هدايات الكتاب العزيز
هدايات الكتاب العزيز:
يكتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
تنبيه: الكتابة تكون في الهداية، التي هي: ثمرة فهم المعنى للآية؛ دون التفسير الذي هو: لإيضاح المعنى.
- ننتقل إلى بعض هدايات الآية رقم (٢٨)، من سورة التوبة:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هذا وَإِن خِفتُم عَيلَةً فَسَوفَ يُغنيكُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ إِن شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ حَكيمٌ﴾ [التوبة: ٢٨]:
أولا: المعنى الإجمالي للآية:
من كتاب: المختصر في التفسير - تأليف مجموعة علماء:
"يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله واتبعوا ما شرعه لهم، إنما المشركون نجس؛ لما فيهم من الكفر والظلم والأخلاق الذميمة والعادات السيئة؛ فلا يدخلوا الحرم المكي - ومن ضمنه المسجد الحرام - ولو كانوا حُجاجًا أو معتمرين بعد عامهم هذا الذي هو سنة تسع للهجرة، وإن خفتم - أيها المؤمنون- فقرًا بسبب انقطاع ما كانوا يجلبون إليكم من الأطعمة والتجارات المختلفة فإن الله سيكفيكم من فضله إن شاء، إن الله عليم بحالكم التي أنتم عليها، حكيم فيما يدبره لكم"
ثانيا: الهدايات المستنبطة من الآية:
١- تفيد: أن من ترك شيئا لله، عوضه الله وأخلف عليه.
٢- تفيد: أن المؤمن، طاهر؛ لحصر وقصر النجاسة على المشركين؛ لقوله: {إنما} للحصر والقصر. وفي الحديث المتفق عليه مرفوعا: "إن المؤمن لا ينجس".
٣- فيها: التذكير بالإيمان، وأنه يحث على العمل؛ لأنه ناداهم وذكرهم بالايمان قبل أن يأمرهم.
٤- تفيد: وجوب بغض المشركين، والبراءة منهم؛ لأنهم "نجس".
٥- فيها: عظم شأن المسجد الحرام.
٦- فيها: وجوب منع المشركين من المسجد الحرام واقترابهم منه. وهذا إلى قيام الساعة.
٧- فيها: دليل على الحكمة والتدرج وعدم العجلة في أمر النصر وظهور الإسلام، مع اليقين بأن {العاقبة للمتقين}. وجه ذلك: أنه قال: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام}، بعدما استتب الأمر واستقر للمسلمين. وقد كان من قبل يأمر بالعفو عنهم.
٨- فيها: دقة التعبير؛ من وجوه:
- منها: وصف نجاسة المشركين بالمصدر؛ فقال: {نجس}، ولم يقل:"أنجاس"؛ فعبر بذات بالمصدر، لأنه يشتق منه؛ فالمشركون مصدر النجاسة والشر في الدنيا.
- ومنها: الحديث عن منعهم من المسجد الحرام بمجرد القرب، فقال: {فلا يقربوا}. ولأن الأصل التحفظ من النجاسة.
٩- تفيد: أن الغنى من الله وبيده؛ لقوله: {فسوف يغنيكم الله من فضله}. وعليه: فلا يطلب الغنى بالمعصية والمخالفة؛ قال الله: {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}. وفي الحديث: "ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ..." (١).
١٠- تفيد: أن الغنى والبركة في طاعة الله؛ قال الله: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}، وقال: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا}.
٩- فيها: إيثار الآخرة على الدنيا. وأن أوامر الله تقدم على غيرها من المصالح؛ إذ المصلحة والخير كله في طاعته - سبحانه.
١١- فيها: أن المشرك نجس؛ وإن غسل بماء البحر. وهذا يدلك على يسر المطلوب من المشرك، وهو: التوحيد؛ وفي الحديث المتفق عليه: "أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء، كنت تفتدي به قال: نعم قال: لقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك.
١٢- تفيد: أن من أهانه الله فما له من مكرم؛ لأن الله أخبر أنهم" نجس". فمهما تظاهر المشركون وبلغوا من العلوم والتكنولوجيا ... إلخ؛ فهم نجس؛ قال الله: {من يهن الله فما له من مكرم}.
١٣- تفيد: أن حج المشركين - بعد المدة المذكورة - موضوع وباطل، ولا عبرة به قط؛ فوجب صدهم عن المسجد الحرام حتى يؤمنوا بالله وحده (٢). وفي الحديث - عند مسلم: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع". وهذا يدلك على أن الأمر وتغير الحال وثباته بيد الله.
١٤- تفيد: أن الرزق والعوض، قد يتأخر لقوله: {فسوف يغنيكم}؛ لما بين السين وسوف من البعد والوسع؛ ولذا لم يقل: {فسيغنيكم}. وللإشارة إلى الأصل، وهو: الامتثال لا العوض والمقابل. وفيه من الاختبار والابتلاء ما فيه.
١٥- تفيد: أنه لا يجب على الله شيء قط؛ وإنما هو العدل والفضل منه سبحانه؛ لقوله: {فسوف يغنيكم الله من فضله} لمحض الفضل بالوعد والوفاء به. ولذا قال {إن شاء}، يريد: ليس واجبا عليه؛ بل الواجب عليكم السمع والطاعة على كل حال. ونظيرها: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض} بفضله، وليس قهرا وإلزاما. ولذا قال: {إلا بإذنه}؛ فسواء أمسكها أو أوقعها فكل شيء مرده إليه.
١٦- تفيد: أن غزوة "حنين" من آخر غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم. وأن الأمر قد استتب للمسلمين؛ لأنه كان يدفعهم بالراح شيئا فشيئا، إلى أن قال مصرحا: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}. وهذا قمة التمكين. وفيه: بيان صدق موعود الله، وأنه قد أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
وفيه: أن الله قد مكن لأهل الحرم الحق وأوليائه الذين أخلصوا له العبادة، وأن المشركين ليسوا أهلا للحرم.
١٧- فيها: مناسبة دقيقة لما سبق. ففيها: دليل على ما حققته غزوة حنين من انتصارات وقوة وهيمنة - فينبغي العناية بدارستها -. وأن هذه القدرة على منعهم من قرب المسجد الحرام، ثمرة من ثمرات الغزوة والجهاد في سبيله والإمتثال لأوامره، والولاء والبراء في الله. وأنه يأمر وينهى عن علم وحكمة في التقديم والتأخير والأمر عامة. ولما فيها من الإشعار بانتهاء أمر الشرك، والالتفات إلى أمر اليهود والنصارى بقتالهم وإخضاعهم للدولة المسلمة بإرغامهم على "الجزية". وهذا رزق جديد بسبب الجهاد.
وعليه: ففيها: مناسبة التذييل للسياق والأحداث السابقة واللاحقة؛ لقوله: {عليم حكيم}.
..................
(١): رواه البزار (٢٩١٤)، من حديث حذيفة - رضي الله عنه -. وقال الألباني في صحيح الترغيب (١٧٠٢): حسن صحيح.
(2): وفي الحديث المتفق عليه: عن أبي هريرة، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل حجة الوداع يوم النحر، في رهط، يؤذن في الناس: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.