الحمد لله؛ حرية الرأي أو حرية الكلمة كما يقال هي إطلاق العِنان للعقل واللسان، فيقول الإنسان ما يشاء من رأي وكلام، ويظهر ذلك دون مبالاة، وهذه الحرية بهذه الصورة لا يمكن أن تتحقق لأحد؛ لأنه لا بد أن يصطدم بعادات المجتمع وتقاليده، أو بحقوق الآخرين، أو بقوانين السياسة، ولكن الذين يطلقون الدعوة إلى حرية الرأي أو حرية الكلمة يريدون بها الحرية في حدود، وتختلف هذه الحدود باختلاف صاحب الرأي والكلمة، وباختلاف العوائد والسياسات، وليس في دين الإسلام ما يسمى حرية الرأي؛ لأن الإنسان في الإسلام عبدٌ لله، يجب أن يكون خاضعا لأحكامه الشرعية، امتثالا لأوامره تعالى ونواهيه، لا يتعدى حدوده، مما شرع وأباح، ولا يقرب حدوده مما نهى عنه،
وكل رأي أو كلام يخالف شرع الله فحرام على المسلم أن يتقدم به، أو يتكلم به، فضلا أن يعارض به أحكام الله، وما لم تظهر فيه مخالفة لآية من كتاب الله، أو حديث صح عن رسول الله، مما للرأي والاجتهاد فيه مجال، فلا حرج على العبد أن يقول فيه باجتهاده، متحريا فيه إصابة الحق، وأما ما لا تعلق له بمسائل الشرع، فلا ضير على الإنسان أن يقول فيه بما أدركه بتفكير وتجربة، ولا بد فيما يدعيه من ذلك من البرهان المصدق لما يذكره ويدعيه، إذا تبين هذا؛ فإن من الباطل احتجاجَ من يتكلم في الدين بغير علم، أو يتكلم بما يخالف أصول الشريعة وأحكامها، بدعوى حرية الرأي، ويزداد قبحا إذا نسب ذلك إلى الشرع، وزعم أن الشرع يسوغ له ذلك، وقد بليت الأمة في هذا العصر بكثير من الكتاب والمؤلفين والصحفيين، ممن يطلق العِنان لقلمه خوضا بغير علم، وافتراء على دين الله، وإلحادا في أسماء الله وآياته، معتمدين في ذلك على تلك المقولة الباطلة: حرية الرأي، وحرية الكلمة، فكانوا بذلك ضالين مضلين، وجناة ظالمين، وعن الحق زائغين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، والله أعلم.