اثار الالتزام
إن الأثر العادي للإلتزام هو تنفيذه، فهنا لا مشكلة تصادفنا أما و الحال هذه فإن المسألة مثار الإهتمام هي معرفة الاثر المترتب على عدم قيام المدين بتنفيذ الالتزام، و عليه فالتنفيذ و عدم التنفيذ يرتبطان و يجتمعان في دراسة أثر الالتزام.
و الأصل في التنفيذ أن يكون اختياريا إذ يقوم المدين بتنفيذ الالتزام عن طواعية و بإرادته و اختياره، و لكن التنفيذ قد يكون جبرا و يستعان فيه بالسلطة العامة بناءا على طلب الدائن و سند تنفيذي، وذلك لإلزام المدين بالتنفيذ عندما لا يقوم به طوعا و اختيارا، و تجدر الإشارة إلى أن الصورة المألوفة هي الإلتزام المدني و الذي يمكن فيه جبر المدين على الوفاء خلافا للالتزام الطبيعي الذي لا جبر فيه على المدين بتنفيذ هذا الأخير أو عدم تنفيذه .
و التنفيذ العيني هو التنفيذ بالمعنى الحقيقي و يكون بتقديم المدين عين الأداء الذي التزم به، هذا التنفيذ العيني يطلق عليه بالفرنسية "النفاذ الطبيعي" . و قد يكون التنفيذ تنفيذا بمقابل و رغم هذه التسمية فإنه لا يعتبر بالمعنى الحقيقي تنفيذا للالتزام، حبث يقع حالما لا يستطيع المدين أو لا يريد تنفيذ التزامه، و بعبارة أخرى تقديم الأداء الذي التزم به، و الحال هذه يستطيع الدائن الحصول على مبلغ من النقوذ يحل محل الأداء الأصلي ليعوضه عن الضرر الذي أصابه نتيجة عدم التنفيذ. و يكون ذلك عن طريق التعويض . و هنا نلاحظ أننا إنتقلنا من التنفيذ حقيقة إلى مسألة عدم التنفيذ.
١- آثار الالتزام :
يعرف الإلتزام بأنه: " رابطة قانونية بين شخصين على الأقل بمقتضى هذه الرابطة يلتزم الطرف المدين بأداء مبلغ من النقوذ للطرف الدائن أو بعمل شيئ لصالح هذا الأخير أو بالإمتناع عن عن عمل ". لدى فإذا كان هذا الألتزام صحيحا و غير معيب، فإنه يعتبر القانون الذي يحكم علاقة المتعاقدين. لذلك لا يجوز إلغاؤه أو تعديله إلا برضاهما لأنهما إلتزما و تعاقدا بإرادتهما و بالتالي وجب إلغاؤه أيضا بإرادتهما. و هذا ما نص عليه قانون الالتزامات و العقود المغربي في الفصل 230 الذي جاء فيه: " الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها. ولا يجوز الغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ". فلذلك فإن الالتزامات التعاقدية المنشأة على الوجه الصحيح تنتج أثرها بين المتعاقدين. و الأثر العادي أو الأصلي للالتزام هو تنفيذه، و هذا التنفيذ يقع على عاتق المدين - في أغلب الأحوال- كما أن الالتزام لا ينتج أثره فقط بين المتعاقدين، بل يمتد هذا الأثر إلى الخلف و الورثة ما لم يكن العكس مصرحا به في الالتزام أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أو عن القانون. و هذا ما ما يمكن الإستفادة منه حينما نص المشرع المغربي في الفصل 229 من ق.ل.ع على أنه: " تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب، و لكن أيضا بين ورثتهما و خلفائهما، ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام، أو عن القانون. ومع ذلك، فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة، و بنسبة مناب كل واحد منهم..." .
التنفيذ الجبري و أنواعه:
الأصل أن يقوم كل مدين بتنفيذ التزاماته اختيارا و الوفاء بها طوعا امتثالا لعنصر المديونية و بدون تدخل السلطة العامة، لكنه إذا ماطل في ذلك جاز لدائنه أن يلجأ لهذه السلطة لإجباره على هذا الوفاء استنادا لعنصر المسؤولية، و ذلك لتمكين الدائن من سند تنفيذي إذا لم بكن بيده هذا السند و اعلانه للمدين مع تكليفه بإبراء ذمته.
و إجبار المدين على الوفاء بالتزامه هو إجباره على تنفيذ الإلتزام. و يتميز التنفيذ الجبري بثلاث صفات هي: أنه عام، و مدني، و يقع على مال المدين لا جسمه.
أ- عمومية التنفيذ الجبري:
المقصود بهذه الخاصية أن التنفيذ الجبري أو القهري يتميز بأن الذي يمتلك ساطة الجبر و القهر هو السلطة العامة فليس للدائن أن يأخذ حقه بيده، و إنما الذي يتدخل لجبر المدين هو السلطات العامة و ذلك عن طريق اللجوء إلى القضاء لإستصدار حكم أو أمر قضائي يستطيع التنفيذ به، أو عن طريق الموثق الرسمي للعقود . فإذا لم يكن بيد الدائن سند رسمي محرر من طرف الموثق و هذا له قوة السندات التنفيذية، كان على الدائن أن يلجأ إلى القضاء.
ب- الجبر أو القهر المدني للتنفيذ:
و يتميز التنفيذ الجبري للالتزام بأنه تنفيذ مدني، لأن الإخلال بالالتزام لا ينشئ جريمة و لا يرتب جزاءا جنائيا، فالمدين الذي لا ينفذ التزامه لا يمكن عقابه إلا في حالات إستثنائية اعتبرها المشرع الإخلال بالالتزام المدني جريمة في نفس الوقت. مثل اعتبار عدم دفع الراكب أو المسافر أجرة النقل جريمة أو جريمة عدم دفع الشخص ثمن ما يتناوله من طعام في إحدى المحلات أو المطاعم العمومية. و في غير هذه الحالات الخاصة فإن القهر أو الجبر هو قهر أو جبر مدني بحت.
ج- وقوع التنفيذ الجبري على مال المدين دون شخصه:
إذا كانت القاعدة في القوانين الحديثة هي عدم استعمال وسائل القسر أو الإكراه على جسم المدين لحمله على الوفاء، حيث الذي يضمن الوفاء بديونه إنما هو ذمته المالية و ليس جسده. فإن التشريع المغربي ما زال يطبق قاعدة الإكراه البدني كوسيلة للضغط على المدين و حمله على تنفيذ التزاماته. كما أن الإكراه البدني في القانون المغربي هو ليس جزاء لإمتناع الشخص المدين عن تنفيذ التزاماته، بل هو وسيلة لحمله و اجباره على التنفيذ و من ثم فإن المحكوم عليه بالإكراه البدني لا يمكن أن يتمسك بقضاء مدة الإكراه للتحلل من الإلتزام و يمكن للدائن أن يطالب بالتنفيذ على أموال المدين متى ظهرت.
أنواع التنفيذ الجبري:
أ- التنفيذ الجبري العيني للالتزام:
لا شك أنه إذا تم التنفيذ عن طريق قيام المدين بتقديم المدين للأداء الذي التزم بهفإن الالتزام ينقضي، فالدائن تزول عنه صفة الدائنية، و تزول عن المدين صفة المديونية، بحيث يمكن القول بأن انقضاء الالتزام هنا ليس إلا نتيجة طبيعية لقيام المدين بتنفيذ الالتزام. فالتنفيذ العيني بهذا المعنى يحصل فيه الدائن على ذات ما التزم به المدين سواء كان مبلغا من النقود أو القيام بعمل كرسم لوحة، أو الامتناع عن عمل كعدم فتح محل منافس ، أو كان التزاما بنقل ملكية منقول أو عقار. و عليه فإن التنفيذ العيني هو الأصل احتراما لارادة الطرفين.
ب- التنفيذ الجبري بطريق التعويض أو التنفيذ بمقابل:
من المعلوم أن التنفيذ العيني هي الأصل في الالتزام، لكن إذا تعذر إجراؤه كما في حالة هلاك المنقول و العقار المتعاقد عليه فإنه يتم اللجوء إلى التنفيذ بالتعويض حيث يحصل الدائن على مقابل مالي يحدد من طرف المحكمة.
و غالبا ما يكون التنفيذ بالتعويض في الحالات التي يكون فيها تنفيذ الالتزام الأصلي يتطلب تدخلا شخصيا من المدين، و يمتنع هذا الأخير عن ذلك كما هو الشأن في الالتزام بإجراء عملية جراحية أو إحياء سهرة. في كل هذه الحالات لا يمكن استعمال القوة الجبرية للحصول على التنفيذ لأن ذلك إما أن يكون مستحيلا أو فيه المساس بالحرية الشخصية و الذي لم يعد مقبولا في العصر الحديث.
و هناك حالات يتحتم اللجوء إلى التنفيذ بالتعويض و تتلخص هذه الحالات فيما يلي:
- إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلا بفعل المدين أي بخطئه.
- إذا كان التنفيذ العيني ممكنا و لكن فيه إرهاقا للمدين و لم يكن في إستبعاد التنفيذ العيني ضرر جسيم للدائن، إذ يجوز أن يقتصر التنفيذ على التعويض.
- إذا كان التنفيذ العيني للالتزام غير ممكن أو غير ملائم ما لم يصدر من المدين شخصيا، و تم الإستعانة بغرامة تهديدية و لم تنفع في حمل المدين على الوفاء.
- إذا كان التنفيذ العيني ممكنا ولم يطلبه الدائن و لم يعرضه المدين، و هنا و في مثل هذه الحالة يقضى بالتنفيذ بمقابل أي بالتعويض ما دام الدائن يطالب به.
و تجدر الإشارة إلى أن التعويض نوعان : تعويض عن عدم التنفيذ، و عن التأخير في التنفيذ.
ففي التنفيذ بالتعويض عن عدم التنفيذ، يحل محل الالتزام العيني و لا يجتمع معه.
أما التعويض عن التأخير في التنفيذ، فهو يجتمع مع التنفيذ العيني و يقصد به تعويض الدائن عن الضرر الذي أصابه نتيجو تأخر المدين في التنفيذ، بل يجتمع مع التعويض بعدم التنفيذ أيضا.
و الالتزام بالتعويض لا يعتبر في نظر جمهور الفقهاء التزاما جديدا يحل محل الالتزام الأصلي، بل هو طريق لتنفيذ هذا الالتزام. و لذلك تبقى جميع الضمانات المقررة للالتزام قائمة لضمان الوفاء بالتعويض.
كما يشترط لاستحقاق الدائن للتعويض شرطان:
أولهما: يرتبط الإستحقاق بشروط قيام المسؤولية المدنية بنوعيها عقدية أم تقصيرية، من توافر أركانها، الخطأ و الضرر و علاقة السببية بينهما.
ثانيهما: يشترط القانون لاستحقاق التعويض الإعذار، أي و ضع المدين وضع المقصر في تنفيذ التزاماته بإثبات تأخيره عن الوفاء.
اثار الالتزام 
موضوع: اثار الالتزام 
