حقوق الانسان فى الاسلام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فإن التاريخ لم يعرف أحداً من الأمم أوْفى من المسلمين، ولا أرعى للعهد والذّمة منهم، ولا أرحم ولا أعدل ولا أحسن خلقاً ومعاملةً منهم ، ومصدر ذلك إنما هو دينهم
الإسلام، الذي بعث الله به نبيه محمداً رحمة للعالمين ,أخرجهم به من الظلمات إلى النور،وهداهم به الصراط المستقيم ، وَضَمِنَ حقوقهم، فعاش الناس
آمنين مطمئنين؛ إخوة متحابين ؛ متعاونين في كل ما ينفعهم ، ويصلح شأنهم، كما عاش في ولايتهم ، أهل الذمة من غير المسلمين ، في أمن وأمان .
والمسلم - في ظل دينه القويم - لا يحتاج إلى تشريعات بشرية جديدة ، فالله قد أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضي لنا الإسلام ديناً ، فما تجاوز ذلك أو
خالفه، أو انحرف عنه ، فهو الظلم بعينه ؛ لأنه خلاف ما شرع الله من الأحكام لعباده ، الذي هو أعلم بها ، وبما يصلح حالهم]ألا يعلم من خلق وهو اللطيف
الخبير[ ، [ الملك :14]. ليس على المسلمين إلا أن يتمسكوا بدينهم ، ويعضوا عليه بالنواجذ ، ويعملوا بأحكامه، وشرائعه، وآدابه ، ويجعلوها حَكَماً بينهم ، فسوف
يجدون الأمن والعافية ، والطمأنينة ، والعدل ، والسعادة ، والرضى ، والقوة ، والتقدم ، وستأتي إليهم الدنيا راغمة ، وسيأتيهم رزقهم رغداً ؛ لأن الله خلق كل
شيء من أجل الإنسان ، وخلق الإنسان لعبادته ، -قال تعالى-:]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون...[. [الذاريات : 56] .
لا يُصْلح حال الإنسان ، إلاّ ما شرعه الله له ، والواقع شاهد على ذلك ، فحيثما التُزمتْ الشريعة ، وحُكّمتْ في أمور الناس : صلح حالُهم ، وأمنوا علي أنفسهم ،
وأعراضهم ، وأموالهم ، وحيثما تنكَّب الإنسان هذا الطريق القويم ، فسيضيع ، وتضيع حقوقه وأموره ... .
وبطبيعة الحال : فإن هذا الواقع الطيب لا يسرّ الأعداء ، ولا يعجبهم ، ... فتجدهم يختلقون الاتهامات ، وينشئون الأكاذيب ، وينشرونها ، ويضخمونها ،
ويحاولون قلب الحقائق ، وإلباس الباطل ثوب الحق ، ويدلسون على الناس ، حتى إنهم ليُدخلون تطبيق الحدود الشرعية على المجرمين وتنفيذها فيهم ، ضمن
التُّهم التي تُتَّهم بها في مجال (حقوق الإنسان) !! ولك أيها القارئ أن تعجب كل العجب ، فهم يتباكون على مجرم نُفِّذَ فيه حكم الله ؛ لأنه قَتَلَ ، أو أخلّ
بالأمن ، أو أفسد في الأرض، أو: حارب الله ورسوله، ولا ينشرون كلمة واحدة عن المسلمين الأبرياء الضعفاء، الذين يُقتّلون بالآلاف في البوسنة والهرسك ،
وغيرهما ، ويُخرَجون من أموالهم، وديارهم ، ويُتعدَّى على أعراضهم ، ولا يُمكّنون من الدفاع عن أنفسهم . أما الجرائم التي تُقْتَرف بحق هؤلاء المساكين ، فلا تدخل
في قاموس حقوق الإنسان، في نظر هؤلاء الأعداء !!....
إن الذين يتفاخرون بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م ، ويعتبرونه المثل الأعلى في الروابط الإنسانية ، ويعتقدون أنه لم ينسج على منواله شيء من
قبل ، وينظرون إليه على أنه: قمة الحضارة ؛ إن أولئك يتجاهلون الإسلام ، ومعاملته الكريمة للإنسان ، وحفظه لحقوقه ، وتنظيم شئون حياته ، على نحو يكفل له
الحياة الكريمة ، ويهديه سبيل الرشاد ، ويجنبه مهاوي الرّدى والهلاك ، من أجل ذلك : ينبغي الكشف لأولئك الجهلة ، أو المتجاهلين ، عن وجه الإسلام الناصع ،
ونظرته إلى حقوق الإنسان ، والأسس والمبادئ التي قام عليها في هذا الجانب ، وبطبيعة الحال : فلا وجه للمقارنة بين ما في الإسلام من ذلك ، وبين إعلانهم
الذي يتشدقون ويتفاخرون به . فأين الثرى من الثريا ؟([1])" .
وإنه مما لاشك فيه : أن الإسلام كان له فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات ، والاتفاقيات الدولية ، في تناوله لحقوق الإنسان ، وتأصيله وتحديده لتلك
الحقوق من أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ، وما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والاتفاقات والوثائق الدولية ما في مصلحة مُحقّقة للإنгان
، وللمجتمع الإنساني ما هو في حقيقتن إلا تذديد لبعض ما تضمنه الإȳلام في هذا الخصوص ، الذي تميّز عنها : بكفالته لكافة حقوق الإنسان ، وحمايته لها ،
ومراعات المصالح ، وتكميلها ، ودرء المفاسد وتقليلها ؛ فجاءت تشريعاته في هذا الباب : جامعة ، مانعةً ؛فاقت بذلك كل ماعرفته ، وتعرفه المدنية بكل هيئاتها ،
ومنظماتها ، وفروعها([2]).
والهدف من هذه المادة الدراسية: إبراز شيء من هذه الحقوق ، على ضوء تقرير الإسلام لها، والمقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام ، وفي الوثائق الوضعية ،
وبيان فضل الإسلام عليها، من حيث الأسبقية، والإلزامية ، والعمق والشمول ، والحماية ، والضمانات ، وتجلية بعض الشبة التي يثيرها أعداء الإسلام ؛ حول هذه
الحقوق ، وما ينسبونه إلى الإسلام من تعسّف في تطبيق بعض الأحكام الخاصة بـهذه الحقوق ، واعتداء على الحرّيات الخاصة ، والعامة ، وانتهاك لها –كما
يزعمون-.
([1]) مقدمة معالي الدكتور : عبدالله بن عبد المحسن التركي . لكتاب : "حقوق الإنسان في الإسلام والرد على الشبهات المثارة حولها " للدكتور : سليمان بن عبدالرحمن الحقيل. ص (1-4) . طبع : بمطابع التقنية للأوفست ، الرياض ، الطبعة الثانية ، سنة : 1417هـ - 1997م .
([2])انظر : "حقوق الإنسان" للحقيل ، ص (5) .