحوا السيارة وعدنا الى بيت صديق ابي نادر .. زميله في كليه السجون كان يرفض دائماً عند زيارتنا الى السودان نزولنا في الفنادق ويصر على الاقامة معه في بيتهم في حارة بيت المال العريقه بام درمان .
تنهد صالح وهو يسترجع المآثر الحميده للاستاذ موسى .. كان معلماً وطبيباً وقاضياً واشياء اخرى كان يحمل اكثر من رساله كما ظل يردد دائماً .. واحاديث نواف تنساب الى أُذنيه ممزوجه بانغام ام كلثوم الحالمه في رائعتها ( دارت الايام ) .. ردد صالح وقد طاف في خياله المكلوم ابوه الذي جلس بعد دفن موسى في مقابر القرية يبكي بحرقةٍ على قبره .. ذلك الاحساس بالندم والعار الذي يستيقظ دائماً متأخراً .
- لم أصدق ان موسى سيعود مرة أخرى كان دائماً يقول
- - " ان الموت وحده هو الذي يوقف رسالتي في اليمن ، ان حربي مع الجنرالات الثلاث الجهل والمرض والتخلف حرب ازليه لانهم اعداء الامة العربية الحقيقيين "
- الله يرحمه .. آسف إذا كنت اثرت اشجانك
مسح صالح دموعه المنسابه
- كان لابد ان اخبرك عن موسى يوماً ما ..
تذكر صالح عندما قاموا بتقيــيده في شجره الإمام واظلم الليل بكائناته المخيفه بصواعقه وبروقه .. ان ذاك كادت عيناه تخرجان من محجريهما من فرط الرعب اغمض عينيه وانطوى على نفسه والقيد الحديدي يحز في رجله فجأه عم سكون آمن المكان وانقشع الرعب ، فتح صالح عينيه وجده يقف أمامه لقد نهض من رقدته وطرد كل اشباح الظلام وطيوره .. انحنى موسى على القيد وسحقه بـيده مردداً بصوت جاوبته الجهات الاربعه " - اذهب الآن وابحث عن فرصه أُخرى ، الحياة لاتقابل احداً في منتصف الطريق "
نهض الصديقان .. دفع صالح للمحاسب وخرجا من الكافتيريا في تثاقل ، وقفا على الطريق وركبا سياره أجره دخلت بهم الى المدينه .







التوقيع: wissam



 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين 2410



الخميس سبتمبر 01, 2016 4:22 pm
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
Admin
الرتبه:
Admin
الصورة الرمزية

wissam

البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wahetaleslam.yoo7.com

مُساهمةموضوع: رد: رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين


الفـصل السابع

كان أول من رأى نواف وصالح هي الصغيره نور ، كانت تجلس عند البوابة في انتظار الحافلة التي تقلها صباحاً الى المدرسة ، صاحت نور واندفعت نحو الصديقين حملاها ودخلا بها الى المنزل .كان فيصل وزوجته فاطمه يجلسان على الخميلة في الحديقه .. ازاحت ايمان الستار من النافذه ورأتهما يتقدمان في الممر ، تهلل وجهها وأرتدت ملابسها ، نظرت الى شقيقتها سمر المكلومة .. كانت منطوية في فراشها تبكي في صمت منذ انهيار حبها بتلك الصورة الفاجعة ..اندفع نواف نحو ابويه يقبلهما ، لم تحتمل فاطمه التي تورمت عيناها بالبكاء رؤيه ولدها مره اخرى، ادهش نواف بكاء امه على هذا النحو ، نظر الى ابيه الذي حيا صالح في حرارة واجلسه بجواره..
- لماذا تبكي أمي هكذا ؟!
- كنا نظنك بين الانقاض حتى هذه اللحظة
إندهش نواف واردف
- انقاض ؟! ماذا يا ابي ؟!
- انت لاتعرف !.. انفجرت قنابل كان يخبئها رياض في فيلا المهندس مسفر دمرت البيت وقتلت أبويه وضيفهم الامريكي مستر بتلر ..
شهق نواف واتسعت عيناه من الدهشه وردد في نفسه
- " إنه كاد ليردين "..
لم يتصور نواف إن صديقه رياض على هذا المستوى من الخطورة .. التفت نواف الى أبيه مغيراً مجرى الحديث
- هذا الذي يجلس معنا أسمه صالح .. وليس عبدالرحمن يا ابي لقد استعاد ذاكرته .
نظر فيصل في ود الى صالح الذي كان يبدو عليه أن الامر مألوف ٍٍٍٍٍٍٍٍ
- الحمد لله انك تماثلت للشفاء يا أبني .. إن لك عندي أمانات ستأخذها كلها ..
- اشكرك يا عمي .. لقد اخبرني نواف بكل شئ يتعلق بالماضي القريب اني الان بصدد البحث عن اقربائي احدهم يعمل في المحرقة
نظر فيصل الى ابنه نواف الذي كان يجلس بين يدي امه وهي تهذي من الفرح ، عاد وحيدها حى يرزق بين يديها ..
- نواف .. خذه الى اقربائه ، لابد أن له حديث معهم ..
نهض نواف وصالح والتفت نواف الى ابيه
- ابي اريد ان انزل اليمن مع صالح
- على بركة الله يا أبني ، انت فعلاً بحاجه الى الاسفار حتى تعمق تجربتك بالحياه والناس
بدأ التفكير على فيصل وفجأه وجه نظره متسائلة الى صالح
- صالح .. يا ابني .. من كان ذلك السوداني ليلة الحادثة !!
بهت الصديقان ونظر الى بعضهم البعض وتساءل صالح في نفسه
- “ هل رأى فيصل صديقه الاستاذ موسى "
- اجاب صالح
- لم اعد اذكر يا عمي ..
انبسطت اسارير نواف فهو لايريد أن يدخل والده ايضاً في هذه المعادله الصعبه وحكايه الرجل القادم من وراء القبر ..خرج الصديقان من البيت كانت ايمان تشيعهما بنظراتها من النافذه كانت سعيدة بعودة أخيها وحبيـبها على هذا النحو .. نزلت الى الحديقه على عجل بعد انصرافهما واندفعت نحو امها وابيها ، نظرت فاطمه الى ابنتها في اشفاق
- لقد عادت الذاكره الى صالح يا ابنتي والحمد لله
بان الحزن والفرح على وجه ايمان ، نظر اليها ابوها خلسه كان قد قرأ بعض قصائد عبدالرحمن .. أما هي فقد أخذتهم ليلاً من غرفته وخباتهم في ارشيفها الخاص كذكرى لحب حقيقي عابر إن النساء هن الاكثر اخلاصاً في الحب ، قد يقتنعن من الغنيمة بالاياب .
* * *
إندفعت سياره وسط المحرقه* التي تعج بالعمال من كل البلاد ، اليمن والسودان وغيرها ، وهي سوق للخرده والصفقات التجارية الصغيرة ، آثـار اندفاع السياره دهشه وتوجس العمال المجهولين ..نزل صالح وأخذ يدور بعينيه بحثاً عن الخميسي .. برز رجل من بين المذهولين وانطلق نحو صالح بسرعه خارقه واحتضنه وقبله وردد بصوته الاجش
- صالح .. مالذي جاء بك ؟!
هطلت الدموع الغزيره من عيني صالح .. الخميسي الذي تقدم به العمر ولكن تحسنت صحته وزاد وزنه كثيراً .. كان امامه بشحمه ولحمه
- الخميسي !! .. كم سنوات مرت واختفت صدى ضحكاتك المجلجلة من سماء قريتنا وحل بنا البؤس والخراب .. لماذا هذا الجفاء ؟؟
- كنت اقابل عمك ابراهيم دائماً في موسم الحج قد سمعت عنك اشياءً غريبة
- دعك منها الان .. اريد أن اقابل جلال وسعاد
- انهما بخير ، انجبا العديد من الاطفال ، انا ازورهم كل جمعه
- إذاً هيا بنا
اتجه صالح والخميسى نحو السيارة ، نظر الخميسى الى السائق لمعت عيناه واكتسى وجهه بكل الوان الفرح وردد في نفسه وهو يمد يده مصافحاً السائق " سبحان الله !!" وانبرى مخاطباً صالح
- لم تعرفنا بصديقك !
- إنه نواف .. إبن الرجل الذي كنت أعمل عنده
واجه نواف الخميسى بابتسامة ودودة اذهلت الخميسى الذي ركب جواره ، جلس صالح في المقعد خلف الخميسى وانطلقت السيارة ، كان الخميسى يثرثر كالمعتاد ويلتفت الى صالح يالمقعد الخلفي بين الفينه والاخرى ، ويتأمل نواف بعينيه المرحتين، نظر صالح الى صديقه
- لا زلت فى ضلالك القديم ..
ضحك الخميسي ضحكته المجلجله ، جعلت نواف يضحك ايضاً في وهج طفولي ، مد الخميسي يده خلسه الى المقعد الخلفي وقرص صالح في مكان لايحمد عقباه ، جعل صالح يقفز كالملسوع
- من اين هذا القات الشامي يا مقوت ؟!
هذه كانت الشفرة المتبادلة بين الخميسي وصالح عندما كان في الماضي ينزلان الحديدة يعيثان فيها فساداً ..
- هذا ليس من شأن بائع الفل ..
عرف الخميسى أن الامر غير مستتب لهذه القفشات فلاذ بالصمت ، توقفت السياره امام البيت الذي أشار عليه الخميسي ، نزل الاصدقاء .. دخل الخميسي الى البيت وسط أهازيج الاطفال الذين يعرفونه .. وجد سعاد وحدها .. لم يحضر زوجها من السوق بعد .. عاد صالح الذي أشار الى نواف بان ينصرف ويعود إليه غداً .. كان نواف يريد الانصراف ليجهز السيارة للرحلة الطويله غداً .. دارت السياره مبتعده ودلف الخميسي وصالح الى البيت .. فرح صالح بالاطفال جلس يقبلهم ويسألهم عن اسماءهم كانت سعاد تنظر الى ابن عمها الذي كبر كثيراً في ود .. تنفس صالح الصعداء ، الجميع هنا بخير والحمد لله على ذلك .
* * *
جاء جلال عصراً محملاً بأكياس الطعام والهدايا ، حيا صالح والخميسي بأبتسامه عريضه وجلسوا يتحدثون على الغداء
- الف حمد لله على السلامة .. جاءتنا أخبار غريبة عنك
حدق صالح في وجه صهره جلال الطيب في ود
- الحديث ذو شجون
- في الحقيقة كنت أقابل دائماً عمك ابراهيم في مواسم الحج التي ياتي فيها الى المملكة .. اخبرني أن اوضاعك مع الوالد تنحدر من سئ الى اسوأ ..
- نعم . انا الان بصدد عرض مشروع على الخميسي .. أريد أن أحيى أرضه في القريه وأشاركه بالنصف
تهللت اسارير الخميسي
- هذا ما كنت اتمنى ، معي طلمبه مياه اشتريتها منذ مده وهي في المحرقه احملها معك الى البلاد .. الارض ارضك يا ابني
أسعد تجاوب الخميس بهذه السرعه صالح واردف
- اريد ان اتزوج ابنه عمي ابراهيم والاقامة في بيتك
- الدار دارك .. ياصالح انت كأبني
طفر الدمع من عيني صالح وقد اثلج صدره اريحيه الخميسي وعطاءه غير المحدود .. كان جلال يبدو ساهماً
- انا ايضاً بعد اكمالي الجامعة بالانتساب هنا ، سأنزل اليمن بصورة نهائيه واعمل في مدرسة القرية ..
ابتسم صالح وطاف في خياله شبح المدرسة واستاذ موسى .. وكأنما قرأ الخميسي افكاره تساءل في اسى ..
- سمعنا منذ زمن من اخواننا الذين يأتون هنا إنه كان هناك استاذاً سودانياً في مدرسة القرية
- نعم استاذ موسى .. الله يرحمه
ردد جلال بنبرة حزينة
- لقد احزننا موته بتلك الصورة المؤسفة ، كانت بصماته واضحة في كل الشباب الذين يأتون عندنا في المحرقة ، كانوا يقيمون مع السودانيين يشاركونهم العيش والملح .. احاديثهم دائماً تدور عن مآثـره الحميدة وشخصيتة الغامضة
- جاء الى القرية بعد رحيلك ياخميسي بشهر ، كان الحزن قد خيم على عمى ابراهيم لفراقك ، واضحى موسى من اعز اصدقاء عمي ..
هرش الخميسي رأسه ونظر الى صالح
- ماذا عن حاله مع ابيك والـتيوس ؟
ارتسمت ابتسامه حزينه على شفتي صالح وقد استرجع كل مثالب ابيه ومعاملـــته غير الكريمة لموسى .. " اكيد قد وصلت اخبارها الى الخميسي الذي لايحب ابي وجماعته اطلاقاً"
- كان انفجاري في ابي وتداعياته الأخيرة بسبب تراكمات هذة الأشياء الوقحة غير الكريمة .. اذا كانت كل القرية والقرى في الجوار تحب موسى ، يحمل كل الأبناء من المدرسة الى الاباء .. بصماته واسلوبه في التدريس الذي يمتد الى المجتمع ، فقد كان يحمل رسالة عميقة بعيداً مداها .. وابي يجهل ذلك ..
- كم تمنينا ان نقابله .. الا ان الحياة بعد الأزمة اصبحت هكذا رحيل دائم ..
اردف الخميسي مؤمناً على اقوال جلال
- هذا اليوم يفر المرء من ابيه .. اليس كذلك ياصالح ؟! ..
ابتسم صالح لقفشة الخميسي ومغزاها البعيد فأنبرى له في المرح
- انت يا الخميسي اسيراً الجمال اينما حل وارتحل ..
ضحك الخميس ضحكته المجلجله ونظر الى جلال الذي ابتسم ولازال في حيائه القديم
يـبدو انه عرف ان الصديقان يريدان الجلوس وحدهما ..استأذن ودخل الى عياله وترك الخميسي وصالح يتسامران .. ويستريحان الى الغد والسفر الطويل
* * *
جاء نواف بالسيارة مبكراً ،وجد اصدقاءه جاهزين ، حمل صالح هدايا جلال وسعاد لاهل القرية وركب الخميسي وصالح الى المحرقة ليأخذ طلمبه الماء التي اشار اليها..هناك ثم تحميل الطلمبة وودع صالح الخميسي بطريقـته الخاصه صاح من نافذة السيارة
- ماذا اقول لعمي ياخميسي؟!
رد الخميسي الرد المعتاد
- قبح الله وجهك الدميم يا (مــ .....) نتقابل في سقر !!..
سكت الخميسي من الكلمة المعتادة حياءً من نواف ، ضحك نواف من قفشات الخميسي ،..
كان الخميسي يقول دائماً لصالح
-" انا دميم فعلاً..لكن ساحر اجذب كل الفراشات الجميله ".
وقد بدا تأثير سحره على نواف .. كان ينظر الى الخميسي في اعجاب ودهشة عميقة ..اتجهت السيارة الى بيت نواف .. هناك قابل صالح فيصل واسرته اعطاه فيصل الحقيبة بكل مافيها واعطاه عطوراً وهدايا اسعدت صالح
نظر فيصل الى صالح وردد
- اخبرني ابني نواف ان لـك اقارب يعملون في المحرقة..
- نعم جلال والخميسي
- دعهم يعملون عندي في المحل بدلاً عنك ، سأحول كفالتهم علي
-للأسف جلال مكفل ولكنة سيجلس فقط هذا العام والخميسي مجهول
- لابأس دع جلال يعمل معي .. حتى يذكرنا بك .
اثلج كلام فيصل الطيب صدر صالح ، اخرج ورقة سطر فيها رقم تلفون جلال الذي اعطاه له وشكره
- نواف ايضاً يعرف البيت ، عندما يعود سيدلك عليه
ودع صالح الأسرة التي اوته بحرارة ولم ينس نور الصغيرة التي تمسكت بالرحيل معهم .. القى نظرة الى النافذة وشاهد طيفها الجميل خلف الزجاج .. كانت تودعه بصمت وكلمات من قصائده الجميله تتردد في وجدانها المكلوم ..
كنا اذا ضاقت بنا الدنيا
نهيئ ماتبقى من فصول الروح
كي تأتي وتزدهر الحقول
لنقول هذا حلمنا كالعشق
اوله بلا معنى
وآخره ذهول*
ركبا السيارة وانطلقت تودع مدينة الدمام .. الحلم الأخير ، كان صالح يسابق الزمن بقلبه الى رحاب والى امه في القرية كما كان الخروج حزين كان العود احمد ..
جلس صالح في استرخاء والسيارة منطلقة إطمئن الى انه حقق مايريد وان مشوار الحياة ..جميل رغم وعورة الطريق والصعوبات وتردد في نفسه " اذهب الآن وابحث عن فرصة
اخرى الحياة لاتقابل احداً في منتصف الطريق " .انحدرت دمعه ساخنة على خده انه طيف موسى المقيم الراحل .. معه في كل مكان ...
* * *

هوامش
*القصيدة للشاعر اليمني الكبير احمد ضيف الله العواضي
صحيفة الثورة - الملحق الثقافي - العدد (12385)
***********
الفـصل الثامن


اقتربت السيارة التي يكسوها الغبار من مفترق الطرق الذي يتجه شرقاً في سهول تهامه الجميلة ، كان سائقها تحت تأثير السحر الذي يغلف الأحياء والأشياء في اليمن .. انعطفت السيارة وفارقت الطريق الأسفلتي وانطلقت في الطريق المترب المتجه شرقاً .. انكشفت جبال براع خلف غلالتها الضبابيه بعد ليله ممطرة .. ظل السحاب الثقال يجلل هاماتها بأكليل من الغار والسحب اتخذت اشكال بديعة .. كانت في الغيوم اشكال وروائع تذهل المثال .. لوجاء فدياس الى اليمن لخر صاعقاً امام ازميل الخالق الذي قام بنحت هذه الجبال ، كانت الشمس ترسل خيوطها الذهبية على استحياء ذلك الصباح وقوس قزح يمتد بالوانه الزاهية يطوق خاصرة السماء كانه حزام .. من خلف السحب تسللت الأشعة لتلقى ظلال ساحرة على السهول الممتدة امام السيارة .. ظل صالح يشرح لنواف المنبهر كل المعالم المتباينة التي تمر عليهما في الطريق .. انعطفت السيارة نحو قرية صالح التي كانت تلوح على البعد داخل غابة من أشجار السول مرت السيارة بالمقابر .. اشار صالح الى مكان مرتفع .
- هناك يرقد الأستاذ موسى ..
- الله يرحمه .
توقفت السيارة ونزل الصديقان وتقدما بين القبور ، اشار صالح الى القبر الذي بدت ملامحه تـنـدثر .. جلس نواف عند القبر في اجلال يترحم على صاحبه بينما اخذ صالح يتلفت في دهشة بحثاً عن الشجرة الملعونة .. شجرة امام !!لم يجدها راى بقايا جذعها المحترق ، اشار الى نواف نحو الشجرة
- تلك كانت شجرة الأمام ، يبدو ان صاعقة قد دمرتها ..
نهض نواف الذي كان بادئ التأثر ونظر الى بقايا الشجرة ، وتحرك الصديقان وانطلقا بالسيارة مرة اخرى نحو القرية ، تقدمت السيارة تشق الوهاد ،لاح بيت عند طرف القرية مبنى على الطراز السوداني، بيت ابراهيم ، توقفت السيارة جوار البيت ، تداعى نباح الكلاب.. نزل الصديقان منهكين من وعثاء السفر .. دفع صالح الباب ودخل ، وجد زوجه عمه .. تلفت بحثاً عن رحاب .. لكنه تذكر انها قد تكون في المدرسة أو مع والدها في المزرعة حيته زوجة عمه بحرارة ، عرفت أن معه ضيف في الخارج أعطته مفاتيح غرفة الضيافه التي تكون دائماً مرتبه ونظيفه ، دعا صالح صديقه للدخول وأجلسه في الغرفه مردداً
- استرح الان ساذهب لازور أمي وأعود لاحقاً ..
كان نواف في امس الحاجه للنوم ، استلقى على الفراش الوثير واغمض عينيه .. خرج صالح يشق طرقات القرية بين ذهول أهلها الطيبين ، كانوا ينظرون الى القادم من المجهول بتلك السيارة الغريـبة وقد نسجت حوله الاساطير في الماضي وغيابه الغامض .. وصل بيتهم ودفع الباب ، وجد امه تعد خبز الصباح في فرنها البلدي كالمعتاد
- أمي لقد عدت !!
نهضت ام صالح الطيـبة تغالب الدموع وتحضن ابنها في حنو
- الحمد لله كنت متأكده انك لم تمت .. اين كنت يا ابني ؟!
- القصه طويله يا امي .. أين ابي ؟!
جلست ام صالح ساهمه وقد بدأ عليها التأثر
- إن أباك يجلس في الداخل . اصبح يتحرك بصعوبه على عكازتين
- لماذا يا أمي ؟!
- اطلق عليه أصهاره من الجماعة النار .
بان التأثر على صالح وردد
- لماذا فعلوا ذلك ؟!
- لقد أبتزوه .. وأحالت خالتك الجديدة حياته جحيم.. فما كان زاوجه بها إمساك بمعروف ولا كان طلاقه منها تسريح بأحسان.
نهض واتجه نحو عشة والده القديمه في أقصى الفناء ، وجد ابيه يتلو القران ، جالس على فروة من جلد الكباش .. انقض على رأس ابيه يقبله.. فجاة انتبه الى الصمت المخيم على المكان وتلفت حوله متسائلاً ؟!
- اين اخوتي الصغار يا ابي ؟!!
- ذهبوا الى المدرسة عند فؤاد ..
بهت صالح من رد ابيه
- المدرسة !! ام المعهد في القرية البعيدة
- الى المدرسة يا ابني .. قد جاءني الابصار . سامحني يا ولدي على ما اقترفته في حقك في الماضي ؟!
نظر صالح الى ابيه وابتسم في خبث
- الم اقل لك ياابي ان الزبد يذهب جفاء .
تنهد ابوه بحرقة وهو يسترجع كل مثالب الماضي مع الجماعة ، طافت في ذاكرته شجون من نوع خاص جعلت الدمع ينساب من عينيه مدراراً وطفق يبكي بحرقة
- ليت استاذ موسى ظل على قيد الحياه فيسامحني ايضاً !!

اسعد صالح ان يذكر ابوه اسم موسى أخيراً من غير تنابز بالالقاب وأسرها في نفسه
، تذكر مقولة موسى عن ابيه " اكرم أباك يا صالح ، إن مثل أبيك كمثل البرتقالة قشرتها مره وداخلها حلو .. فقط هو تحت تأثير سحر الجماعة وبضاعتهم البائرة"
- ليته يسامحني !!
حدق صالح في وجه والده الذي أحرقه الندم وأنكب على راسه يقبله بحنان بالغ وردد
- يا أبي ( إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون )
انصرف صالح من العشة وعاد يجلس في الخارج مع أمه.. اذا كان في اشد الشوق إليها والى احاديثها الحكيمة .. وكان ينوي ان يخبرها بمشاريعة الجديدة والزواج المرتقب .
* * *
هوامش
براع : جبال في تهامه
فدياس : نحات يوناني
********







التوقيع: wissam



 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين 2410



الخميس سبتمبر 01, 2016 4:23 pm
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
Admin
الرتبه:
Admin
الصورة الرمزية

wissam

البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wahetaleslam.yoo7.com

مُساهمةموضوع: رد: رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين



الفـصل التاسع


فتح نواف عينيه ونهض متلفتا حوله ، تذكر انه في اليمن وليس الامر حلماً .. كان اذان الظهر يتعالى من مسجد القرية ، وجد صالح قد جهز له ماء للاغتسال ، ووضع الطعام على منضدة .. اغتسل وتناول طعامه على عجل وخرج الى المسجد ، تلفت أهل القرية في فضول الى ضيف إبنهم صالح كانوا يحيوه في ود .. بعد الصلاه نهض حسن صاحب البقالة التي تشرف على الطريق وحيا نواف بحراره ، كان حسن من اوفر شباب القريه خلقاً واخلاقاً .. لقد لعب موسى دور كبير في حياته ، جعلته ممتن له ابد الدهر .. خرج حسن ونواف من المسجد واتجها الى البقاله ، جلس نواف مع حسن يتسامران .. تساءل نواف .
- هل تعرف استاذ موسى كودي؟! صديق صالح ..
نظر حسن ساهماً .. وقد اغرقت عيناه بالدمع ..
- من هنا لايعرف موسى (الكونت)* .. هل ترى الطفلين اللذين يلعبان امام البيت هناك .. لولا مساعده موسى لما كانا .. ولتركت الزواج نهائياً
نظر نواف الى الطفلين على البعد وحملق في وجه حسن في فضول واردف حسن .
- انت تعرف الكبار وعنادهم ، عندنا وعندكم ، عندما يصرون على رآي عقيم .. كنت احب بنت خالي وقد وافق ابوانا في الماضي على زواجنا ولسبب ما بدات المشاحنات بين أبي وخالي ، وبدات ادفع الثمن على قاعدة الاباء يزرعون الحصرم والابناء يضرسونه عاند خالي ابي وزاد المهر المدفوع عشر الف ريال اخرى ، غضب ابي ونفض يده من الزواج وتسابا انفطر قلبي انذاك ، اظلمت الدنيا في عيني ، لم أجد ملاذ غير موسى .. غضب موسى غضباً شديداً عندما اعلمته بالخبر وكان يعرف قصة حبنا ويباركها .. أمرني ان احضر له جنبية وزي يمنى احضرتهم له وانا غارق في الدهشه ماذا يريد ان يفعل ؟! تزيا كما يفعل القبائل عندنا وفتح حقيبة واخرج منها عشره الف ريال وخرج وامرني ان اتبعه، اتجه نحو المبرز* الذي يجلس فيه خالي مع جماعته ودخل عليهم بزيه الغريب والقى عليه الغـترة كما تفعل القبائل عندنا وسلمه المبلغ في يده وردد " انا موسى شيخ شيوخ قبائل السودان .. طالبك تزوج ابني حسن بحجر الله " بهت خالي من المفاجئة وضج المجلس بالضحك .. انبسطت اسارير خالي واحتضن موسى وهو يضحك " قد قبلنا " .. ودخلت في اليوم الثاني على بنت خالي والدنيا لاتسعني من الفرحه .. تحول الامر الى نكته بفعل موسى الساحر ، يتداولها الناس في كل الناحيه .. كان زواجي حديث القريه ، الحفل الوحيد الذي جلس فيه موسى معنا كان دائماً ساخط على التظاهرات المسلحه واطلاق النار الذي يواكب الفرح ولايخلوا من ضحايا احياناً لاطلاق النار العشوائي لذلك يقاطع الافراح ويردد " الزواج حاله من حالات الفرح المقيم ودعوة لاستمرار الحياه ، فلماذا هذا السلاح الذي يغتال الناس والفرح .. انا لا احتمل سقوط قتلى حولي في معركه من غير معترك ، كاننا في افغانستان " للاسف هو نفسه راح ضحيه هذه العبثيه ..
كان نواف يستمع في اهتمام الى حسن الحزين وبعينيه يتابع انبثاق التلاميذ من المدرسة الصغيره المبنيه بالحجر .. انطلق الطلاب تغص بهم طرقات القرية خرج سته شباب من مقتبل العمر من بوابه المدرسة الخالية واغلقها أحدهم خلفه وفارق زملائه وتقدم نحو البقاله بخطى واثقه .. نظر اليه حسن واشار الى نواف
- هذا فؤاد بن الفتيني مدير المدرسه ومن اميز طلاب موسى ..
تقدم فؤاد منهما وحيا الضيف الكريم بلباقه وعرف نفسه ..
نظر نواف الى المدرسة الجميله ورد
- مدرستـكم جميلة
- نعم .. هدية من دولة الكويت .. نقوم بالتدريس فيها نحن سته معلمين من ابناء القرية .
قاطعه حسن
- انه يريد ان تحدثه عن استاذ موسى صديق صالح ..
بان التأثر على وجه فؤاد
- إن موسى كان اسطوره .. هو الذي قام بتدريسنا في المرحلة الاساسيه وكنا ثمانيه طلاب متفوقين وقد ظل يردد في مسامعنا انه يسعى لان نكون معلمين وصحيين لنحمل الرايه بعده كان زملائي مطيعين اما انا فكنت مكابر .. لاادري لماذا سيطر علي انذاك هاجس الزواج وارهقت ابي بالتذمر .. كان ابي قد زوج اخواني الثلاثه الكبار وباع معظم ثروته من البقر والارض وانت تعلم تدهور الاحوال بعد الازمة .. كان في الماضي الآباء يزوجون ابناءهم عن طيب خاطر وعن سعه في العيش .. إلا اني كنت اصر ان يزوجني ابي وحتى لو باع آخر بقرة حلوب نملكها كان ذلك بايعاز من اصدقائي الراسبين وغير المهتمين بالدراسه اللذين تزوجوا .. ظل ابي يشكو ني الى موسى ، ويطيب موسى خاطره ويردد دائماً " ابنك فؤاد عبقري ولكنه عنيد " عندما طفح الكيل اخذت بندقيه ابي الآليه ونزلت المدينه وبعتها بثمن بخس حتى احصل على مال يجعلني اسافر عندكم في المملـكة .. كان موسى يحذرني دائماً " لن تفلح ابداً .. إذا كان ابوك غاضب عليك فعليك أن تلحق بزملائك في معهد المعلمين في الحديده لقد سجلتكم هناك .. يا فؤاد الجياد الاصيله تظهرعند المنعطف لا تستمع الى كلام الفاشلين من الفاقد التربوي يريدون منك ان تكون مثلهم " ضربت بكل اقوال موسى عرض الحائط .. قبل ان اصل مدينه حرض الحدودية انقلبت السياره واصبت بكسر مضاعف في ساعدي الايسر وعرفت المعنى الحقيقي للالم وعدت أجرجر اذيال الخيبة الى القرية ، عدت ليلاً قادتني قدماي الى مسكن الاستاذ موسى .. وجدته غارقاً في كتاباته الغامضه على ضوء النيون ، نظر الي في جزع ورأي ساعدي الملفوف بالجبس والشاش الابيض .. نقدم مني وتفحص ساعدي كانت له خبره ايضاً في الطب ، كما قلت لك كان يحمل أكثر من رساله .. " ردد لاباس عليك عود الى الحديدة والحق بزملائك تجدهم في معهد المعلمين .. ارحل دون ان يراك احد الشامتين .. اما اباك فانا كفيل به لقد زارني وهو غاضب عليك قال لي كلاماً مزق قلبي جعلني اذهب معه الى المزارع واساعده في حصاد العلف .. هل تدرى ماذا قال ؟!.. قال فؤاد لنواف : هكذا موسى يحسسنا دائما بالعار والذنب بأسلوبه المتفرد .. فأجبته في انكسار
- ماذا قال لك ابي ؟! "
قال لي : ياموسى انت غريب .. وأصبحت انا غريب ، لم يعد لي ابناء وكل غريب للغريب نسيب
انهرت باكياً لحظتها وتعهدت لموسى بان ارد لأبي كل امواله ، وكنت قد اشتريت دراجة نارية وتركتها في الحديدة بما تبقى من مال ابي
- سأكمل دراستي واعمل على الدراجة النارية وسترانا كما تحب ياموسى العزيز
انبسطت اساريره ردد ضاحكاً
- من هم اعداءنا الثلاثة يا فؤاد ؟!
- الجهل والمرض والتخلف
- اذهب الأن اثلجت صدري
وفعلاً مضت السنين تباعاً وتخرجنا من معهد المعلمين وتزوجنا بيسر بفضل المدرسة التي يقودها موسى وعم ابراهيم في القرية .. واصبحنا معلمين ولنا مرتبات من الدولة وتخرج اثنان من المعهد الصحي وعملا في الوحدة الصحية لاحقاً بعد وفاته المحزنة .. مات موسى ولم تمت اقواله المأثورة ( الخيل الأصيله تظهر عند المنعطف ) وفزنا بالسباق ..سباق المسافات الطويلة ..
كان نواف كلما سمع هذه الأحاديث الغريـبة المفعمة بالحب والحسرة ، يحس بالرهبة .. هل كان موسى إنسان من لحم ودم ويمشي في الأسواق ام كان شيئاً آخر ؟!
تعالى آذان العصر من المسجد نهض الشباب واتجهوا الى المسجد ، في الطريق همس فؤاد في اذن نواف هناك رجل ستقابله يجلس ساهماً عند ركن المسجد يتلو سورة الرحمن دائماً
هذا الشخص هو مفتاح شخصية موسى .. انه عبدالكريم من اكثر الناس الذين كان يحبهم موسى .. فقد اعطى موسى الغرفة التي كان يسكن فيها جوار المدرسة وهي مغلقة الآن
دخل الشباب المسجد وصلوا .. بعد الفراغ من الصلاة ، نظر نواف إلى حيث اشار فؤاد ، شاهد رجل ذو تقاطيع نبيله ونفس طيـبة يجلس منزوياً يتلو آيات بصوت رخيم هامس ، نهض نواف واتجه الى الرجل ، انبسطت اسارير الرجل وحيا الضيف الذي قبع جواره .. بدأ المصلين ينفضون من المسجد .. نظر نواف الى عبدالكريم وردد
- هل ممكن رؤيه غرفة الأستاذ موسى صديق صالح ؟، قيل لي انك اغلقتها بعد موته بمافيها..
لمعت الدموع في عيني الرجل وكساه الحزن النبيل وقد ادهشه ان يسأل زائر غريب عن موسى ..
- هل تعرف الأستاذ موسى الكونت ؟!
- اخبرني عنه صالح
- اما انا وابراهيم فمن القلائل في القرية اللذين يعرفون السودانيــين من الداخل .. لقد تعايشت معهم عندكم في المملكة ، تعلمت منهم الكثير صرت اقرأ واكتب واهندس السيارات واشياء معنويه جميله قلما تجدها في مكان آخر .. وابراهيم يعرفهم بحكم معيشته الطويله في السودان .. كنت كثير المزاح وموسى يضحك دائماً ولايغضب على .. و لي ابن اسمه داؤود يدرس عند موسى . ارسل معه دائماً في الصباح الحليب والخبز الى موسى .. موسى يحب ابني حبا جما كان يجلس مع موسى يقرأ له سورة الرحمن ، ولاادري لماذا يتعلق موسى
بهذه السورة بالذات في القرآن ، كان الدمع يطفر من عينيه ويردد " الرحمن عروس القرآن " ..
الاتسمع هذة الأنغام السحرية التي تنبعث منها بتلاوه ابنك البديعه .. ليتني حولتها معزوفة بالـكمان السحري ..
كنت الازم موسى دائماً .. المزاح الوحيد الذي يبغضة موسى ويتطاير الشرر من عينيه ، عندما اصوب مسدسي غير المحشو الى راسه ، يصرخ في وجهي مردداً ومتوعداً ..
" يا أبو داؤود يا مدبر لا تمزح بالحديد إنه أعمى " كنت أضحك حينها ونشتبك حتى ينتزع مني المسدس ويلقيه في سطح الحجرة .. المزاح من طبعي مع كل أهل القرية .. إلا أن الشيء الوحيد الذي كان قضاءاً وقدراً ولم يكن مزح هو تلك الطلقة اللعينة التي انطلقت من فوهة مسدسي ليلاً وأنا أنظفه لتغتال إبني النائم داؤود .. ذهلت لحظتها . إنشلت حواسي وجاءت أمه تولول وتصب على رأسي لعناتها واني لم أسمع كلام موسى ..أسودت الدنيا أمام ناظري آن ذاك لم يهن علي موت طفلي بهذا الخطأ الفادح ولكن بأي وجهه سأقابل موسى في الصباح وقد انتشر الخبر وسرى سريان النار في الهشيم ووصل موسى بطريقة مغلوطة ، تحاملت على نفسي في الصباح بعد دفن ابني في المقبرة .. وذهبت احمل العوش والحليب الى موسى .. كان موسى عندما يغضب من احدما يغلق حجرتة ثلاثة ايام ويقبع في الظلام ولانعرف اذا كان حياً اوميتاً حتى يذوي غضبه .. طرقت الباب وقد تداعى اليَّ انينه وبكاؤه على داؤود من الداخل .. .. لم يفتح لي الباب وسبني واغلظ في القول ، فأقم الأحساس بالتعاسة لم يصدق ابداً ان الأمر لم يكن مزاحاً .. ضاقت بي السبل .. هربت من القرية وسافرت الى الجنوب وفي عدن مكثت شهراً حتى يذوي غضبه عليَّ واشتريت له العطور وشرائط ابوبكر سالم التي يحبها وعدت الى القرية تحت جناح الظلام .. احمل له المفاجأه .. اوجست خيفه . اعتدت عند زيارتي الليليه له ان اجد النور مضاءً وموسى يقرأ في كتبه العجيبة انه دائماً يقرأ .. هذا الظلام الحالك الذي يحيط بالغرفة اسقط قلبي بين ارجلي .. هل رحل موسى غاضباً مني ؟!؟ وقفت امام الباب وصرت انادي عليه بأعلى صوتي سرى صوتي الى القرية جاء الرجال وعرفوني واخبروني بأن موسى مات لم اصدقهم .. اعتقدته مزاح ثقيل .. ولكن الحزن المخيم عليهم كان حقيقي .. انهرت عند الباب اذرف الدمع سخياً لسبب واحد انه رحل وهو غير راض عني .. ومنذ ذلك الحين أُغلقت الغرفة وبها كل اشياء موسى ..
- هل بالامكان أخذي الى هناك ؟!
- على الرحب والسعة ..
نهض الرجلان وخرجا من المسجد الى مسكن موسى في غرفة تقع خلف المدرسة عند اطراف القرية . فتح عبدالكريم القفل الذي كان يعلوه الصدأ ، دفع الباب ، احدث صريراً مزعجاً جعل نواف يشعر بالقشعريرة ودخلا اخذ نواف يتأمل الغرفة والغبار الذي يكسو كل شئ آله التسجيل سوداء اللون . رفعها نواف وقرأ في الورقة الملصقة بها (طاحونه الأنين) .. كرتون به شرائط كاسيت مكتوب عليه ايضاً تعبير غريب (بواعث الشجن) .. بانت الدهشة على نواف ، نظر عبدالكريم مردداً
- انه كان يطلق الأسماء على كل ما حوله .. هذة الغرفة اسماها (بيت العنكبوت) وآله الكمان يطلق عليها (زورق الألحان) .. كان يطلق على الذين يحبهم (العصافير) والذين يبغضهم وهم قله (الخفافيش) ويطلق على نفسه اسماء لاتقل غرابه (النخيل المسافر) او النسر المتشرد.. اسس فريق كرة قدم في القرية واسماه المريخ ..
ردد نواف في نفسه مبتسماً ..
- " كان موسى من انصار القبيله الحمراء ، كأبي تماماً .. "

كانت الصحف والمجلات تملا كل مكان (الشورى) (الوحدوي) والعديد من الدوريات المحلية واللندنيه (القدس) (الحياة) (الوسط) .. فتح عبدالكريم الطاقة الوحيدة .تسللت اضواء شمس الأصيل المشربة الحمره والقت بظلالها على ملابس قليله في المشجب وآله كمان معلقة على الجانب الآخر .. وادوات طبخ وفرشه صلاة .. رسومات جميله على الحائط الأبيض تعج بالنخيل واقوال مأثورة على جنبات الغرفة الأربعة ..
- التاريخ لن يخلد سوى اولئك المنتجين والمبرزين الذين يخلفون وراءهم أعمالاً كبيرة وجليله تكون شواهد حية على حجم عطائهم وسخاء ماقدموا من أجل اوطانهم وشعوبهم وأممهم 1*
- امدد يديك الى الأحرار متخذاً منهم ملاذك من رق تعانيه
ماتوا لاجلك ثم انبث من دمهم جيلاً تؤججه الذكرى وتذكية 2*
- " التأمل السابق للموت هو التأمل السابق للحرية 3*
- إن جدي كان كشجرة السيال .. حادة الأشواك صغيرة الأوراق .. تصارع الموت لانها لاتسرف في الحياة 4*
- إن الغوص في تفاصيل الحياة اليومية لايجعل الأنسان يتخذ موقفاً من الحياة5*
كان نواف يتأمل هذا المتحف العجيب في انبهار وسكينه وردد في نفسه " لأبد ان هناك شفرة تفسر هذا اللغز .. هذا الرجل الذي يعيش بين الأوراق والكتب والمعاني السامية " .. كان عبدالكريم يحدق من النافذة ونواف يقلب الأوراق بحثاً عن الشفرة المرجوه.. اخيراً وجدها !!
نوته مدرسية خضراء اللون .. اخذ يقلبها وقرأ (الدرب الأخضر)وفي الصفحة الأولى صعقتة عباره (كل زول بيحمل رساله امنيه صادقة بعيد مداها .. التاريخ بيحسب كل خطواته المشاها) .. احس نواف ان في هذة الكراسة المدرسية يكمن مفتاح اللغز ، دسها في جيب جلبابه الواسع ونادى عبدالكريم الذي التفت بغته ..
- هيا بنا ننصرف الآن
اغلق عبدالكريم النافذة وخرج الرجلان ، اوصد عبدالكريم الغرفة وسار نحو القرية وعند بيت ابراهيم تفارقا .. دخل نواف البيت ليجد ابراهيم قد وصل ، وصالح ونفر غفير من اهل القرية ، جلس نواف السعيد الى جوار صديقه صالح الأكثر سعاده وهو يرى اجرءات زواجه تتم امامه بكل يسر .. استمر السمر والأحاديث الممتعة وتبادل الأشعار ..
اذن سيتم الزواج غداً وسيعود نواف ادراجه . تحسس الدفتر في جيبه وابتسم في ظفر ، انفض المجلس مع آذان العشاء وذهب نواف وصالح الى غرفة الضيافة التي رتبتها رحاب وعطرتها بأريج الفل.. كان هناك كم هائل من الهدايا قوارير من العسل والسمن البلدي الفاخر .. اثلج ذلك صدر نواف .. هذا العسل الفاخر مرغوب هناك وسيسعد ابيه .. تعشيا معاً واستأذن صالح صديقه في الانصراف نظر اليه نواف باسماً
- من لقى احبابه .. نسي اصحابه
ضحك صالح وغمز صديقة
- العقبى لك ..
وجد نواف نفسه وحيداً مرة اخرى ، أُضيئ النور تلقائياً من مولد الكهرباء الذي يملكه ابراهيم .. ظل هديره المنتظم يتداعى الى اذني نواف .. اطفأ المصباح الغازي .. نظر الى جدران الغرفة الأنيقة والمزخرفة بصورة مدهشة كأنه يراها لاول مرة .. اشجار النخيل .. لمح توقيع موسى الذي تجلل بصماته .. الاحياء والاشياء في القرية هذة رسومات موسى ايضاً .. شعر ببرودة تسري في جسده هل من المكن ان تكون روحه الوفيه ترفرف في هذا المكان ؟.. اغلق نواف الباب واستلقى على الفراش الوثير واخرج الدفتر وبدأ يقلب صفحاته وقرأ ( الدرب الأخضر ) إهداء " الى من يجعل الحب ديدنه في الحياة "
**********

الخاتمة



تشكيــــــل

( من الأصفر لون الموت والأزرق لون الحب ينبثق اللون الأخضر لون الحياة بين زرقة السماء وصفرة الرمال يمتد مشوار الإنسان على الدرب الأخضر في معالم لانهائيـــــــه )
* * *
دب النعاس في عينيه وترك الدفتر يسقط على صدره .. غداً تنتظره رحله طويلة .. سيرى ابيه الدفتر حتى يساعد في فك الشفرة السودانيه المتعلقة بهذا الرجل الغامض موسى، وطاف في ذاكرته شئ آخر رانيه السودانيه صديقة اخته إيمان .. " رانيه الجميله .. يمكنها .. يمكنها " تردد ذلك في نفسه وغلب عليه حيائه المطبوع .. لم يستطع اكمال الجمله ،اغمض عينيه وراح في سبات عميق .. وعلى فمه ابتسامه حالمة ..
انتهت اسطورة موسى حكايه السودانيين " الشاحنه التي بنت الخليج ".. وماتوا غرباء في السعيدة بين القلوب الطيبة قلوب الناس العاديين ..
" من يجد وطنه جميلاً فانه في عداد المبتدئين ذوي المشاعر الرقيقة ومن يجد وطنه في كل الأرض يقيم بها فهو في عداد اهل القوة ولكن من يجد الأرض بأسرها مقام غريب ابداً فهو وحده صاحب الكمال .. وذو النفس الرقيقة حصر عشقه في بقعة محددة من العالم . وذو النفس القوية وسع عشقه ليشمل كل أرض تطأها قدمه ذو النفس التامة اطفأ كل العشق لان
الإنسان غريب اينما حل وارتحل "








التوقيع: wissam



 رواية عازف الكمان - للروائي السوداني عادل الأمين 2410




الإشارات المرجعية


التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..


مواضيع ذات صلة


تعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة




 ملاحظة: جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ , ولا تعبّر بأي شكل من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى



language  

Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2020, Jelsoft Enterprises Ltd
تحويل و برمجة الطائر الحر لخدمات الدعم الفني و التطوير