جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب هي أول جامعة أنشئت في تاريخ العالم[1]، وأقدمها على الإطلاق. بنيت الجامعة كمؤسسة تعليمية لجامع القرويين الذي قامت ببنائه السيدة فاطمة بنت محمد الفهري عام 245 هـ/859م، في مدينة فاس المغربية. و حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية هإن هذه الجامعة هي أقدم واحدة في العالم و التي لازالت تُدرس حتى اليوم.
ويؤكد الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني، رحمه الله، في كتابه ":"فاس: عاصمة الأدارسة" أن جامعة القرويين تعد أقدم جامعة في العالم، وقد سبقت الزيتونة بتونس والأزهر بمصر، كما أنها تعد أقدم من جامعات أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنين: فقد "تأسست أول جامعة في أوروبا وهي جامعة ساليرن سنة 1050 ميلادية في إيطاليا، ثم أصبحت معروفة بمدرسة نابولي. ثم تأسست جامعة بولونيا للحقوق. ثم جامعة باريس، وقد اعترف بها لويس السابع سنة 1180. ثم تأسست جامعة بادوا سنة1222 م، ثم جامعة أكسفورد عام1249 م، ثم جامعة كمبدرج عام 1284 وجامعة سالامانكا في إسبانيا سنة1243م.
أما جامعة القرويين فهي أسست عام (245هـ=859م) فهي أقدم جامعة ظهرت قبل أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنوات. وجامع الأزهر بناه جوهر المغربي سنة 360هـ، ولم يتخذ معناه الجامعي إلا سنة547هـ، فالقرويين أقدم من الأزهر بـ125 عام، وأقدم من الأزهر جامعة بـ302 عام.
يمتد الإشعاع العلمي للقرويين منذ العصر الإدريسي إلى وقت الناس هذا، حيث لم يقتصر التدريس على العلوم الشرعية، بل اتسع ليشمل باقي علوم الحياة والعلوم العقلية والطبية.
واشتهرت فاس وجامعها بالعمق العلمي، حتى شاعت بين علماء فاس مقولة أن: "العلم ولد بالمدينة، وربي بمكة، وطحن بمصر، وغربل بفاس".
. تخرج فيها العديد علماء الغرب، وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. درس فيها سيلفستر الثاني (غربيرت دورياك)، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويقال أنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية. كما أن موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في جامعة القرويين.
درّس فيها الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي وابن البنا المراكشي وابن العربي وابن رشيد السبتي وابن الحاج الفاسي وابن ميمون الغماري، زارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة كما زارها ابن زهر مرات عديدة ودون النحوي ابن آجروم كتابه المعروف في النحو فيها. ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق.
نبذة تاريخية عن جامعة القرويين و مكتبتها
تقع جامعة القرويين في القطاع الغربي من مدينة فاس بالمغرب. والجامعة كانت في الأصل جامعا صغيرا أول من أسسه إدريس الثاني من حكام دولة الأدارسة، وكان يسمي جامع الشرفاء. وظل الحال هكذا حتى اتسعت العمارة في فاس وساد الرخاء المغرب.
صادف في ذلك الوقت أن مهاجرا من عرب الحجاز يسمى محمد بن عبد الله الفهري كان قد سكن القيروان وكسب مالا عريضا، فلما توفي ورث ماله ابنتاه فاطمة ومريم، وشاءتا إنفاق جزء كبير من المال في أعمال الخير، فأنفقتاه في تجديد بناء الجامع وتوسعته عام 245هـ / 859 م. فتضاعف حجمه، ووسع صحنه، وأنشئ للجامع محراب ومنبر جديدان، وبنيت المئذنة. ثم لما كان عهد الزناتيين، وازداد سكان مدينة فاس، زاد عليه الأمير الزناتي عام 322هـ / 934 م. زيادات كبيرة من جهاته الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وأدخلت عليه بعض الإصلاحات.
فلما جاء المرابطون أولوا الجامع عناية كبيرة، فزاد فيه الأمير علي بن يوسف المرابطي زيادة كبيرة، وأعاد بناء أبواب الجامع، كما وضعت القباب الصغيرة المزخرفة في سقف رواق المحراب. ثم كان عهد بني مرين وأقام الأمير يعقوب يوسف بن عبد الحق المريني بتبييض المئذنة وكسوتها بالجص والقاشاني وتدعيم وصلات أحجارها وصقلها حتى أصبحت كالمرآة.
طلبة القرويين
تميزت جامعة القرويين منذ نشأتها بشروط وضعتها لالتحاق الطلبة بها، فكان يجب على الطالب أن ينهي دراسته بأحد الكتاتيب حتى يلم بمبادئ الدين وقواعد اللغة العربية، ثم يستظهر القرآن الكريم ويتعلم مبادئ العلوم العامة حتى يتمكن من الالتحاق بالجامعة. وكان الطلاب يسكنون في مبان ملحقة بجامع القرويين، وكل مبنى من هذه المباني يتسع لعدد من الطلبة يتراوح ما بين ستين ومائة وخمسين طالبا، ويزود الطالب يوميا بوجبة من الخبز وبمياه الشرب، ويشاركه في غرفته طالب أو أكثر من زملائه.
كما كان هنالك احتفالات جامعية يساهم فيها جميع الطلبة الفاسيون وغيرهم فإذا ختم أحد الأساتذة شرح مختصر خليل كان الطلبة يرفعونه على أكتافهم ويحملونه بانتصار إلى القاعة الكبرى حيث يهنئه الناس.
أساتذة القرويين
عرفت جامعة القرويين حلقات العلم منذ أيامها الأولى، حيث كان يتحلق الطلاب حول العلماء والفقهاء يتلقون منهم ما يملون عليهم. ومنذ عام 651هـ / 1253 م. أخذت الجامعة بنظام الكراسي العلمية، فأنشأ أول كرسي للأستاذية لدروس التفسير، ثم توالى إنشاء الكراسي العلمية منذ ذلك الوقت، وخصص كل منها لمادة من مواد الدراسة، فكان هناك كرسي للفقه وآخر للحديث وثالث للنحو. وقد بلغ عدد الكراسي العلمية مع بداية القرن العاشر الهجري ثمانية عشر كرسيا. ومن العلماء المشهورين في عصرهم ممن شغلوا هذه الكراسي كان المقري، وابن الفحام، وابن الصفار، والتلمساني، وابن الإمام وغيرهم. وكانت هذه الكراسي لا يحصل عليها من العلماء إلا من نال شهادة العديد من العلماء وإبلاغ السلطان به وموافقته عليه ، ومنذئذ يصبح صاحب الكرسي من جملة الهيئة التعليمية للجامعة التي كانت منقسمة إلى خمس طبقات ترتيبية،وللانتقال من إحداهما إلى الأخرى كانت الطريقة هي ذاتها المتبعة للإحراز على منصب أستاذ رسمي.
وقد تميز أساتذة القرويين بلباس خاص بهم، يعتمد على الكساء وعلى البرنس. وكانت ملابسهم من اللون الأبيض. وفي عهد المرابطين والموحدين، خص علماء القرويين بالعطايا، أما في عهد بني مرين ومن أتى من بعدهم من الوطاسيين والسعديين فقد خص العلماء بالمرتبات الكبيرة المنتظمة، وأغدقت عليهم العطايا في مختلف المناسبات، كما أوقفت الأوقاف والأحباس لتغطية مصارف المؤذنين والأئمة والخطباء والطلبة. ورغم أن الأجور قد أثارت جدلا بين الفقهاء في ذلك الوقت باعتبار أن هذا لا يليق برجال العلم، إلا أن ذلك الجدل ما لبث أن وجد تبريرا بأن أموال الأوقاف تضمن الاستقرار للعلماء بعيدا عن التقلبات السياسية التي يمكن أن تمر بها البلاد.
وبمرور الوقت أصبحت الأجور التي يحصل عليها علماء فاس زهيدة جدا ذلك لأنها حددت منذ عهد طويل ولم تتغير رغم الانخفاض المتتالى للعملة،وكانت تترواح بين (15) أوقية و (200) مثقال للشهر، بالإضافة إلى ما كان يقدم لهم كل سنة من هدايا عينية ككسوة كاملة بمناسبة عيد كبير، وكمية متفاوتة من القمح حسب الطبقة التي ينتمي إليها الأستاذ.
وأخيرا كان الأساتذة يسكنون في عقارات حبسية أو إن لم تكن دار شاغرة كانوا يتقاضون تعويضا عن السكن، وبذلك كان أساتذة القرويين يرون أن حياتهم المادية مضمونة تقريبا بمجرد ما يصبحون أساتذة كرسي، كما أن العديد منهم كانوا ينتمون إلى الطبقة الفاسية الميسورة، ويملكون عقارات في المدينة، وكانت الفوائد المنوطة بوظيفتهم تعطى لهم مدى الحياة، لأن مبدأ التقاعد لم يكن معروفا، فكان الأساتذة الطاعنون في السن الذين لم يعودوا يستطعون القيام بالتدريس يستقرون في منزلهم محتفظين براتبهم.
نظام الجامعة
بدأ التعليم في جامعة القرويين منظما، إذ لم يكن يسمح لأي طالب بالالتحاق بالجامعة إلا بعد أن يجتاز شروطا معينة تبين اجتيازه لمراحل التعليم الأولى في الكتاتيب. ولكن لم يكن هناك تقيد بسن محددة لالتحاق الطلاب بالجامعة. كما لم تكن هناك مدة دراسة محددة بسنوات معينة، وإنما تخضع لاستعداد الطالب ومقدرته ورغبته في التعمق والدراسة. أما إذا أراد الطالب الانتقال إلى مستوى أعلى فكان عليه أن يجتاز امتحانا ليتأكد من مقدرته في الاستيعاب. أما عن المناهج الدراسية فكانت حرة وتترك إلى اختيار الأساتذة. وظل الحال كذلك حتى عام1203هـ / 1789 م. عندما فكر السلطان محمد الثالث في سن نظام دراسي معين للجامعة فأصدر مرسوما يطلب فيه من شيخ القرويين تحديد مواد الدراسة والكتب التي يجب أن تدرس.
أما عن الهيكل الإداري للجامعة فقد كانت رئاسة الجامعة تسند إلى قاضي مدينة فاس الذي يمنح الأساتذة الكراسي العلمية بعد الرجوع للسلطان ويراقب ناظر الأوقاف ويصدق على الميزانية، وإليه يرجع الرأي الأخير في الإصلاحات التي تدخل على مباني المسجد وتسمية الأئمة والخطباء والمدرسين ورجال الحسبة. ويلي هذه الوظيفة وظيفة القيم، وهي تقابل وظيفة رئيس القسم اليوم، فكان هناك قيم على كتب الفنون، وقيم على كتب التفسير، أو الأدب وغير ذلك.
ولقد عرفت جامعة القرويين ابتداء من عهد بني مرين عددا من التقاليد فكان هناك نظام العطلة الدراسية الأسبوعية يومي الخميس والجمعة، ثم العطلة السنوية وكانت القرويين تعطل أربعين يوما في الصيف "السمائم"، هذا بجانب شهر رمضان وأسبوع عيد الفطر وعيد الأضحى . و أيضا يوم الختمة وهو اليوم الذي يختتم فيه الشيخ المادة أو الكتاب الذي بدأ فيه منذ زمان.
مكتبة جامعة القرويين
تميزت جامعة القرويين بمكتبتها التي أنشئت مع بداية الجامعة. فوجه أمراء المرابطين والموحدين عنايتهم لتزويد المكتبة بالكثير من الكتب، ولم يكتمل عهد بني مرين حتى كانت مكتبة القرويين تضم العدد الوافر من المصاحف من مختلف الأحجام والأشكال ما بين مكتوب على رق الغزال، ومكتوب على الكاغد الشاطبي القديم.
وكانت هذه المكتبة غنية جدا بالكتب وقد تردت شيئا فشيئا إلى حالة مؤلمة من التلف والإهمال إذ كانت الكتب مكدسة بعضها فوق بعض بغير نظام معرضة بسهولة للأرضة، ونظرا لانعدام أى فهرس أو سجل للاستعارة فإن الكثير من المستعيرين غفلوا عن رد ما استعاره من الكتب، بحيث كان يقدر في بداية القرن العشرين عدد الكتب بحوالي (2000) منها (1600) مخطوط معظمها ضئيل القيمة، ونظرا لاختفاء عدد كبير من الكتب فقد منعت الاستعارة وأصبح على الطلبة أن يطالعوا الكتب داخل المكتبة.
ومع ذلك فقد حوت المكتبة كتبا في مختلف الفنون والعلوم. كما كانت هناك ثلاث وثلاثون مكتبة فرعية، تزخر بالعديد من الكتب يرجع إليها المدرسون والطلاب في البحث والدراسة.
الإجازات العلمية
كان الأسلوب المتبع للتخرج في جامعة القرويين منذ نشأتها أن كل طالب تلقى العلم زمنا طويلا، وآنس في نفسه القدرة على التصدر للعلم أن يعلن ذلك بين زملائه وشيوخه، فتعقد له حلقة من العلماء، ويجلس الطالب في صدرها، ويعرض لجدل العلماء ومناقشتهم، فيحصل بمو جبها على إجازة تجيز له رواية الحديث أو تدريس كتاب أو الإفتاء من شيخه الذي تلقى عليه العلم. لقد ظل نظام الإجازة هذا معمولا به بالقرويين حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، حيث استبدل بنظام الامتحانات الحالية.
وكانت الجامعة تعتمد في دراستها في فتراتها الأولى على مؤلفات علماء المشرق، حتى بدأ علماء المغرب يعتمدون إلى حد كبير على مؤلفاتهم العلمية. وقد تميز عهد الموحدين بظهور كتب تناولت مختلف العلوم والفنون. فدرست من مؤلفات المغاربة في تفسير القرآن لعبد الجليل المقري، وفي الجغرافيا نزهة المشتاق وفي الرياضيات جامع المبادئ والغايات في علم الميقات لأبي الحسن المراكشي.
وفي السنوات الأولى من القرن العشرين كانت تدرس في جامعة القرويين مواد عدة منها الحديث وكان يدرس كل يوم في شهر رجب وشعبان ورمضان، وكانت الكتب التي تدرس هي صحيح البخاري ومسلم وموطأ مالك وشمائل الترمذي، وأصول الفقه وكانت هذه المادة تدرس في العشي وكانت تعتبر مادة ثانوية، ومادة الفقه وكانت تدرس في الصباح وكانت أهم الكتب التي تدرس مختصر الشيخ خليل ورسالة ابن أبي زيد القيرواني والمرشد المعين لابن عاشر وتحفة ابن عاصم، وكذلك النحو وكان يلقن في المساء، وكان يدرس من الآجرومية لابن آجروم والألفية لابن مالك، وكذلك مواد البيان والمنطق والحساب والتوحيد والقضاء والأحكام والأدب، وكان يدرس بها أيضا علوم أخرى لكنها اضمحلت شيئا فشيئا منها التفسير والتصريف واللغة.