الطبيعة القانونية للقواعد الموضوعية في قانون التجارة الدولية - مدخل-
مقدمة
إن حضور التجارة يتزايد يوم بعد يوم داخل العلاقات الدولية الحديثة، إذ تكاد تشكل المحور الأساسي لهذه العلاقات، خاصة في ظل تسارع وثيرة العولمة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، ولا شك أن هذا التزايد قد رافقته حاجة ماسة إلى ضرورة مواكبة قانونية لضبط وتقعيد صيغ التعاملات التجارية الدولية، ووضع قواعد قانونية جديدة مواكبة لكل التطورات العلمية والتكنولوجية التي شهدها حقل التعامل التجاري.
حيث أصبح المجتمع الدولي للتجار حقيقة يتعذر إنكارها والذي يحتكم المتعاملون داخله إلى قواعد تراعي عامل السرعة والثقة والائتمان وتقوم على أساس حماية توقعات الأطراف.
كما أن مشكلة تنازع القوانين وتعدد أساليب أو مناهج فض المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولي في الوقت الحاضر تقع في قلب مشاكل القانون الدولي الخاص الذي مازال إلى حد الآن يعاني الكثير، بسبب غموض بعض أحكامه وعدم ضبط الكثير من قواعده حتى قيل أنه قد أثار داخله أكثر من تنازعه.
وقد تصاعدت الإنتقادات الموجهة إلى منهج تنازع القوانين حديثا بعد أن تبث عجزه عن حل مشاكل التجارة الدولية، ودعوة الفقه إلى هجره لصالح مناهج أخرى وفي مقدمتها منهج القواعد الموضوعية، بعد أن كان منهج قواعد الإسناد مهيمنا فترة طويلة من الزمن في حل المشاكل التي تثيرها العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي.
وتنبع أهمية دراسة موضوع الطبيعة القانونية للقواعد القانونية من ناحيتين نظرية وعملية:
فمن الناحية النظرية، جدة الموضوع وغموضه، فالقواعد الموضوعية من الظواهر القانونية الحديثة التي مازلت في طور التكوين، فهذه القواعد لم تكن إلا مجموعة من الأفكار والتطلعات المستقبلية في حقبة الستينيات، وبدأ الفقهاء يتعرضون بالشرح لها في حقبة السبعينيات، ولم تبدأ هذه القواعد في الظهور بشكل مضر على الصعيد التحكيم الدولي إلا في حقبة الثمانينات.
ويتأتى غموض هذه القواعد من كون أغلب عناصرها غير مكتوبة لعدم صدورها من سلطة تشريعية وطنية، وبالتالي يلزم الإقرار بصعوبة ضبط مختلف مصادر القواعد الموضوعية كظاهرة قانونية تتميز بالتطورات والمرونة، نطور مرتبط بدوره بما يعرفه حقل التجارة الدولية من تحولات هائلة ومتلاحقة، وما يتطلبه من مرونة للاستجابة لحاجيات مجتمع التجار الدولي. بالإضافة إلى عدم وجود بحوث مفصله في الموضوع باللغة العربية، فمع الاعتراف بالجهود الفقهية التي قام بها ببعض الفقه المصري بالتعريف بمصادر هذه القواعد، فإنه لا توجد دراسة مفصلة تسعى إلى طرح النقاش حول الطبيعة القانونية لهذه القواعد.
فإنه لا توجد دراسة مفصلة نسعى إلى طرح النقاش حول الطبيعة القانونية لهذه القواعد.
أما من الناحية العملية، فقد ارتبط ظهور القواعد الموضوعية وانتشارها، بظهور المؤسسات والتجمعات المهنية المشتغلة في مختلف أنواع المبادلات التجارية، والتي عملت على بلورة قواعد قانونية تسهل وتأطر تعاملاتها التجارية، حيث تظهر القواعد الموضوعية كآلية وتقنية قانونية تستوعب واقع المعاملات العابرة للحدود، فالقواعد الموضوعية تظهر في الحقل التجاري الدولي ليس كطرح نظري بل هي ممارسة يومية عملية تتواجد في مجمل التعاقدات الدولية ويحتكم إليها الفاعلون في الحقل التجاري الدولي.
كما أن هناك عامل آخر لا يقل قوة من حيث إضفاء الأهمية النظرية والعملية على موضوع القواعد الموضوعية، ويتعلق الأمر بهاجس ترسيخ الحد الأدنى أو اللازم من المعايير والقواعد الكفيلة بالمساهمة في تأصيل قانون خاص دولي متكامل المعالم ومحكم الترابط، ويزاوج بين المتطلبات العملية والمرجعيات القانونية النظرية في سبيل خلق الانسجام والتعايش التام بين مصادره وقواعده بما يخدم المتعاملين في التجارة الدولية.
ولقد أدى تزايد حجم المعاملات التجارية العابرة للحدود، وتطور الأدوات والتقنيات التكنولوجية المساهمة في تنظيم التجارة الدولية، إلى سعي رجال القانون يدعمهم في ذلك الخبراء الاقتصاديون إلى جانب مجتمع التجار الدوليين، نحو وضع قواعد قانونية خاصة بهذا النشاط التجاري الدولي، خاصة بعدما أثبتت التجربة العملية محدودية وقصور قواعد الإسناد الوطنية على الإحاطة بجميع حاجيات عقود التجارة الدولية، التي تعرف تطورا سريعا يصعب على القوانين الوطنية ملاحقته. أمام هذا ظهرت القواعد الموضوعية كآلية قانونية حديثة في محيط التجارة الدولية، وكمنهج جديد داخل مناهج حلول تنازع القوانين.
منقول