لكل محبي لغة القرآن، ولكل محبي الجمال، تخبرهم الواو أنها حرف ذو بال في توكيد معنى الكلام لأنها بكل أدب لا تعلن عن هذا الدور وإنما تترك المحبين الهائمين أن يبلغوا عنها ولو فائدة..
وأنا أقرأ (بدائع الفوائد) لابن قيم الجوزية، وجدت له جميل قول عن الواو يقول فيه: " ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻟﺮﺟﻞ ﻣﺜﻼ ﺃﺭﺑﻊ ﺻﻔﺎﺕ ﻫﻲ (ﻋﺎﻟﻢ) ﻭ(ﺟﻮاﺩ) ﻭ(ﺷﺠﺎﻉ) ﻭ(ﻏﻨﻲ)، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺃﻭ ﻻ ﻳﻘﺮ ﺑﻪ ﻭﻳﻌﺠﺐ ﻣﻦ اﺟﺘﻤﺎﻉ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻓﻲ ﺭﺟﻞ ﻓﺈﺫا ﻗﻠﺖ: ﺯﻳﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻫﻨﻪ اﺳﺘﺒﻌﺪ ﺫﻟﻚ، ﻓﺘﻘﻮﻝ (ﻭﺟﻮاﺩ) ﺃﻱ ﻭﻫﻮ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺟﻮاﺩ ﻓﺈﺫا ﻗﺪﺭﺕ اﺳﺘﺒﻌﺎﺩﻩ ﻟﺬﻟﻚ، ﻗﻠﺖ (ﻭﺷﺠﺎﻉ) ﺃﻱ ﻭﻫﻮ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺷﺠﺎﻉ (ﻭﻏﻨﻲ) ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ اﻟﻌﻄﻒ ﻣﺰﻳﺪ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻭﺗﻮﻛﻴﺪ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺪﻭﻧﻪ ﺗُﺪﺭﺃ ﺑﻪ ﺗﻮﻫﻢُ اﻹﻧﻜﺎﺭ" قلت: وهذا فقه للحروف متين، و بيان لوظائفه أمين... ففرق بين: زيد عالم، فقيه، كريم، وبين زيد عالم وفقيه وكريم، فكأن الواو ترد على من ينكر اجتماع هذي الصفات في فرد، وتؤكد أن زيدا بلغ الكمال في كل صفة على حدة، فلا مغمز لنقص أو نقيصة... سؤال: كيف نفهم القرآن وأنواره التي تهل علينا من خلال هاتيك الواو... في بيان تبعات الدعوة وتكاليفها؟ لنتأمل قول ربنا: ﴿التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ وَالنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحافِظونَ لِحُدودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ﴾[التوبة: 112] " ونتأمل الصفات كلها نلفها غير مقترنة بالواو... التائبون، العابدون...لكن عند النهي عن المنكر جاءت الواو...الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر... لنقرأ مستمتعين من كلام الإمام الرازي ( 606ه) في تعليقه على دخول الواو ، يقول سيدنا الرازي " المسألة الثالثة: ﻓﻲ ﺇﺩﺧﺎﻝ اﻟﻮاﻭ ﻋﻠﻰ ﻫﺆﻻء، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻋﺒﺎﺩاﺕ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﺗﻌﻠﻖ ﻟﺸﻲء ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ. ﺃﻣﺎ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ﻓﻌﺒﺎﺩﺓ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ، ﻭﻫﺬا اﻟﻨﻬﻲ ﻳﻮﺟﺐ ﺛﻮﺭاﻥ اﻟﻐﻀﺐ ﻭﻇﻬﻮﺭ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺃﻗﺪﻡ ﺫﻟﻚ اﻟﻤﻨﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﺏ اﻟﻨﺎﻫﻲ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﻗﺘﻠﻪ، ﻓﻜﺎﻥ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ﺃﺻﻌﺐ ﺃﻗﺴﺎﻡ اﻟﻌﺒﺎﺩاﺕ ﻭاﻟﻄﺎﻋﺎﺕ، ﻓﺄﺩﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻮاﻭ ﺗﻨﺒﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﻳﺎﺩﺓ اﻟﻤﺸﻘﺔ ﻭاﻟﻤﺤﻨﺔ " قلت: ولما كانت التبعات أكثر مشقة كانت الواو هي الهامسة بهذا المعنى، فتوسطت الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لتقول: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه... الواو ذلك الحرف الرابط له كل التبجيل والاحترام؛ لأنه يعطينا رسائل تملأ الفهوم الناضجة، وتثير الفهوم التي تحاول الوصول إلى النضج... لتبني حياة مؤسسة على فهم كتاب الله والعمل به كل الحب والاحترام لمن يزور ديارنا قارئا، ومعلقا، ناشرا، منتقدا... غاضا طرفه... د. أحمد درويش