الأمن الأسري – أهميته وآثاره
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمن الأسري – أهميته وآثاره
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد،
أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لا شك أن هذا الموضوع موضوع مهم جدًّا، يتعلق بحياة الأسرة جميعًا،
والإسلام قد اهتم بالأسرة، ونظَّمها أحسن نظام، وحماها من كل الرذائل، وأرشدنا جميعا إلى القيام بحفظ الأسرة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.
وقال:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.
إخواني، الأمن الأسري على قسمين: أمن على أخلاقهم، وأمن على دينهم.
فأمنهم على دينهم يكون بتربيتهم على الخير، وتنشئتهم النشأة الصالحة؛ بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، تعليم كتاب الله، إرشادهم إلى الخير، غرس هذه الفضائل في نفوسهم، وإبعادهم عن الرذائل. «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».
كَوْني آمُره بالمعروف، وأُربِّيه على الخير والصلاح والهدى، وأكون قدوة صالحة، يتأسون بي في أقوالي وأعمالي. يرون الأب يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، خارج من المسجد، راجع من المسجد. يرون أباهم مطيعًا لأمه، بارًّا بها، بارًّا بأبيه، واصلًا لرَحِمه، محسن العلاقة مع جيرانه. يرون أباهم صادقًا أمينًا تقيًّا مهذب القول والعمل،
فهو قدوة لهم وأسوة لهم. ينشئون على ما رأوه عليه:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
فالأب قدوة صالحة لهم، ولهذا الأسرة تأمن به على دينها وأخلاقها وقيمها، إذا رأت الفتيات أمهم ذات حجاب وستر ولزوم البيت، وقلة الخروج إلى الأسواق، ورأت من العفة والحشمة، أخذت تلك الفتاة بأخلاق أمها، وتأسَّت بها وبأخلاقها. هكذا الأب والأم، فهما أصلان بتوفيق الله في تربية الأبناء، وتحصينهم من كل ما يخالف شرع الله.
الثاني: أمنهم أيضًا في أخلاقهم. فالأب يعدل بين الأولاد، يربيهم، ويعدل بينهم، ولا يفضل بعضهم على بعض، ويحاول ربطهم برحمهم، وصِلتهم بأرحامهم، وتعظيمًا لأرحامهم، ويحاول أن يرحم الكبير الصغير، وأن يحترم الصغير الكبير، فيربيهم على القيم والفضائل؛ لأننا إذا ربيناهم على الخير، ونُشِّئُوا نشأة صالحة في صغرهم،
تربوا ونشئوا وشابوا على هذه الأخلاق الفاضلة.
فالأخطاء تقع منا من الإهمال، لا من جهة الأخلاق، ولا من جهة الآداب، ونحن نعرض مع الأسرة بأمور:
أولًا: الزوجة، والعلاقة بين الزوج والزوجة؛ فإن الزوجين إذا تعاشرا بالمعروف عاشت الأسرة في سعادة وهناء،
قال الله تعالى:
{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وقال:
{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
فالزوجان إذا تعاملا بالحسنى فيما بينهما، واحترم كلٌّ صاحبَه، المرأةُ زوجَها، وتكرمه وتجله، وتحسن خدمته،
وتظهر من طاعته وموالاته ومحبته ما يجعل الأبناء يتعلقون بأبيهم، ويحبونه، وتظهر لرحمهم من المحبة
والصلة ما يكون سببًا لربط الأسرة، وتعامل بعضها مع بعض. الرجل يحترم المرأة ويكرمها،
ويظهر لأبنائه احترامها وتقديرها وإكرامها، والقيام بحقها،
فهم يرون من أبيهم صنيعه بأمهم، فيهتمون بذلك.
فالحقيقة أمن الأسر يكون من الزوجين، ويكون من الأبوين، ويكون من تعاون الجميع بينهما، والمجتمع المسلم مطالب أيضًا بهذا، سواء كان من الجانب الخطابي، أو الإعلامي، أو التربية والتعليم، فلا بد أيضا أن ننشئ الطلبة في مؤلفاتهم ومقرراتهم المدرسية هذه الأخلاق، ونذكر لهم السيرة النبوية، والهَدْي النبوي في تربية الأسرة، ورعاية الأسرة. لا بد للطلاب أن يتلقوا من معلميهم شيئًا من هذه القيم والفضائل؛ لتكون يعني نبراسًا لهم في حياتهم.
ولا بد للخطباء من أن يحثوا دائمًا الآباء على تربية الأولاد، وعلى العدل بين الأولاد، وعلى جمع الكلمة، وعلى تواصل الرحم، وتراحمهم بعضهم ببعض. ويبين ما في الرحم والصلة من فضل، كما قال الله جل وعلا:
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«من أحب أن ينسأ له في أثره، ويبارك له في رزقه، فليصل رحمه».
فإذا ربينا الأولاد والبنات على هذه التربية أخلاقيًّا وأدبيًّا، وقدوة حسنة، فإنا نرجو من الله أن يجعله خيرًا.
وإعلامنا يجب أن يكون له دور أيضًا في تربية الأولاد: البنين والبنات؛ من حيث حث الآباء على التربية،
وحث الأبناء على السمع والطاعة، ربط الرحم بعضه ببعض، فلا بد للمعلم ووسائل التعليم،
ولا بد لوسائل الإعلام، ولا بد للأبوين من القيام بهذا،
ولا بد للمجتمع من تعاون في القضية.
فالقضية خطيرة، نحن جميعًا مسئولون عن أبنائنا وبناتنا،
النشء إذا صلح ورُبِّي على الخير صار حصنًا حصينًا لأهل بلده، وصار حُجة يعتمد على الله ثم عليها،
وإذا أهملنا أبناءنا وبناتنا، وتركنا الأمر لهم على ما يريدون، نشئوا على غير هدى،
فأثرت فيهم الدعوات الباطلة، والدعوات المضللة، إنما نحصن أبناءنا وبناتنا،
ونقيهم من شر الدعايات المضللة، لا من الغلو، ولا من التطرف والانحلال والفساد،
خير من ذلك التربية الصالحة، والتنشئة الخيرة،
أرجو من الله أن يوفقنا جميعا للقيام بما أوجب علينا، وصلى الله على محمد.
منقول