زُهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم
زُهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم
زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته
حقيقةً إن المرء ليقف متعجبًا أمام ما يذكره علماء السير من وصف بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وقلة متاعها، فلم يكن فيها شيءٌ يملأ العين من الأثاث ونحوه
فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه يومًا في بيته، فرآه مضطجعًا على حصير قد أثر في جنبه، وألقى ببصره في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيها قبضةٌ من شعير، نحو الصاع، وقبضة أخرى من ورق الشجر في ناحية الغرفة. قال عمر: فابتدرتْ عيناي بالبكاء. فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنتَ رسولُ الله وصفوتُه، وهذه خزانتك؟! فقال صلى الله عليه وسلم: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟» قلت: بلى. (متفق عليه).
وفي رواية أخرى، فقال عمر: «يا نبي الله لو اتخذت فراشًا أوثر من هذا؟» فقال: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا! مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (رواه أحمد).
زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طعامه وشرابه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتفي من الطعام والشراب بما يُقيم الأودَ، وإذا تأملنا حياته صلى الله عليه وسلم، ونظرنا كيف كان يعيش، فإننا راءون عجبًا، فكم بقي صلى الله عليه وسلم طاويًا على الجوع، لا يجد ما يأكله، وهو رسولُ الله وصفوتُه من خلقه، يقول أبو هريرة: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ» (رواه البخاري).
وكان من زهده صلى الله عليه وسلم وقلة ما بيده أن النار لا توقد في بيته بالأشهر، وتحكي أم المؤمنين عائشة عن ذلك فتقول: «إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ»، فسئلت: «فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟» قَالَتْ: «الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ» (متفق عليه).
وتدخل امرأة مسكينة وابنتاها على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يشكون الجوع، فلم يكن في بيته صلى الله عليه وسلم غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمَتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت، فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته فقال: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» (متفق عليه).
وفي مرة أخرى يطرق باب النبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فلا يجد صلى الله عليه وسلم ما يضيفه، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه، فلا يجد عندهن شيئًا سوى الماء، فأرسل إلى أصحابه أن يضيِّفوه (متفق عليه).