دراسة في القانون : المحافظ العقاري ومراقبة السندات المدلى بها تدعيما لطلبات التقييد (2/3)
التقييد النهائي للحق هو المعتبر قانونا لسريان أجل الشفعة في مواجهة الشفيع
إن تنوع التقييدات المؤقتة، واختلاف أحكامها، وتاريخ سريان مفعولها في مواجهة الكافة بمن فيهم المحافظ العقاري، ينعكس لا محالة على طبيعة الحماية التي يتوخاها أصحاب التقييدات المؤقتة للمحافظة على حقوقهم، وضمان مراكزهم القانونية التي تنتج لهم بمقتضاها. إذ إن احترام الإجراءات المسطرية كما هي محددة تشريعيا، وتفادي وقوع أي خلل
من شأنه حرمان صاحب التقييد المؤقت من مزيته، هو الذي يحقق غاية المشرع التي ترمي إلى تحصين الحق وإسباغ الحجية عليه من خلال قرينة العلم بالتقييد التي افترضها المشرع في مواجهة من يتعامل بشأن العقار المثقل بتقييد مؤقت.
غير أن بعض العمل القضائي ذهب خلافا لذلك، معتبرا أن تاريخ إيداع عقد الشراء بمصلحة المحافظة وسجلها المعد لذلك، هو تاريخ سريان أجل الشفعة المنصوص عليه في المادة 304 من مدونة الحقوق العينية، ورتب على ذلك سقوط حق الشفيع، والتصريح بعدم قبول الدعوى من الناحية الشكلية.
بيد أن محكمة النقض تواترت في اجتهادها على تكريس التفرقة بين إجراء الإيداع، وإجراء التقييد، معتبرة أن « المراد بالتقييد هو تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري من قبل المحافظ كما هو مستفاد من مقتضيات الفصل 75 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري لا مجرد إيداع العقد الذي إنما يعتبر جزءا من مرحلة سابقة عن التقييد التي تنظمها الفصول 72- 74- 78 من الظهير نفسه، ومن ثم فإن التقييد الفعلي بالرسم العقاري هو وحده الذي يكتسي طابع الإشهار والعلانية في مواجهة الكافة ويفترض العلم به من قبل الجميع، وبالنتيجة فإن الشفيع إنما يتقيد بأجل السنة ابتداء من تاريخ تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري من طرف المحافظ لا بإيداعه بين يدي هذا الأخير الذي لا يفترض العلم به من طرف الغير، وبالتالي لا يشكل بالنسبة إلى الشفيع انطلاق بداية احتساب أجل الشفعة» . وخلصت محكمة النقض في النتيجة إلى القول: «إن قضاة الاستئناف لما عللوا قضاءهم برفض طلب الطاعنين أنه في شفعة العقار المحفظ يعتبر تاريخ إيداع عقد الشراء بالمحافظة العقارية وسجلها المعد لذلك هو تاريخ انطلاق احتساب أجل المطالبة بالشفعة، وأنه بمرور سنة من تاريخ الإيداع المذكور ينقضي حق الشفيع وليس تاريخ تقييد المبيع بالرسم العقاري... فإنهم يكونون قد طبقوا القانون تطبيقا خاطئا ولم يركزوا قضاءهم على أساس قانوني مما يعرضه للنقض».
ومن جهة أخرى، فإن هناك فرقا بين التقييد الاحتياطي والتقييد النهائي، ذلك أن النوع الأخير من التقييد هو الذي ينقل ملكية الحق المتعلق بعقار محفظ، وتسري بموجبه آجال الشفعة، أما التقييد الاحتياطي فهو مجرد ضمان مؤقت للحق ولا يمكن قانونا أن يحرك أجل الشفعة بالنسبة إلى الشفيع حسبما ورد في قرار لمحكمة النقض جاء فيه أن « التقييد الذي يحرك أجل الشفعة هو التقييد النهائي للحق الذي يتخذه المحافظ بمقتضى نص الفصل 75 من ظهير 12 غشت 1913 لإشهار الحق العيني. أما التقييد الاحتياطي للحق فلا يعطي لصاحبه إلا حقا محتملا، ولهذا فلا يلزم الشفيع بممارسة حق الشفعة ضده، ولا أن يستصدر تقييدا احتياطيا بحق الشفعة».
وبصرف النظر عن الجدل الفقهي القائم حول هذا الاتجاه القضائي، فإننا نعتقد أن التقييد النهائي للحق هو المعتبر قانونا لسريان أجل الشفعة في مواجهة الشفيع استنادا إلى قرينة العلم بالتقييد المنصوص عليها في الفصل 32 من ظهير 12 غشت 1913، وأن الحكم النهائي الصادر بشأن المقال موضوع التقييد الاحتياطي والمعترف بالحق لفائدة المستفيد من التقييد المذكور لا يحتج به ضد الشفيع إلا من تاريخ تقييده وفقا لمقتضيات الفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913، لأن الأثر الرجعي للتقييد الاحتياطي قد شرع لصالح المستفيد منه، في مواجهة أصحاب التقييدات الاحتياطية، ولا يمكن أن يمتد هذا الأثر إلى إسقاط حق الشفعة عن الشفيع الذي لا ينشأ قانونا إلا بعد صيرورة الحكم القاضي بإتمام إجراءات البيع بين المشتري والشريك مكتسبا لقوة الشيء المقضي به وتقييده بالرسم العقاري عملا بمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد.
وحيادا عن القواعد العامة، نجد المشرع قد اعتبر في نصوص خاصة، أن مجرد إيداع الحكم الناقل للملكية لدى المحافظة العقارية يترتب عليه، تخليص العقارات المعنية من جميع الحقوق والتكاليف التي قد تكون مثقلة بها، وانتقال الملك للجهة النازعة للملكية بمقتضى الفصل 37 من الظهير المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة. ومن ثم فإن إجراء الإيداع أعلاه ينتج مفعول إجراء التقييد نفسه من تاريخ الإيداع، وليس من تاريخ تقييد الحكم القضائي الناقل للملكية الذي يأتي في مرحلة لاحقة عن الإيداع، الشيء الذي يفيد أن أثر إجراء الإيداع في هذه الحالة يكون منشئا، في حين أن التقييد بالرسم العقاري له أثر كاشف ليس إلا.
كما أن الاستثناء نفسه، نجده في تقييد الأوامر القضائية بالحجز العقاري أو الإنذار العقار أو محاضر الحجز التنفيذي، إذ إن مجرد التبليغ للمحافظ يترتب عنه جزاء المنع الخاص من أي إجراء تقييد نهائي جديد، ولو قبل حصول التقييد بالرسم العقاري، وفي ذلك خروج عن القاعدة العامة المقررة في الفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913. وعليه فإن إجراء التبليغ من قبل المفوض القضائي للاستدعاءات، أو الأحكام ، يختلف عن كل من إجراء الإيداع والتقييد الذي يتم وفق إجراءات مسطرية دقيقة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.
ذلك، أن عملية التبليغ للمحافظ لا تثبت بتسليم وصل بذلك، كما هو الشأن بالنسبة إلى الإيداع، وإنما بتوقيعه هو أو من ينوب عنه على شهادة التسليم باعتبارها الوثيقة الوحيدة التي يعتد بها قانونا لصحة وسلامة عملية التبليغ، وعلى من يدعي العكس أن يطعن في الشهادة المذكورة بالزور. وقد كرست محكمة النقض هذا الاتجاه معتبرة أن «الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية عند التنازع هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من (ق.م .م)».
أما بالنسبة إلى الرهن المؤجل، فإن أجل 90 يوما المنصوص عليها في المادة 184 من مدونة الحقوق العينية تبتدئ من تاريخ تقييد الرهن المؤجل تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري الذي يسري مفعوله طيلة مدة التسعين يوما وليس من تاريخ إيداع الدائن المرتهن للوثائق والطلب، مع فارق بسيط هو أنه لا يشار إلى هذا التقييد الاحتياطي للرهن المؤجل في نظير الرسم العقاري المحتفظ به لدى مصلحة المحافظة العقارية طيلة المدة أعلاه، ما لم يطلب الدائن المرتهن قبل انصرام المدة المذكورة تقييد حقه بصفة نظامية ليأخذ رتبته من تاريخ التقييد الاحتياطي الذي يتعلق به.
المحور الثاني : آجال التقييد ومدى تقادم الحق في إجرائه.
أوجب المشرع إشهار التصرفات القانونية المتعلقة بالعقارات المحفظة في الرسوم العقارية تحت طائلة فقدان الحماية المقررة للحق نتيجة للتراخي في القيام بهذا الإجراء من طرف أصحاب الحقوق من دون أن يحدد أي أجل لذلك، تاركا الأمر لمشيئة الأطراف المعنيين بالتقييد في المحافظة على مراكزهم القانونية تكريسا لمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد.
غير أن هذا الوضع لم يساهم في تحيين عدد كبير من الرسوم العقارية التي أشضحت بياناتها غير متطابقة مع الواقع. وهذا ما اضطر معه المشرع إلى التدخل للتنصيص على تخفيض آجال التقييد تحت طائلة أداء ذعيرة عن التأخير ، مع المرونة في التطبيق عن طريق إعفاء المعنيين بالأمر من أداء هذه الذعيرة إذا أنجزوا تقييد عقودهم خلال آجال معينة، وذلك من أجل إتاحة الفرصة لتحفيزهم على مباشرة إجراءات التقييد من جهة، وتحيين بيانات الرسم العقاري من جهة أخرى.
وفي ما يتعلق بآجال إجراء التقييدات المؤقتة، فإننا نشير إلى أن الفصل 65 مكرر من قانون 7/14 قد حدد مدة 03 أشهر ابتداء من تاريخ صيرورة الأحكام القضائية نهائية.
منقول