الحج شـروطــه وواجباته الحلقة الثانية إعـداد / ناصـر بن محمد بن راشـد الـزيـدي تكلمنا في الحلقة السابقة عن أول بـيـت وضـع للناس ببـكـة ( أي بمكـة المـكـرمة ) هـو الـكـعـبة المشـرفـة ، وضـعـه الله للناس وإذا كان آدم أول الناس ، فإن بـناء البـيت يكـون قـد سـبق خـلـق آدم عـليه السـلام لأن آدم هـو أول الناس ، إذن فالبيت وضـع ووجـد قـبـل النبي آدم عـليه السـلام ..، واليوم نواصل هذا الموضوع .. وقال تعـالى : ( فـيه آيـات بـينات : مـقام إبـراهـيـم ، ومن دخـله كان آمـنا ) سـورة آل عـمران 97 . جـعــل الله البيت الحـرام أمـنا وامـانا وراحـة نفــس ، يـشعـر المؤمن فـيه بالـراحـة والأمـن والأمان والاطـمئنان ، حتى أن تـلك النـفحات الـربانية والهـبات الإلـهـية ، تجـعـله يسمو بـروحـه إلى ملكوت السموات والأرض . مـا هـو الحـج ؟ : الحج هـو ركـن من أركان الإسـلام ، قال الله تعـالى : ( ولله عـلى الناس حـج البيت مـن اسـتطاع إليه سـبيـلا ، ومن كـفـر فإن الله غـني عـن العـالمـين ) سـورة آل عـمـران 97 0وورد في الحـديث النبوي الشـريف الحـج أحـد الأركان الخمـسة التي بني عـليها الإسـلام ، فـعـن ابن عـمر رضي الله عـنهـما قال : قال رسـول الله صلى الله عـليه وسـلم : ( بني الإسـلام عـلى خمـس ، شـهـادة أن لا إلـه إلا الله ، وأن محمدا رسـول الله ، وإقـام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصـوم رمضان ، وحـج البيت من اسـتطاع إليه سـبيلا ) . أخـرجـه البخاري ومسـلم أخي المـؤمن ، إذا وجـبت عـليك فـريضة الحج فـلا تتـوانى ، فـبادر وأسـرع إلى أداء هـذه الفـريضة بأخـذ الأسـباب والاسـتـعـداد ، فـلعـل الله أن يـوفـقـك لأداء ما افـترضـه عـليك ، وليس ذلك بعـزيـز، لأن الله إذا أراد لعـبـده الخـير يسـر له ســبيـله ، وعـلى العـبـد أن يسـعـى بأخـذ الأسـباب مستلهـما الـعـون والتـوفـيـق من الله وحـده ، الـذي بفـضله تـتم الصالحات. وفـيـما يلي أذكـر شــيـئا مما يـلـزم لـقاصــد بـيت الله الحـرام ، لأداء فـريضـة الحـج عـلى سـبيل الإجـمال لا التفـصيـل ، أذكـر بعـض النقاط كمعالم عـلى الطـريق ، لعـلها تعـين قاصـد بـبيت الله الحـرام ، فأقـول وبالله الـعـون والـتوفـيق . فـإنه يجـب عـلى قاصـد بيت الله الحـرام ، لأداء مناسـك الحـج ، أمـورا لا بـد من التـقـيـد بهـا ، وذلك كما ورد عـن الرسـول صلى الله عـليه وسـلم : ( خـذوا عـني مـناسـكـكم ) ، وهـو تـذكـير لمن عـساه أن يكـون قـد نـسي لما قـرأ عـن الحج ومناسكه . ومما لا شــك فـيه ، فإن كثـيرا من أعـمال الحـج لا يتصورها الإنسـان نـظـريا ولـو قـرأ كتـبـا كـثيـرة ، بـل حـتى إذا وفـقـه الله وألف كتابا عـن مناسـك الحـج ، فـإنه قـد يحـتاج إلى أن يسـأل مـن قام بأداء مناسـك الحج عـمليا ، والمثـل يقـول : ( اسـأل المجـرب ولا تسـأل الطـبيب). وقـد ذكـر أن أحـد العـلماء قـد ألف كتابا : ( في مـناسـك الحـج وإرشـاد الحاج ) وعـنـدما ذهـب لأول مـرة إلى الحـج سـأل من هـو أقـل عـلـما منهـم، وكان الـرجـــل قـد قـرأ الـكتاب ، الـذي ألفـه العـالـم السـائل وهـو لا يعـرف أن مـؤلف الكتاب هـو الـذي صـدر مـنه السـؤال ، فأرشـده إلى نفـس الكتاب . فـقال له : اقـرأ الكـتاب الفـلاني الـذي ألفه الشـيخ فـلان ، فـرد السـائل أنا هـو مـؤلف الكتاب ، ولـكـن كان ذلك نـظـريا ، وأن الآن أسـألك عـن مناسـك الحج عـلمـيا. إن القصـد من ذكـر بعـض النـقاط المتـعـلـقـة بمناسـك الحـج هـو تـذكـير المـؤمـن الـذي ربـما نسـي بعـض ما قـرأ عـن الحـج ، وحيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه الـعـزيـز : ( وذكـر فإن الـذكـرى تـنـفـع المـؤمنـين ) سـورة الـذاريات 55 . أولا : الـتـوبة : قال الله تبـارك وتعالى : ( يا أيها الـذين آمـنوا تـوبوا إلى الله تـوبـة نصـوحا عسى ربـكـم أن يـكـفـر عـنـكم سـيئاتـكم ويـدخلـكم جـنات تجـري من تحـتها الأنهـار ) سـور التحـريم 8 . وروى أنس بن مالك رضي الله عـنه قال : قال رسـول الله صلى الله عـليه وسـلم : ( كل ابن آدم خـطاء وخـير الخـطائـين الـتـوابـون ) . أخرجـه أبو داود وابن ماجـة فـعـلى من وجبت عـليه فـريضـة الحج ، أن يـبـدأ أولا بالـتـوبة ، فـلا صغـيرة مـع الإصـرار ، ولا كـبيرة مـع الاسـتغـفـار، والإنسـان بطبيـعـته معـرض للـغـفـلة والنسيان ، والعاقـل لا يـزكي نفـسـه ، فـقـد يـؤتى الإنـسان من حـيث يظـن أنـه آمن ، فـلا يسـتقـل ذنـوبه مهـما بـلغ من محاسبة النفـس وتقـويتها بالـتـقـوى والـورع والتـعـفـف ، لأن النـفـس أمارة بالـسوء إلا ما رحـم الله . وقـد حـثنا الله عـلى التـوبـة في كتابه العـزيـز حـيث قال تـبارك وتعــالى : ( وتـوبـوا إلى الله جـمـيعـا أيها المـؤمنـون لعـلـكـم تفـلحـون ) سـورة النور21 ، وقال أيضا : ( إن الله يحـب الـتـوابـين ويحب المتطـهـرين ) سـورة البقـرة 222 ، وقال أيضا : (لـقـد تاب الله عـلى النبي والمهاجـرين والأنـصار الـذين اتـبعـوه في سـاعـة العـسرة من بـعـد ما كاد يـزيـغ قـلوب فـريق منهـم ثـم تاب عـليهـم إنه بهـم رءوف رحـيم ) سورة التوبة 117 . وقال صلى الله عـليه وسـلم : ( الله أفـرح بتـوبة العـبـد المـؤمن من رجـل نـزل في أرض ديـوية ( أي مهلكـة ) ، معـه راحلتـه عـليها طـعامـه وشـرابه ، فـوضـع رأسـه فـنام نـومـة فاسـتيقـظ وقـد ذهـبـت راحـلتـه ، فـطـلبهــا حتى إذا اشــتـد عـليه الحـر والعـطـش ما شـاء الله ، قال ارجـع إلى مـكاني الذي كنـت فـيه ، فأنام حتى أمـوت ، فـوضـع رأسـه عـلى سـاعـده ليـمـوت مستـسلما لـقـضاء الله . فاسـتـيـقـظ ، فإذا راحـلته عـنـده ، وعـليها زاده وشـرابه ، فالله تعالى أشـد فـرحـا بتـوبـة العـبـد المـؤمن من هـذا بـرا حـلـته . أخي المـؤمن عـليك أن تبادر بالتـوبة قـبـل شـد الـرحـال إلى تـلك المحـال ، ولـو لم يكـن قـصـدك الـذهاب إلى بيت الله الحـرام ، فـالتـوبـة من الأمـور التي يجـب عـلى المؤمـن أن تـكـون من الأمـور الضـرورية ، وأسـال أخـي المـؤمـن مـن الله الـعـون والـتوفـيـق والقـبـول ، قال الله تبارك وتعالى : ( وهـو الـذي يقـبـل الـتـوبة عـن عـباده ويـعـفـو عـن السـيئات ويـعـلم ما تـفعـلـون ) سـورة الشـورى 25 . وإذا كانت التوبة واجـبة في كل حـال ، فهـي في هـذا الحـال أوجـب ، والإنـسان بما جـبـل عـليه ، لا يخـلو في حـيـاته أن تأخـذه الغـفـلة يـمـينا أو شـمالا ، لاسـيـما فـهـو بـين أهـواء النـفـس ، ونـزغـات الشـيطان، عـن قـصـد أوعـن غـير قـصـد ، ولـيـس مـعـنى الـتـوبة تـرك ما ألم به الإنسان من المعاصي فـذلك واجـب ، والـتـوبة للتخـلص من تلك المعاصي والآثام ، وتكـون التـوبة السـر بالسـر، والعـلـن بالعـلـن وإنما من تـمام الـتـوبة أن يــتـدارك ما مضى من تـقـصـير، في أداء الـواجـبـات وتجـديـد العـزم عـلى فـعـل الخـير والاسـتـمـرار فـيه والله ولي الـتـوفـيـق .