حكم استهداف المصالح النفطية
سمعنا جميعا عن الاعتداء الإرهابي الذي حصل على مدينة بقيق واستهدف المصالح النفطية فيه ، نرجو توجيهكم في حكم هذه الأعمال الإجرامية .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
المنشآت النفطية جزء من المال العام الذي لا يجوز الاعتداء عليه بأي صورة من صور الاعتداء كالنهب أو السرقة أو التدمير أو التفجير ، وفاعل ذلك معتد آثم متجاوز حدود الله ، وجنايته على المال العام أعظم من جنايته على المال الخاص المملوك لآحاد الناس ؛ لتعلق حق العامة به ، ولهذا جاء الوعيد الشديد في الأخذ من المال العام ، كما روى البخاري (3073) ومسلم (1831) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ : ( لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ ).
وعليه فمن استهدف هذه المنشآت بعمل من أعمال التخريب أو التفجير فهو باغ ظالم ، وإن ظن ذلك قربة إلى الله فهو من أجهل الناس ، لأنه يعتدي على مال الأمة ، ويضار بها في أرزاقها ومواردها .
قال سماحة مفتي عام المملكة في التعليق على هذا الحادث الإجرامي : " وبالجملة فهذا مال المسلمين العام ، والمال هو قوام الحياة ، وبه استقامة أمور الدنيا والدين . ألم يقل الله عز وجل : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ) .
فبأي حجة بل وبأي مبرر سوّغ هؤلاء الأشرار لأنفسهم محاولة الاعتداء عليه والسعي في تدميره ؟ إنما هو تزيين الشيطان لأهل الغواية ، فهم كما قال الله تعالى : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) , ويقول تعالى : ( وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ) " انتهى كلامه حفظه الله .
ثانيا :
إذا تضمن تدمير المنشآت الاعتداء على الأنفس فهذه جناية أخرى أعظم وأطم ؛ فإن ( زَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ) كما قال صلى الله عليه وسلم . [ رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ].
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ) رواه البخاري (6862).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ) رواه البخاري (6863).
وهؤلاء الآمنون لا ذنب لهم إلا قيامهم على حفظ هذا المال العام ، فهم قائمون بواجبهم ، فأي وجه للاعتداء عليهم وإزهاق أرواحهم ، وماذا يقول المجرم حين يتعلق به المقتول تشخب أوداجه دما ويقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ؟
ثم إن هذا العمل المنكر لا يقتصر ضرره على قتل رجل أو رجلين ، بل هو منذر بهلاك الجم الغفير من الناس القاطنين في المدن والقرى المجاورة ، لولا أن الله تعالى حفظ وسلم ورد كيد الكائد .
ولاشك أنه كلما عظمت المفاسد والآثار السيئة كلما تبين شناعة الجرم وعظم المعصية .
والحاصل أن هذا العمل الإجرامي لا يستريب طالب علم في تحريمه وتجريمه ، ووصفه بالفساد والإفساد والجهل والطيش ، والمسلمون جميعا مطالبون بالوقوف في وجهه ، صيانة للمحرمات ، وحفظا للأموال التي بها قوام الحياة .
والله أعلم .