المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الزائد ، هل تحسب له الركعة ؟
السؤال : كنت أصلي سنة الظهر في المسجد ، ثم ركعت ، وبعد أن رفعت من الركوع ، جاء أحد الإخوة وأراد اللحاق بي ، ظناً منه أني أصلي الفرض ، فوقف إلى يساري ؛ لأنه لم يكن هناك متسع من جهة اليمين ؛ نظراً لأني كنت ملتصقاً بالجدار ، فقمت بالانتقال إلى الجهة اليسرى وجذب الأخ إلى اليمين ، وفي ربكة هذا الموقف نسيت أني قد أتممت ركوعي ، فركعت من جديد ، وعند الانتهاء من الصلاة سجدت سجود السهو ، أمّا الأخ فقد اكتفى بما صلى ، معتقداً أن ما أدركه معي من ركوع هو الركوع الأصلي ، ولم أخبره بما حدث ؛ لأنني غير متأكد من الحكم الشرعي في المسألة ، فما السبيل إلى إصلاح هذا الخطأ ؟
الجواب : الحمد لله إذا زاد الإمام في صلاته ركوعاً على سبيل السهو ، والتحق به المأموم المسبوق أثناء هذا الركوع الزائد : فإنه لا يُعدُّ مدركاً للركعة ، ويلزمه بعد سلام الإمام أن يقوم بقضاء ركعة كاملة . وذلك لأن الركوع الذي زاده الإمام - وإن كان معذوراً فيه - في حكم اللغو الذي لا اعتبار له . قال الإمام الشافعي : " وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فَاطْمَأَنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاسْتَوَى قَائِمًا ... ثُمَّ عَادَ فَرَكَعَ لِيُسَبِّحَ ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ رَاكِعًا ، فَرَكَعَ مَعَهُ : لَمْ يُعْتَدَّ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَكْمَلَ الرُّكُوعَ أَوَّلًا ، وَهَذَا رُكُوعٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ " انتهى من " الأم " (1/205) . وقال النووي رحمه الله : " وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ ، بأن كان الإمام محدثاً ، أو قد سها وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ ، فَأَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِي رُكُوعِهَا ، أَوْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ : لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ إنَّمَا يَسْقُطَانِ عن المسبوق ، لأن الإمام يحملها عنه ، وهذا الإمام غيرُ حاملٍ ، لأن الرُّكُوعَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ . وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ " انتهى من " المجموع شرح المهذب " (4/216) . وقال أيضا : " إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ ، فَاعْتَدَلَ ، ثُمَّ تَذَّكَّرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ لِيُسَبِّحَ ; لِأَنَّ التَّسْبِيحَ سُنَّةٌ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ الِاعْتِدَالِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ . فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ , وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدٍ بِهِ . وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَلَكِنَّ هَذَا الرُّجُوعَ لَغْوٌ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ صَلَاتِهِ , فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ , وَالْحَالَةُ هَذِهِ , وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ لَغْوٌ ، وَالْمَسْبُوقُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ : صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ , وَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ هَذَا الرُّكُوعِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : ( الصَّحِيحُ ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ , وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ : أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ ; لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَغْوٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ , وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ , وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ فِي الرُّكُوعِ , وَإِنَّمَا هُوَ فِي الِاعْتِدَالِ حُكْمًا ، وَالْمُدْرِكُ فِي الِاعْتِدَالِ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ. ( وَالثَّانِي ) : تُحْسَبُ . وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا جَاهِلًا ، وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْقِيَامَ , وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ , فَإِنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لِلْمَسْبُوقِ , وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ . وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخَامِسَةِ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا ; لِأَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ أَدْرَكَهَا بِكَمَالِهَا , وَلَمْ يَحْمِلْ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُدْرِكْ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ , وَلَا الرُّكُوعَ الْمَحْسُوبَ لِلْإِمَامِ , فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ " انتهى من " المجموع " (4/217) . وقال ابن نُجيم الحنفي رحمه الله : " إمَامٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ، فَلَمَّا رَكَعَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فَرَجَعَ وَقَرَأَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَ السُّورَةَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ رَكَعَ ثَانِيًا ، فَإِنَّ هَذَا الْمَسْبُوقَ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ الْأَوَّلُ كَانَ فَرْضًا تَامًّا ، وَالْآخَرُ نَفْلًا ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ " انتهى من " البحر الرائق " (2/82) . وكذلك ذكر القرافي في " الذخيرة " (2/307) أنه لا يُعتد بما أدركه في هذا الركوع الزائد . وقال البهوتي : " وَمَتَى رَجَعَ إلَى الرُّكُوعِ - حَيْثُ جَازَ - وَهُوَ إمَامٌ ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ : أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ ثَانِيًا نَاسِيًا " انتهى من " شرح منتهى الإرادات " (1/229) . وينظر : " الإنصاف" للمرداوي (2/146) . وبهذا يكون القول بعدم الاعتداد بما أدركه المسبوق مع الإمام في مثل هذه الحال : هو ما عليه المذاهب الأربعة . ولا يصح تخريج هذه المسألة على قول من قال من العلماء : إن المسبوق يعتد بالركعة الخامسة ، التي يزيدها الإمام إن أدركه فيها ، لما بين الصورتين من الاختلاف ، كما سبق تقريره للإمام النووي رحمه الله . والحاصل: أن المسبوق لا يعتد بهذا الركوع الزائد الذي أدركه مع الإمام ؛ لأنه لغو . والواجب عليك إخباره بحقيقة الحال ، ليستدرك ما فاته بإعادة الصلاة ، إن كنت تعرفه . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (87853) ، (49046) . والله أعلم