خطر إدخال تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية في حفظ القرآن
خطر إدخال تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية في حفظ القرآن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛ فقد كَثُر السؤال عن جدوى وشرعية استخدام تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية -التنفس والاسترخاء ومخاطبة اللاواعي والربط والإرساء...- في حفظ القرآن الكريم والسؤال عن المدربين الناشرين لهذا الأمر.
ومن هنا أقول وبالله التوفيق: أولًا:
التدريب على تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية ومحاولة جعلها منهجًا حياتيًا يوميًا، أو نافعًا في أداء العبادات كحفظ القرآن أو الخشوع أو نحو ذلك...
هو في الحقيقة أخطر من التدريب عليها كبرنامج مستقل لأنه يُروِّج لفكر باطني ينبغي أن يحذّر منه وإن لم يعرف أهله أو لم يسمعوا قط عن اسم البرمجة اللغوية العصبية،
إذ العبادة وطريقتها لا تؤخذ إلا من منهج النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين المهديين رضوان الله عليهم أجمعين.
ثانيًا:
فلسفة العقل الباطن اللاواعي وقدراته المدعاة، وتطبيقات التنفس ونحوها أمور وراءها معتقدات ملحدة خطيرة، ولا يمكن فصل التطبيق عن أصله وكثير ممن مارسوا تطبيقات البرمجة الغوية العصبية أصابتهم لوثة الفلسفة فيما بعد؛ بينما هم منشغلون ببعض النتائج الإيجابية التي يجدونها لحماسهم وبذلهم قصارى جهودهم في بداية تطبيقهم فلا ينتبهون أنهم ينحرِفون بعيدًا عن منهج العبودية متبعين خطوات الشيطان التي نُهوا عن تتبعها.
ثالثًا:
غاية المسلم التي لاينبغي أن تغيب عن باله أبدًا هي تحقيق العبودية لله ربّ العالمين، فلا يحفظ القرآن ولا يُتعبَّد بأي عبادة إلا من أجل تحقيق معنى العبودية، وهوكمال الذل والافتقار والحب لله تعالى، ودوام دعائه والتضرُّع إليه بكل الرجاء والذلة.
وإدخال تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية في العبادات يجعلنا نطبقها بكيفيات غير التي كان عليها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، كالتنفس ومخاطبة اللاواعي ويكون الهم الأول: كم حفظنا؟ والدارج على الألسنة: أنا حافظ أنا قادر!
غافلين عن أن الحفظ -كما بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم- ليس هدفًا في ذاته؛ فقد يكون طريقًا إلى النار كما يكون طريقًا إلى الجنة. وأول من تُسعَّر بهم النار ثلاثة منهم حافظ للقرآن قرأ وحفظ ليُقال حافظ وقارئ!
رابعًا:
كل البرامج والفلسفات التي تدّعي معرفة حقيقة العقل وحقيقة نفس الإنسان بعيدًا عن هدى النبوات هي في جملتها ضلالات وإن تضمَّنت جوانب صحيحة، وأسماء الدورات المروج لها وقناعات مقدميها عن العقل اللاواعي -الباطن- تدل على الوقوع في لوثة هذه الضلالات،
فالدين يأمرنا بحفظ العقل ويُحذِّر من التلاعب به ويعطي منهجًا للمحافظة عليه وإعماله فيما خلق من أجله وهؤلاء يدعون لتغييره أو تغييبه ويُفسِّرونه على غير المعروف عند العقلاء قديمًا وحديثًا.
وخِتامًا وصيتي إلى الراغبات والراغبين في حفظ القرآن: ليس من طريقة نافعة في الدارين لحفظ القرآن إلا قراءة القرآن بالتدبُّر ودوام صحبته والعمل بهداه، والاستهداء بمنهجه، والاستشفاء بأدويته، وهذا هو ما ينبغي أن ينصرِف له هم أهل القرآن ليكون القرآن قائدهم إلى الجنة لا زاجًا بهم في النار،
ولحفظ آيه الحكيم لنتواصى بإخلاص النية لله أولًا. وثانيًا: لنتبع هدي نبينا عليه الصلاة والسلام (قراءة، ومدارسة، وفهم معاني، وعمل، وتعاهد، وصلاة به، ودعاء دائم).
ولنثق أننا على خير ما دمنا على هذا المنهج سواءً تم مرادنا وأكرمنا الله بحفظه في الصدور، أو ما زال يتفلَّت مِنَّا وما زلنا نتتعاهده.
ولنتذكر أن الرحمن الرحيم الذي علّم القرآن جعل من خاصيته التفلُّت، حتى وصفه نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه «أشد تفلتًا من الإبل في عقالها» (متفقٌ عليه).
فلنتعاهده بالمراجعة والقراءة والتدبُّر، ولنرفع الأكف إلى الله داعين متضرعين، ولنستغفر الله من الذنوب فإنها مانعة من الحفظ وليكن شعارنا دائمًا وصية ذلك العالِم الرباني: (كن طالب استقامة لا طالب كرامة)،
لنضرب بكل الأفكار والاقتراحات الصارِفة عن منهج العبودية على هدي محمد عرض الحائط، وحذار من قراء يغروننا بأسانيدهم المتصلة
فكما قال الشاعر لذلك الفخور بنسبه:
لئن فخرت بآباء ذوي نسب *** لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
فلربما كان لأولئك القراء المدربين على هذه البرامج -هداهم الله- حظًا من تلك الأسانيد العالية الشريفة؛ ولكن بئس ما قدَّموا من أفكارٍ مخالفين منهج سلفهم وأئمتهم. وعلى كل حال فبالنسبة للسؤال عن المدربين أؤكد أن الحديث عن الأشخاص ليس منهجًا اتبِعه؛ ولكنني أذكّر بأنه أيًّا من كان المدِّرب وصلاحه فقد أبى الله العصمة إلا لكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي الختام: لعل تحذير النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «أكثر منافقي أمتي قراؤها» (رواه أحمد، والبيهقي، والطبراني، وصحّحه الألباني)، يوقظ قلوب غفلت، ونفوس انخدعت بظواهر براقة.
أسأل الله العظيم أن يبرِم لأمتنا أمر رشد، وأن يمُنَّ علينا جميعًا وإخواننا في الله تعالى بالنجاة لوثات هذه الفتن والضلالات، وأن يعلي في نفوسنا الاعتزاز بهذا الدين ومنهجه وغايته ومعارفه لننطلق به منقذين للبشرية، داعين إلى منهج الكتاب والسنة على فهمِ عدول الأمة رضوان الله عليهم أجمعين. أسأل الله العظيم أن يصرِف عَنَّا وعنكم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام د. فوز بنت عبد اللطيف كردي