اختيار الزوج
الزوج هو شريك عمر الزوجة، وهو المسؤول عنها وعن تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسيا وروحيا، وهو المسؤول عن توفير ما تحتاجه الاُسرة من حاجات مادية ومعنوية ، لذا يستحبّ اختياره طبقا للموازين الإسلامية، من أجل سلامة الزوجة والاُسرة من الناحية الخلقية والنفسية، لانعكاس صفاته وأخلاقه على جميع أفراد الاُسرة من خلال المعايشة ، فله الدور الكبير في سعادة الاُسرة أو شقائها.
وعليه فقد أكدت الشريعة المقدسة على أن يكون الزوج مرضيا في خلقه ودينه، قال: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه)، وأردف ذلك بالنهي عن ردّ صاحب الخلق والدين فقال : {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال: 73] (1).
وأضاف الإمام محمد الجواد (عليه السلام) صفة الأمانة إلى التدين فقال: (من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوّجوه ، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(2).
ـ الكفاءة في الزوج :
كانت العرب لا تقدِّم شيئا على عنصر الكفاءة في الرجل ، والرجل الكفؤ عندهم ، هو من كان ذا نسبٍ مناظر لنسب المرأة التي تقدَّم لخطوبتها ، ولايقدّم عندهم على النسب شيء ، ومازال هذا الفهم سائدا لدن الكثير من المجتمعات ، لا سيّما القبلية منها ، أو التي احتفظت بعاداتها القبلية وإن تمدنت في الظاهر.
لكن الإسلام قدّم رؤيته للكفاءة في معناها الصحيح وإطارها السليم ، المنسجم مع ميزان السماء: (إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم) مع الأخذ بنظر الاعتبار حقّ المرأة في العيش. فعرّف رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) الرجل الكفؤ بقوله : (الكفوء أن يكون عفيفا وعنده يسار)(3).
وقيل: إنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران: الإيمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها والانفاق عليها، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع ، فلا بأس أن يتزوج أرباب الصنائع الدنيّة بأهل المروات والبيوتات (4).
ويحرم رفض الرجل المتقدم للزواج المتصف بالدين والعفة والورع والأمانة واليسار ، إذا كان حقير النسب (5).
ولقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : (إنّ رسول اللّه زوّج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبدالمطلب ، وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح ، وليتأسوا برسول اللّه ، وليعلموا أن أكرمهم عند اللّه أتقاهم)(6).
ولملاحظة أن المرأة تتأثر بدين زوجها والتزامه بقدر تأثرها بأخلاقه وأدبه أكثر من تأثره هو بدينها وأدبها، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (تزوّجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم، لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقهرها على دينه)(7).
ويكره للأب أن يزوّج ابنته من شارب الخمر ، والمتظاهر بالفسق ، والسيء السيرة (
.
قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): (من شرب الخمر بعد ما حرّمها اللّه على لساني ، فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب)(9) ؛ لأنّ شرب الخمر والادمان عليه يؤدي إلى خلق الاضطراب الاُسري والتفكك الاجتماعي في جميع ألوانه ، إضافة إلى ذلك فإنّه عقاب لشارب الخمر ليكون
ردعا له.
وكما حذّر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا ، فقد حذّر أيضا من تزويج الرجل المعلن بالزنا ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ، ولا يزوج المعلن بالزنا إلاّ بعد أن يعرف منهما التوبة)(10).
ـ الأحكام المتعلقة بالخطبة :
الخطبة تعني مبادرة الرجل لطلب الزواج من امرأةٍ، تبقى أجنبية عليه ما دام لم يعقد عليها عقد الزواج.
وهي بداية للتعارف عن قرب ، يطلع من خلالها كل من الرجل والمرأة على خصوصيات الآخر ، وخصوصا ما يتعلق بالجانب الجسدي والجمالي ، لذا جوّز الإسلام النظر في حدود مشروعة وقيود منسجمة مع قيمه وأُسسه في العلاقة بين الرجل والمرأة.
فيجوز للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة ، ويرى يديها بارزة من الثوب ، وينظر إليها ماشية في ثيابها (11) ، ويجوز لها كذلك ، ولا يحلّ لهما ذلك من دون ارادة التزويج (12).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها)(13).
وقال أيضا : (لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها)(14).
وله أيضا جواز تكرار النظر ، وأن ينظر إليها قائمة وماشية ، وأن ينظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب (15).
وقيّد الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك بعدم التلذّذ ، فحينما سُئل عن النظر إلى شعرها ومحاسنها قال: (لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا)(16).
وخلاصة الأحكام المتعلقة بالخطبة هي جواز النظر بشرط إرادة التزويج ، فمن لم ينوِ التزويج يكون نظره محرما ، ويشترط عدم التلذّذ لأنّه حرام بأيّ حال من الأحوال.
ـ استحباب الخطاب أثناء الخطبة :
يستحبّ ذكر اللّه تعالى أثناء الخطبة ، ليحصل الارتباط به تعالى في جميع الأحوال ، ويكون ذلك انطلاقا للالتزام بمفاهيم الإسلام وقيمه وتقريرها في واقع الحياة الزوجية ، ليكون الوئام والحب والاُلفة والاُنس هو الحاكم على العلاقات بعد الزواج ، والخطبة المسنونة المروية عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) هي كالتالي : (الحمدُ للّه ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي اللّه فلا مضلَّ له ، ومن يضلل اللّه فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، واتقوا اللّه الذي تسائلون به والأرحام، إنّ اللّه كان عليكم رقيبا، اتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون ، اتقوا اللّه وقولوا قولاً سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)(17).
ـ أحكام خطبة المرأة ذات العدّة:
المرأة المطلقة طلاقا رجعيا تعتبر ذات زوج، فللزوج حق الرجوع إليها في أثناء العدّة دون عقد جديد، وقد حكم الإسلام بحرمة التقدم لخطبتها، تعريضا كانت أم تصريحا، لأنّها ذات زوج(18).
والتعريض هو أن يخاطب الرجل المرأة بكلام يحتمل فيه إرادة النكاح وغيره، مثل أن يقول لها:
رُبّ راغب فيك، رُبّ حريص عليك، لا تبقين بلا زوج (19).
والتصريح هو أن يخاطب الرجل المرأة خطابا صريحا لا يحتمل فيه غير إرادة النكاح، بأن يقول لها: إذا انقضت عدّتك تزوجتك (20).
والإسلام حينما حرّم ذلك أراد أن يهذّب النفوس أولاً ، وأن يصلح العلاقة الزوجية ثانيا ، فالمرأة في العدة الرجعية تبقى في عصمة الزوجية ، واحتمال رجوع الزوج إليها احتمالاً واردا فإذا خطبت من قبل الغير بالتعريض أو التصريح ، فإن ذلك يؤدي إلى تشجيعها على عدم الرجوع إلى حياتها الزوجية ، ولو علم زوجها أن أحدا تعرّض لها أو صرّح بالزواج منها أثناء العدّة ، فإنّ ذلك يمنعه من الرجوع إليها.
أمّا المعتدّة عن الطلاق البائن فهي أجنبية عن زوجها ، لا ترجع إليه إلاّ بعد أن تنكح زوجا آخر فيجوز لزوجها الأول أن يتزوجها بعقد جديد بعد طلاقها من الزوج الثاني ، ففي هذه الحالة يكون التعريض لها جائز ، فقد روي أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قال لفاطمة بنت قيس ـ المطلقة ثلاثا ـ (إذا حللت فآذنيني (21). أمّا التصريح لها بالخطبة فحرام ، وكذا الحال في المعتدة عدة الوفاة ، فيجوز التعريض بخطبتها ، ويحرم التصريح)(22).
قال تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة: 235]
ـ المهر والصداق:
المهر هو منحة من الرجل إلى المرأة التي يريد الزواج منها ، قال تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[النساء: 4]
والنحلة هي (العطية من غير مثامنة)(23).
وجوّز الفقهاء أن يكون المهر تعليم سورة أو آية من القرآن ، أو شيء من الحِكم والآداب (24)، عملاً بما ورد عن رسول اللّه من أنّه زوّج لرجل لا يملك شيئا ، فقال له: (قد زوجتك على ما تحسن من القرآن ، فعلمها إيّاه)(25).
وهذه المنحة هي حقّ للمرأة يبقى في ذمّة الرجل ، عن عبدالحميد الطائي، قال: قلت لأبي عبداللّه أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا ؟ قال : (نعم ، يكون دينا عليك)(26).
وسُئل عن رجل تزوج إمرأة ولم يفرض لها صداقها، ثم دخل بها ، فقال: (لها صداق نسائها)(27).
وعنه أنّه قال : (من أمهر مهرا ثم لا ينوي قضاءه ، كان بمنزلة السارق)(28).
وحرّم رسول اللّه نكاح الشغار وهو كما في قوله: (أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك حتى أُزوجك ابنتي ، على أن لا مهر بيننا)(29) ، وذلك لأن في هذا النوع من الزواج امتهان للمرأة، وتجاوز على حقّها المشروع في المهر. ومقدار المهر متروك لما يتراضى عليه الناس ، وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: (الصداق ما تراضيا عليه قل أو كثر(30). فليس له حدّ وإنّه يجوز (بالقليل والكثير))(31).
ويصح المهر في كلِّ ما يجوز كونه ذا قيمة ، قلَّ أو كثر ، من عين تباع ـ كالدار وواسطة النقل والكتاب ـ وعمل يعمله لها (32). وقد تقدم: أنّه يصح جعل تعليم القرآن أو الحِكَم أو الآداب مهرا للمرأة.
والمستحب في المهر التخفيف (33). وقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): (أفضل نساء أُمتي أصبحهنَّ وجها ، وأقلهنَّ مهراً)(34).
ـ حكم ما يأخذه الأب :
المهر حق للزوجة مختص بها ، ولا يصح للأب أن يطلب شيئا له من مهرها بنحو الالزام ، وفي ذلك عدة أحكام (35) :
1 ـ يصح للزوج أن يهب شيئا مستقلاً للأب من غير دخله في المهر.
2 ـ ويصح للزوجة أن تهب شيئا لأبيها برضاها.
3 ـ يحرم على الأب أن يأخذ من مهر ابنته شيئا من دون رضاها.
4 ـ يحرم على الأب التصرف ببعض الأمتعة التي يسوقها الزوج إلى البنت بدون إذنها.
5 ـ يصح بذل مبلغ من المال للأب أو للأخ من أجل اقناع المرأة بالقبول على الزواج.