حياكم الله في منتديات واحة الإسلام.... تشرفنا زيارتكم.... يزدنا تألقا انضمامكم لاسرتنا.... نعمل لخدمتكم ...فمنتدياتنا صدقة جارية لاجلكم فحياكم الله ونزلتم اهلا وحللتم سهلا
كلمة الإدارة
 
 

 
 
 
 

منتديات واحة الإسلام :: أقسام القرآن الكريم و السيرة النبوية :: واحة السيرة النبوية العطرة

كاتب الموضوع Islamkingdom_ar مشاهدة صفحة طباعة الموضوع  | أرسل هذا الموضوع إلى صديق  |  الاشتراك انشر الموضوع
 المشاركة رقم: #
تم النشر فى :28 - 10 - 2019
Islamkingdom_ar
عضو فعال
عضو فعال
تواصل معى
https://www.al-feqh.com/ar
البيانات
عدد المساهمات : 931
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 01/10/2019
غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص Emptyموضوع: غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص

غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص
غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص
سير الأحداث
:
في شتاءٍ باردٍ عام ثمانٍ من الهجرة النبوية المباركة، وفي شهر جمادى الآخرة منه - كما حدّده أكثر أهل المغازي1 - بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه.

[25] "فقال: خُذ عليك ثيابك وسلاحك ثُمَّ ائتني"2.

قال عمرو رضي الله عنه:

[26] "فأتيته وهو يتوضّأ، فصعّد فيَ النظر، ثُمَّ طَأطأ، فقال: إنّي أُريد أن أبعثك في جيشٍ فيُسَلِّمك الله ويُغَنِّمك، وأرغب لك من المال رغبةً صالحة، قال: قلت: يا رسول الله! ما أسلمت من أجل المال. ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرو! نِعْمَ المال الصّالح للمرء الصالح"3.

وفي المسجد النبوي الشريف، كما هو المعتاد في مثل هذه الحالة، تَتِمُّ مراسم تولية عمرو بن العاص رضي الله عنه رسميّاً قائداً على الجيش.

يُحدَّثُنا الحارث بن حسَّان رضي الله عنه قال: قدمت المدينة:

__________

1 انظر: الأقوال في تاريخ السرية، في المبحث الثالث من هذا الفصل.

2 سبق تخريجها برقم: [15] .

3 سبق تخريجها برقم: [15] .

[27] "فإذا المسجد غاصّ بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلِّد السيف بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن النّاس؟ "1.

[28] "قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث عمر بن العاص وجهاً"2.

وينفرد الواقدي، وابن سعد في تحديد عدد الجيش، فيذكران أنّهم كانوا: "ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ومعهم ثلاثون فرساً"3.

ويسرد الواقدي أسماء بعض المشاركين من المهاجرين والأنصار، وبينما وردت أسماء أخر من خلال سياق الأحداث في جميع الروايات4.

ويذكر ابن سعد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لعمرٍ لواءً أبيض، وجعل معه راية سوداء:

[29] "وأمره أن يستعين بمن يَمُرُّ به من بليّ، وعذرة، وبلقين"5.

[30] "وذلك أنّ أمّ العاص بن وائل كانت امرأة من بليّ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك"6.

[31] "فسار الليل وكمن النهار. فلمّا قرب من القوم بلغه أنّ لهم جمعاً كثيراً، فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمدّه"7.

__________

1 سبق تخريجها برقم: [16] .

2 سبق تخريجها برقم: [16] .

3 هذا لفظ ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] . (انظر: المبحث الرابع) .

4 انظر ص:

5 من رواية ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

6 من رواية ابن إسحاق عند الطبري. وقد سبق تخريجها برقم: [1] .

7 أي: يطلب المدد والعون. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

[32] "فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين الأوّلين، فانتدب فيهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب في سراة المهاجرين، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح، فأمدّ بهم عمرو بن العاص"1. وقال لأبي عبيدة حين وجّهه: "لا تختلفا"2.

ويذكر الواقدي، وابن سعد: أنّهم كانوا مائتين من سراة المهاجرين والأنصار3.

[33] "فلمّا قدموا على عمرو قال: أنا أميركم، وأنا أرسلت إلى رسول الله أستمده بكم. قال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال عمرو: إنما أنتم مدد أُمْدِدتُ به، فلمّا رأى ذلك أبو عبيدة، وكان رجلاً حسن الخُلق، لَيِّن الشكيمة4، سعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وعهده. قال: يا عمرو إنّ آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنّك إن عصيتني لأطيعنّك. فسلّم أبو عبيدة الإمارة لعمرو بن العاص" 5.

__________

1 من رواية موسى بن عقبة. وقد سبق تخريجها برقم: [8] .

2 من رواية ابن إسحاق عند الطبري. وقد سبق تخريجها برقم: [1] .

3 انظر: ص: 347.

4 أي: ليّن الخُلُق، سمحه.

5 من رواية موسى. وقد سبق تخريجها برقم: [8] .

[34] وتذكر بعض الروايات1 أنّ ذلك الأمر لم يرق لبعض المهاجرين باعتبار أسبقيتهم للإسلام، ورأوا أن عمرو رضي الله عنه استبدّ بالإمارة دون أبي عبيدة بن الجراّح رضي الله عنه، وأنّه دارت مناقشات حول هذا الموضوع، ولكنّ أبا عبيدة رضي الله عنه وبِمّا عُرِفَ عنه من الحكمة والكياسة، استطاع إقناعهم بالحُسنى بأنّه آثر الطاعة والامتثال لأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم خشية الفرقة والفتنة بين المسلمين2.

فأطاع الجيش كله لعمرو بن العاص رضي الله عنه، فكان عمرو يُصَلِّي بالناس، وكان الجوّ شاتياً شديد البرودة في تلك المناطق، ويوماً مّا:

[35] "أصابهم بردٌ شديدٌ، لَمْ يُرَ مثله، فخرج لصلاة الصّبْح فقال: والله لقد احتلمت البارحة، ولكنّي والله ما رأيت برداً مثل هذا، أهل مرَّ على وجوهكم مثله؟ قالوا: لا. فغسل مغابنه3 وتوضّأ وضوءه للصلاة، ثُمَّ صلَّى بهم". وفي رواية: "فتيمَّم"4

__________

1 انظر رواية الشعبي عند أحمد (المسند 1/196، ورواية الزهري عند عبد الرّزّاق (المصنَّف 5/452-454) .

2 كان مِمَّا قال أبو عبيدة رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ وإليه أن لا تتعاصيا، فخشيت إن لم أُطعه أن أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل بيني وبينه الناس. وإني والله لأطيعنه حتى أقفل". (ابن عساكر: تاريخ: المجلدة الأولى (1/405-406) .

3 المغابن: الأرفاغ. وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب. (الجوهري: الصحاح، وابن الأثير: النهاية، مادة: غبن) .

4 أخرجه أبو داود (انظر: عون المعبود 1/532) ، والحاكم (المستدرك 1/285) وهذا لفظه.

.................................................................................................... .

__________

كلاهما من حديث عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس، مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وقال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية. قال: فيه فتيمم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والذي عنده أنهما عللاه بحديث جرير بن خازم عن يحيى بن أيوب عن يزيد عن عمران عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص قال: "احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال. وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً". ووافقه الذهبي في التلخيص.

قلت: أصل الحديث أخرجه البخاري (الصحيح 1/90) ، مُعَلَّقاً، وقال ابن حجر (فتح الباري 1/454) : هذا التعليق وصله أبو داود. (انظر: عون المعبود 1/530-531) ، والحاكم (المستدر 1/285) ، من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد ابن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص، ثُمَّ ذكره مثله. وذكر أنَّ سنده قوّي وأنَّ البخاري علَّقه بصيغة التمريض لكونه اختصره ثُمَّ ذكر عن البيهقي (السنن 1/226) أنه يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ، ثُمَّ تيمم عن الباقي.

[36] وكان قبل ذلك قد أصدر أوامره بمنع إشعال النيران في المعسكر لمدّة ثلاثة أيام رغم حاجتهم للتدفئة1، فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال لأبي بكر:

[37] "لِمَ لَمْ يدَع عمرو الناس أن يوقدوا ناراً ألا ترى إلى هذا الذي منع الناس منافعهم؟.فقال أبو بكر: دعه قائماً، ولاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا لعلمه بالحرب"2. "فهدأ عمر رضي الله عنه "3.

وتشير بعض الروايات بأنّ المسلمين:

[38] "لقوا العدوّ فهزموهم"4.

__________

1 ذكره الهيثمي (مجمع 5/319) وعزاه الطبراني، وقال: رواه بإسنادين، ورجال الأوّل رجال الصحيح.

قلت: لم أجده في المطبوع من المعجم فلعلّه من الجزء المفقود منه. والله تعالى أعلم.

2 أخرجه ابن أبي شيبه (المصنف 12/531) عن عبد الله بن بريدة الأسلمي، وهو ثقة. (تقر97) ، وسند الحديث إليه صحيح. لكنّه مرسل. فعبد الله لم يدرك الواقعة.

3 من رواية بريدة عند الحاكم. وقد سبق تخريجها برقم: [22] .

4 أخرجه ابن حبان (انظر: الإحسان، حديث 4523) ، من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وسنده حسن. لأنَّ فيه الحسن بن حماد الخضرمي صدوق. (التقريب ص 160) . وبقية رجاله ثقات. وذكر ابن حجر (فتح الباري 7/26) أنه أخرجه ابن خزيمة، ولم أجده في المطبوع من صحيح ابن خزيمة. فلعلّه من الجزء المفقود منه. والله تعالى أعلم.

بينما يُفصِّل الواقدي، وابن سعد الحديث عن ذلك، فيذكر أنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه:

[39] "سار حتّى وطئ بلاد بليّ ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم، وبلاد عذرة وبلقين"1.

ويمكن تأويل روايةالطبراني عن رافع الطائيرضي الله عنهأنّ المسلمين انطلقوا:

[40] "حتّى نزلوا جبل طئ، فقال عمرو: انظروا إلى رجلٍ دليلٍ بالطريق، فقالوا: ما نعلمه إلاّ رافع بن عمرو، فإنّه كان ربيلاً في الجاهلية"23. - بإمعان المسلمين في طلب القوم حتّى وصلوا إلى تلك المنطقة البعيدة نسبياً عن المنطقة المحدَّدة سلفاً لعمليات السّرية، ويُشير إليه طلب القائد البحث عن دليل بالطريق - ثُمَّ إنّهم لقوا:

[41] "في آخر ذلك جمعاً فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرّقوا"4.

فنهاهم عمرو رضي الله عنه.

[42] "أن يتبعوا العدوّ مخافة أن يكون لهم كمين من وراء الجبل"5.

__________

1 لفظ ابن سعد، وقد سبق تخريجها برقم: [3] . وانظر: مغازي الواقدي 2/771.

2 أي: كان لِصّاً في الجاهلية.

3 سبق تخريجها برقم: [11] .

4 من رواية ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

5 أخرجه ابن أبي شيبه (المصنف 12/531) ، عن قيس بن أبي حازم، ثقة. مخضرم. (تقريب 456) . والسند إليه صحيح لكنّه مرسل. ومراسيل قيس من أقوى المراسيل. (الموقوظة 26) . وهو يروي عن عمرو بن العاص. (تهذيب 4/561) .

وتشير رواية الزهري أنّهم:

[43] "أسروا ناساً كثيرين من العرب"1.

ويبدو أنّ نتيجة ذلك الإمعان في طلب العدوّ وتقصّيهم حتّى آخر بلادهم، نفذ تموين الجيش، يقول عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه:

[44] "فأصابتنا مخمصة2 شديدة فانْطَلقتُ ألتمس المعيشة فالتَقَيتُ قوماً يريدون أن ينحروا جزوراً لهم، فقلت: إن شئتم كفيتكم نحرها وعملها وأعطوني منها، ففعلتُ فأعطوني منها شيئاً فصنعته، ثُمّ أتيت عمرو بن العاص فسألني مِن أين هو؟ فأخبرته. فقال: أسمعك قد تعجّلت أجرك، وأبى أن يأكله، ثُمّ أتيت أبا عبيدة بن الجرّاح فأخبرته، فقال لي مثلها، وأبى أن يأكله، فلمّا رأيت ذلك تركتها"3.

__________

1 سبق تخريجها برقم: [9] .

ويذكر البلاذري (أنساب 381) ن أنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه لقي من العدوّ من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين، ففضهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة.

2 أي: جوع شديد.

3 أخرجه البيهقي (الدلائل 4/405) . وهذا لفظه من حديث سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط عن مالك بن هدم عن عوف بن مالك رضي الله عنه.

وسنده فيه ربيعة بن لقيط وثَّقه العجلي وابن حبان. وذكره ابن أبي حاتم ولم يقل شيئاً. (ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 3/475، وابن حبان: الثقات 4/230، وابن حجر: تعجيل المنفعة ص 88-89) .

ومالك بن هدم وثَّقه ابن حبان فقط. وذكره البخاري، وابن أبي حاتم، ولم يقولا عنه شيئاً. (البخاري: التاريخ 7/307، وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 8/217، وابن حبان: الثقات 5/385) .

وابن لهيعة، وحديثه مقرون. وبقية رجاله ثقات. وله متابعة ذكره ابن هشام (السيرة 4/625-626) ،والبيهقي (الدلائل4/404) ، وابن كثير (البداية والنهاية 4/274) ، جميعهم من طريق ابن إسحاق. أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنّه حُدّث عن عوف بن مالك رضي الله عنه، فذكره نحوه.

قال ابن كثير: هكذا رواه ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب عن عوف بن مالك، وهو منقطع، بل معضل.

وقال البيهقي: قصد بإسناده محمَّد بن إسحاق، رواه سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط. أخبره عن مالك بن هدم، أظنه عن عوف بن مالك، ثُمّ ذكر الحديث.

وبعد أن أدّت السرية مهمّتها على أكمل وجهٍ، رجع عمرو بن العاص رضي الله عنه بالجيش قافلاً إلى المدينة، وكان قد:

[45] "بعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّره بما فتح الله عليهم"1.

قال عوف:

[46] "فلمّا قفل الناس من ذلك السفر كنت أوّل قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئته وهو يصلّي في بيته. فقلت: السلام عليك يا رسول الله

__________

1 من رواية ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

ورحمة الله وبركاته"1.

[47] "قال: صاحب الجزور، ولم يزد عليَّ شيئاً"2. وتلك معجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر له خبر الجزور، قبل أن يتكلم ويخبره عن خبرهم في تلك السّرية.

وأثناء عودة الجيش إلى المدينة، وفي الطريق أراد رافع الطائي رضي الله عنه - دليل المسلمين في السرية - أن يصحب رجلاً صالحاً من أفرادها ينفعه الله به، فتوسّم في أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه خيراً، فصحبه، يقول رافع:

[48] "فوفّق لي أبو بكر فكان يُنَيِّمني على فراشه، ويلبسني كساء له من أكسية فدك"3.

__________

1 رواه ابن إسحاق (ابن هشام: سيرة 4/625-626) . وأخرجه ابن كثير عن ابن إسحاق (البداية 4/274) . وقال: هكذا رواه محمّد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، عن عوف بن مالك، وهو منقطع، بل معضل. كما أخرجه البيهقي (دلائل 4/404) ، عند أيضاً. وقال: قصّر بإسناده محمّد بن إسحاق. ورواه سعيد بن أبي أيوب، وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط، أخبره عن مالك بن هرم، أظنه عن عوف بن مالك، ثُمّ ذكر الحديث.

قلت: ورجاله ثقات ما عدا مالك بن هرم، وثّقه ابن حبان فقط. (الثقات5/385) .

2 سبق تخريجها برقم: [44] .

3 أخرجه ابن خزيمة، كما ذكر ابن حجر (إصابة 1/497) . من طريق طلحة بن مصرّف عن سليمان، عن طارق بن شهاب، عن رافع الطائي.

قلت: وسنده رجاله ثقات. سليمان؛ هو: ابن ميسرة الأحمسي، وثّقه العجلي ويحيى ابن معين والنسائي وابن حبان.

[49] "فلمّا دنونا من المدينة قافلين قال: قلت: يا أبا بكر! إنّما صحبتك لينفعني الله بك، فانصحني وعلّمني. قال: لو لم تسألنِ ذلك لفعلت"1.

[50] "قال: أتحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم. قال: تشهد ألاّ إله إلاّ الله، وأن محمّداً عبده ورسوله، وتقيم الصلوات الخمس، وتؤتي الزكاة إن كان لك مال، وتحجّ البيت، وتصوم رمضان. حفِظت؟ قلت: نعم. قال: وأخرى لا تُؤَمَّرَنَّ على اثنين. قلت: هل تكون الإمرة إلاّ فيكم أهل بدر؟ قال: يوشك أن تفشو حتّى تبلغك ومَن هُو دونك، إنّ الله لَمَّا بعثَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل فهداه الله، ومنهم مَن أكرهه السيف، فهم عوّاذ الله2، وجيران الله في خفارة الله3، إن الرجل إذا كان أميراً فتظالم الناس بينهم فلم يأخُذ لبعضهم من بعض، انتقمَ الله منه. إنّ الرجل لتُؤخذ شاة جاره فيظل ناتئ عضلته4 غضباً والله من وراء جاره"5.

__________

1 ذكره ابن هشام (سيرة 4/624-625) ، عن ابن إسحاق الذي رواه بلاغاً. وهو منقطع، ولكن يشهد له حديث ابن خزيمة السابق، وحديث الطبراني الذي سبق تخريجها برقم: [11] .

2 أي: في عصمة الله ومنعه.

3 أي: في حراسة الله تبارك وتعالى.

4 أي: بارزاً عصب وجهه وحلقه، كنّى بذلك عن شدّة الغضب فإنه يبلغ من الشخص هذا المبلغ. والعضلة: هي كلّ لحمة مكتنزة غليظة.

5 من رواية رافع عند الطبراني. وقد سبق تخريجها برقم: [11] .

[51] "قال: ففارقته على ذلك"1. فلمّا قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم:

[52] "سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وجدتم عمراً وصحابته لكم، فأثنوا عليه خيراً، وقالوا: يا رسول الله! صلّى بنا وهو جنب، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو فسأله، فأخبره بذلك وبالذي لقي مِنَ البرد، فقال: يا رسول الله! إنّ الله قال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} . [سورة النساء، الآية: 29] . ولو اغتسلت مُت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو"2.

[53] كما ذكروا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ما صنعه عمرو بن العاص رضي الله عنه من منعه إيّاهم إشعال النيران في معسكرهم رغم البرد الشديد، وحاجتهم للنار في التدفئة، ومنافعهم الأخرى، وشكوا إليه - أيضاً - منعه إيّاهم إتباع العدوّ رغم هزيمته وفراره3.

[54] "فقال: يا رسول الله إنّي كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوّهم قِلتّهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره. فقال: يا رسول الله!

__________

1 من رواية ابن إسحاق بلاغاً. وقد سبق تخريجها برقم: [49] .

2 من رواية أبي قيس مولى عمرو بن العاص عند الحاكم. وقدسبق تخريجهابرقم: [35] .

3 انظر: رواية الطبراني عند الهيثمي (مجمع 5/319) ، ورواية ابن أبي شيبه (المصنف 12/531) ، ورواية ابن حبان (كتاب السير، حديث 4523) ، والحاكم (المستدرك 3/45) ، وقد سبق تخريجها جميعاً.

من أحبّ الناس إليك؟ قال: لِمَ؟ قال: لأُحبَّ مَنْ تُحبّ. قال: عائشة. قال: من الرجال؟ قال: أبو بكر"1.

قال عمرو رضي الله عنه:

[55] "قلت: ثُمَّ مَنْ؟ قال: عمر. فعدّ رجالاً فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم"2.

__________

1 من رواية عمرو بن العاص رضي الله عنه عند ابن حبان. وقد سبق تخريجها برقم: [38] .

2 أخرجه البخاري (الصحيح 4/192، 5/113) ، بسنده عن أبي عثمان الهندي. قال ابن حجر: هذا صورته مرسل. بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل. لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك: "قال: فأتيته"، فإنّ المراد: قال عمرو بن العاص، وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص.

وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية، ومعلي ابن منصور، كلهم عن خالد بن عبد الله بالإسناد الذي أخرجه البخاري (فتح الباري 8/75) .

قلت: وقد أخرجه مسلم (الصحيح 5/9) وأحمد (المسند، حديث: 1777) ، موصولاً عن أبي عثمان، عن عمرو بن العاص. وذكره بنحوه.

المبحث السّادس: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

قال ابن حجر: وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل، إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية، ومنقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر، وإن كان ذلك لا يقتضي أفضليته عليهم، لكن يقتضي أنّ له فضلاً في الجملة1.

ونقل ابن حجر، والزرقاني عن رافع الطائي قال: وهذه الغزوة هي الغزوة التي يفتخر بها أهل الشام2.

وقال ابن حجر - أيضاً: وفي الحديث مزية أبي بكر على الرجال، وبنته عائشة على النساء3.

وقال النووي: وفيه دلالة تنبيه لأهل السُّنّة في تفضيل أبي بكر، ثُمَّ عمر على جميع الصحابة4.

قلت: كان الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - يعرفون هذا الأمر جيِّداً، ومتداوَلٌ بينهم، حتّى إنّ الشّباب من صغار الصحابة كانوا يُفَاضلون بين الصحابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقدّمون أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلا يُنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري

__________

1 فتح الباري 8/75.

2 انظر: المصدر السّابق. والزرقاني: شرح 2/280.

3 فتح الباري 8/75.

4 صحيح مسلم بشرح النووي 15/153.

في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: "كُنَّا نخيّر بين الناس في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فنخيّر أبا بكر، ثُمّ عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهم "1.

ونقل البيهقي عن الشافعي أنّه قال: "أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر، ثُمّ عمر، ثُمّ عثمان، ثُم عليّ"2.

وفي قصّة رافع الطائي رضي الله عنه يظهر جليّاً تميُّز الصّدّيق رضي الله عنه في هيئته، ومظهره، وتعامله مع الناس، ذلك التميّز الواضح القويّ لاحظه رافع، فاختاره صاحباً له من بين جميع أفراد السرية، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على المواهب العظيمة التي حباها الله عز وجل لذلك الرجل العظيم. حيث عرف الناس فضله وتميُّزه، سواء القريبون منه في مجتمع المدينة الذين كانوا يرون بأعينهم، ويسمعون بآذانهم، ويلاحظون بحواسهم، تقديم المصطفى صلى الله عليه وسلم له وتفضيله إيّاه، وحديثه الدائم عنه عن أعماله الخَيِّرة في خدمة الإسلام منذ اللحظة التي صدّق فيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

أخرج البخاري في الصحيح حديث أبي الدرداء رضي الله عنه الذي فيه: فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله ... " الحديث3.

__________

1 انظر: فتح الباري 7/16، 53.

2 ذكر ذلك ابن حجر: (فتح الباري 7/17) ، نقلاً عنه.

3

أو الذين يرافقونه في البعوث والسرايا من الإعراب، فيلاحظون ذلك التميُّز المُلْفِت للنظر لشخصية الصِّدِّيق رضي الله عنه من خلال ما يرونه ويتوسّمونه فيه من خلال الخير، وأعمال البِرِّ، وحُسن الخُلُق، وكرامة المظهر، وحُسن التعامل، كما حدث هذا في هذه السرية، والله تعالى أعلم.

وفي حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وأنّه صلّى بأصحابه وهو جُنُب لخوفه من شدّة البر.

قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث جواز التيمّم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل البرد أم غيره1.

وقال الخطابي: "وفيه من الفقه أنّه جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء، وجعله بمنْزلة مَن خاف العطش ومعه ماء، فأبقاه لشقته وتيمّم خوف التلف، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فشدّد فيه عطاء ابن أبي رباح وقال: يغتسل وإن مات، واحتجّ بقوله: {وَإِنْ كُنْتُم جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} . [سورة المائدة، الآية: 5] . وقال الحسن نحواً من قول عطاء. وقال مالك وسفيان: يتيمّم، وهو بمنْزلة المريض وأجازه أبو حنيفة في الحضر وقال صاحباه: لا يجزيه في الحضر، وقال الشافعي: إذا خاف على نفسه مِن شدّة البرد تيمّم وصلّى وأعاد كلّ صلاةٍ صلاّها كذلك، ورأى أنّه من العُذْر النّادر، وإنما جاءت الرّخص التامّة في الأعذار العامّة"2.

__________

1 فتح الباري 1/454.

2 حاشية سنن أبي داود 1/238-239.

وقال ابن حجر أيضاً: "وفي الحديث جواز صلاة المتيمِّم بالمتوضّئين، وجواز الاجتهاد في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم"1.

قال ابن القيم: "وقد احتجّ بهذه القصّة مَن قال: إنّ التيمّم لا يرفع الحدث، لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمّاه جُنُباً بعد تيمُّمه، وأجاب مَن نازعهم في ذلك بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنّ الصحابة لمّا شكوه قالوا: صلّى الصُّبحَ وهو جُنُب، فسأله النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقال: "صلّيت بأصحابك وأنت جُنُب؟ " استفهاماً واستعلاماً، فلمّا أخبره بعذره وأنّه تيمّم للحاجة، أقرّه على ذلك.

الثّاني: أنّ الرواية اختلفت عنه فُرِويَ عنه فيها أنّه غَسَل مغابنه وتوضّأ وضوءه للصلاة، ثُمّ صلّى بهم، ولم يذكر التيمّم، وكأنّ هذه الرواية أقوى من رواية التيمّم، قال عبد الحقّ: "وقد ذكرها وذكر رواية التيمّم قبلها، ثُمّ قال: وهذا أوصل من الأوّل لأنّه عن عبد الرحمن ابن جبير المصري، عن أبي القيس مولى، عن عمرو، والأولى التي فيها التيمّم من رواية عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص لم يذكر بينهما أبا القيس".

الثالث: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يستعلم فقه عمرو في تركه الاغتسال، فقال له: "صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ ". فلمّا أخبره أنّه تيمّم للحاجة، عَلِمَ فقهه فلم يُنكر عليه، ويدلّ عليه أنّ ما فعله عمرو من

__________

1 فتح الباري 1/454.

التيمّم - والله أعلم - خشية الهلاك بالبرد، كما أخبر به، والصلاة بالتيمّم في هذه الحال جائزة، غير منكرة على فاعلها، فعلم أنّه أراد استعلام فقهه وعلمه. والله تعالى أعلم1.

وفي حديث رافع الطائي-رحمه الله تعالى-،وقصته مع أبي بكر رضي الله عنه تنفيرٌ من التّعرُّض للرياسة، والوعيد لأهلها، وأمرهم بالاستقامة2. وقد وردت في معناه أحاديث كثيرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ رضي الله عنه: "يا أبا ذرّ! أراك ضعيفاً، وإني أُحِبّ لك ما أُحِبّ لنفسي، فلا تأمرنّ على اثنين، ولا تولينّ مال اليتيم". وعنه قال: "قلت: يا رسول الله! ألا استعملني؟ فضرب على منكبي فقال: يا أبا ذرّ! إنّك ضعيف، وإنّها أمانة، وإنّها يوم القيامة حسرة وندامة إلاّ مَن أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها". رواهما مسلم3.

قال النووي: "هذا الحديث وما أشبهه أصلٌ عظيمٌ في اجتناب الولايات"4.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة". رواه البخاري5.

الموضوع الأصلي : غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص // المصدر : منتديات واحة الإسلام // الكاتب: Islamkingdom_ar
السبت نوفمبر 02, 2019 10:32 pm
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فعال
الرتبه:
عضو فعال
الصورة الرمزية

LEO

البيانات
عدد المساهمات : 90
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 13/09/2019

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:

مُساهمةموضوع: رد: غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص


كلمات اجبرتني علي مشاركتكـ لاحساسي بصدقها
وايمانا مني بقلم يختار اجود المفردات
وبستان الكلام ..المعطره
لك كل مني خالص التحيه









الإشارات المرجعية


التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..


مواضيع ذات صلة


تعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة




 ملاحظة: جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ , ولا تعبّر بأي شكل من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى



language  

Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2020, Jelsoft Enterprises Ltd
تحويل و برمجة الطائر الحر لخدمات الدعم الفني و التطوير