الشيخ "بول".. من المراقص لبناء المساجد!
الشيخ "بول".. من المراقص لبناء المساجد!
هادي يحمد
باريس – من لا يعرف "بول" بطل رقصة "التانجو" الشهيرة في كباريهات باريس في خمسينيات القرن الماضي؟! كان يومها يلقب بـ "بول" إخفاء لاسمه الحقيقي "محمد تيفور".
لكن في هذه الأيام يسخر "تيفور" كل أوقاته من أجل خدمة مسلمي منطقة "مونتراي" في شرق العاصمة باريس، إلى الحد الذي حوله لأحد أبرز رموزهم في المنطقة؛ إذ جلب الشيخ "محمد" الأنظار إليه بإصراره على مواصلة رفع دعوته أمام القضاء الفرنسي من أجل شراء المسجد الذي يديره.
فبتحول بلدية "مونتراي" إبان الانتخابات البلدية الأخيرة من إدارة الحزب الشيوعي إلى الرئيسة الجديدة للبلدية وممثلة حزب الخضر "دومينيك فواني" تنفس مسلمو المدينة ومعهم الشيخ محمد تيفور الصعداء.
فرئيس البلدية السابق "جون بير برارد" -كان بحسب قول "محمد حنيش" الأمين العام لاتحاد المنظمات المسلمة في المنطقة 93 والتي تضم مدينة "مونتراي" أحد أبرز الإسلامفوبيين- وقف طويلا أمام طموح الشيخ تيفور من أجل شراء المسجد الذي يكتريه إلى حد الآن مسلمو المنطقة.
وأضاف محمد حنيش: "الشيخ محمد تيفور هو أحد رموز مدينة مونتراي، ونحن نفخر بهذا الشيخ الذي يسخر وقته وماله الذي أعطاه له الله لخدمة الإسلام والمسلمين في المنطقة".
الشيخ "محمد تيفور" (84 سنة) الذي يتكلم اليوم ببعض الصعوبة سخر العامين الأخيرين من عمره في معركة قضائية لم يخرج منها إلى الآن، فالشيخ الذي يلقب بـ "غاندي مونتراي" أصبح وجها مألوفا في محكمة المدينة، حيث رفع قضية من أجل تمكينه من شراء مسجده الذي أقامه سنة 2005 وتمكن من الحصول على وعد بالبيع العام الذي تلاه.
لكنه لم يستطع أن يشتري المسجد بسبب معارضة بلدية المدينة وعلى رأسها الرئيس السابق للبلدية "جون بير برارد" الذي اعتبر أن الأمر يتعلق بمحل عمومي من المفترض أن يقع تحت إشراف البلدية.
الموعد القادم للشيخ "محمد تيفور" أمام القضاء سيكون في منتصف أبريل الجاري مع الطعن الذي تقدم به رئيس البلدية السابق والقاضي بمنح البلدية للشيخ تعويضات وعدم تمكينه من شراء مسجده الذي أقام فيه مدرسة قرآنية وقاعة للصلاة ومركزًا ثقافيًّا، ويعد هو المسجد الأول الذي يفتتح في مدينة "مونتراي".
رمز معركة بناء المساجد
ومن المفارقات أن الشيخ الذي أصبح اليوم رمز معركة بناء المساجد بفرنسا كان رمزا وأحد أبطال "رقصة التانجو" الشهيرة في كباريهات العاصمة الفرنسية. فالشاب الذي ولد في ثلاثينيات القرن الماضي وقدم حينها من "قريبة" جنوب العاصمة الجزائرية ليستقر في باريس وأصبح من أكبر المولعين بفن الرقص، وتعرف على زوجته الفرنسية "يوفان" ليفتتحا معا أحد المطاعم (مرقص شهير في الدائرة الرابعة من باريس).
ولكن بعد وفاة زوجته عرفت حياة "بول" تغيرا جذريا ليسخر كل أمواله التي جمعها من أجل خدمة الإسلام والمسلمين بفرنسا.
وحينما عاد الشيخ محمد تيفور إلى جذوره قرر "أن يسخر كل أمواله" -كما يقول- من أجل خدمة مسلمي فرنسا، وبالذات في مسألة بناء المساجد والمراكز؛ فافتتح مركزه الإسلامي سنة 2005 ونسبه كما يقول إلى أحد أجداده الشيخ الصوفي "أبو يزيد تيفور البستامي".
ودفعته الحمية لمسلمي فرنسا في ذلك الوقت والغضب على أوضاعهم الاجتماعية المتردية إلى الدعوة "إلى مسيرة عارمة في ساحة الجمهورية في قلب باريس"، وانتظر الشيخ أن يأتي خلفه مسلمو فرنسا بالآلاف، غير أنه خاب أمله ولم يحضر في تجمعه إلا عشرة أشخاص، فقرر أن ينكفئ على مركزه ويواصل معركته من أجل شراء مسجده.
بجبته المغاربية البيضاء التي يحرص على ارتدائها، وبعكازه الذي يتكئ عليه، وبلحية خفيفة، لا شك أن الشيخ "محمد تيفور" يمثل بالنسبة للعديد من مسلمي مدينة "مونتراي" رمزا للإسلام التقليدي المتمسك بهويته بكل معانيه.
وعلى الرغم من محاولة رئيس البلدية السابق التحذير "من خطر مدرسة تيفور الإسلامية" التي أقامها في مركزه والتي قد "تؤدي بشباب المنطقة إلى الراديكالية" فإن الشيخ العجوز يضحك من اتهاماته، وهو الذي عاش مراحل الانفتاح بكل مراحلها وعرفته الليالي الباريسية وكباريهات المدينة كبطل لرقصة التانجو.
ولا يخجل الشيخ من هذا الماضي والذي من أبرز مراحله حب الرسم والفن بكل أنواعه وهي في رأيه فنون لا تتعارض مع الإسلام في معانيه الوسطية.