أخي وزميلي المربي الفاضل . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد .
الله سبحانه وتعالى جعل الترغيب والترهيب وسيلتين من وسائل تربية الناس ولكن لو لاحظنا اهتمام الإسلام بالترغيب لوجدنا أنه جعله الوسيلة الأجدى والأنفع واهتم بها . ففي كل خطوة للمسجد أجر ، وإماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان ، ورد السلام فيه أجر ، وكف الأذى عن الجار فيه أجر . وقس عل ذلك من السلوكيات التي تهذب النفس وترقى بالإنسان إلى درجة عالية من السمو والعلو بأساليب ترغيبية . ونلاحظ أنه وصف الجنة وما فيها من نعيم بآيات أكثر مما وصف النار ، وصف الحور العين ، وأنهار من لبن وأنهار من خمر ، وصف المؤمنين وهم على الأرائك متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون ، وصف الثمار الدانية ، وصف لحم الطير وما نشتهي ، وصف حالة المؤمن في الجنة بأنه يملك قوة سبعين رجلاً وأنه يرجع شاباً لا يهرم ولا يشيخ . كل هذا جعله دافعاً للمؤمن أن يغير في طبعه ويتحكم في غرائزه ونوازعه . جعله يقوم أناء الليل يتهجد يدعو ربه أن يدخله جنته . جعله يخرج من منزله فجراً في قر الشتاء ليصلي ويذهب ظهراً في حر الصيف ليصلي أو ليحج أو ليجاهد . بل جعل من يعمل حسنةً فله عشر أمثالها ومن فعل سيئةً فعليه إثم سيئةٍ واحدة . بل جعل من هم بفعلٍ حسنٍ وحال دونه حائل أن يكتب له أجر هذا الفعل الحسن ، ومن هم بفعلٍ سيئٍ ولم يفعله أن يكتب له حسنة . هذا الأسلوب الرباني هو الذي جعل من العرب الجاهلين أمة سادت وسيطرت على أغلب الكرة الأرضية . بل ونشروا هذه المبادئ الجميلة في أصقاع أخرى من المعمورة فدخلوا في دين الله أفواجاً لا بسيف ولا بأي وسيلة قسرية . أخي المربي . نستطيع أن ننهج هذا النهج ونوجه الطلاب للخير بإثارة الطالب لفعل الخير بأسلوب تشجيعي أكثر منه ترهيبي . أن تقول له إن فعلت كذا سأكافئك بكذا .لا أن تقول له إن فعلت كذا سأعقبك بكذا . لأن دفعه لفعل الخير بدافع تشجيعي سيعمله في السر والعلن . سيقوم بتنفيذ ما تطلبه منه حتى وهو في حجرة نومه . أما إذا كان أسلوبك معه ترهيبي فسيحاول إيجاد المبررات الكاذبة لعدم تنفيذه . ومع الأيام ترتبط الرهبة بالواجب ، ويتعانق الألم بفعل الخير . مما يدفعه لكره هذا الفعل لارتباطه بالألم والأذى . إن عقاب الطالب باستمرار يجعله يكره المدرس والمدرسة والكتاب والعلم والمقعد الدراسي . خاصة إذا كان المدرس لم يدرس الجوانب الخفية من حياة الطالب . فتخيل أن تضرب مسماراً في جدار خلفه حديدة . فإن المسمار لن يخترق الحديدة فليس أمامه إلا الانثناء والاعوجاج . فلا تكن مطرقة في حياة طالب يعاني من ظروف صعبة فتزيد عليه من هموم الحياة ما يجعله يواجه الألم والعذاب أنّى ذهب وأنّى أقام .
أخي . ليس الطالب اليتيم هو من فقد أحد أبويه فقط فكثير من الطلبة في عداد الأيتام مع وجود أبويهم . فالأب المنحرف طفله يتيم ، والأب كثير السفر طفله يتيم . وكذلك الأب المسجون والبخيل والجاهل والمريض نفسياً أو بدنياً . فلا أطلب من جميع الجائعين أن يأكلوا بسكـويتاً.
إن تقرير العقوبة البدنية على الطالب هو عجز عن إيجاد البدائل .والمربي المتمكن يملك من البدائل الشيء الكثير . يملك إثارة الدافعية لدى الطالب بالتشجيع والمكافآت حتى لو كانت رمزية، فكلمة أحسنت ونحوها مكافأة وتفعيل النشاطات المدرسية كوسيلة من وسائل توجيه طاقاته للنواحي الإيجابية . تكليفه بما يطيق حتى يطيع . التنسيق مع البيت من خلال المرشد الطلابي وإدارة المدرسة والمدرس لوضع استراتيجية محكمة من شأنها تعديل في سلوك الطالب وتحويله إلى فعل الخير واستغلال وقته استغلالاً يعود عليه بالخير.
أخي وزميلي . في حياة كل إنسان نوازع خير ونوازع شر . وسيطرة إحدى النزعتين قضاء على الثانية . فلما يكون همي كمربي أن أحفز وأثير نوازع الخير في حياة الطالب فإنني بالضرورة أقضي على نوازع الشر . إن عبارات التفخيم والتعظيم يلقاها من أصدقاء السوء . فيلقبونه بالبطل والجريء ، وينادونه بكنيته ويصدرونه المجلس ويبتسمون له ويهشون في وجهه ويتقاسمون معه كل شيء لديهم . بينما لا يلقى من ولي أمره وأستاذه إلا كلمات التحقير والازدراء والتهوين من شأنه وتحطيم معنوياته بتذكيره بسيئاته وطمس حسناته التي لم يتركوا لها مجالاً لتبرز ومقارنته بأولاد فلان وفلان . فهل يلقى من أصدقاء السوء أفضل مما يلقاه منا . إذن فلا تلوموه إذا انجذب إليهم وبنى حاجزاً نفسياً بينه وبيننا لا تستطيع عصاتنا ولا كلماتنا النارية أن تخترقه .
أخي المربي . إن البدائل عن الضرب كثيرة وكلها تتوقف على دراسة الطفل أو الشاب أسرياً واجتماعياً ومادياً وصحياً ونفسياً وظروفاً مرت بحياته . وكل حالة لها علاج يختلف عن علاج الأخرى . فمن اختار العصا لتكون الوسيلة الوحيدة للعلاج مثله كمثل طبيب اختار علاجاً واحداً لكل الأمراض .
قد يكون الضرب المشروط كماً ونوعاً ومكاناً أحد العلاجات ولكنه ليس العلاج الوحيد . فالضرب الانفعالي والمنهمر على جسد الطفل أو الشاب يعطي نتائج عكسية فيؤدي إلى الهدم بدل البناء حتى أن قناعة الطالب بضربه غير متوفرة فالخطأ لا يناسب هذا الضرب الشديد . فلابد من إقناع الطالب بالخطأ أولاً وتعريفه أن سلوكه يعتبر خطأً سلوكياً . حتى إذا أوقع عليه العقاب أن يربط بين الضرب والخطأ السلوكي مما يؤدي به إلى كره هذا الخطأ السلوكي الذي أوصله للضرب . أما أن يضرب دون أن يعرف خطأه فهذا مما يجعله يربط الضرب بالمجهول .
أخي وزميلي المربي . تذكر وأنت تهوى بعصاك على هذا الجلد الرقيق والعظم الدقيق أنك لا تؤلم جلده ولا تضر بعظمه فقط وإنما تحطم نفسه وتؤذي مشاعره . إن الألم الواقع على جسده يزول بعد فترة قصيرة من إيقاع الضرب ولكن الألم النفسي لا يزول من النفس ولا الذاكرة أبداً . ونحن نتذكر الأساتذة الذين ضربونا الآن .
أخي المربي . سؤال آمل الإجابة عليه بصدق . ما هو شعورك لو أن شخصاً ضرب ابنك بنفس الطريقة التي تضرب بها أبناء الآخرين ؟ وما هو شعورك لو زرت فصل ابنك في مدرسته وسمعت أستاذه يمطره بشتائم وكلمات جارحة ومهينة ، وينزل عليه سوطا من العذاب ؟ هل ستقول له شكراً ؟ هل ستوجه له خطاب شكر ؟ هل ستدعو له في صلاتك ؟ هل ترى أن ما فعله بابنك يتفق مع مبادئ التربية الحديثة ؟ أم ستقيم الدنيا وتقعدها وتشكوه لمدير المدرسة ومدير التعليم . فما هذا التناقض في تصرفاتك . وما هذا الوزن بميزانين والكيل بمكيالين . إن ابن الناس غالٍ عندهم كغلاء ابنك عندك .
حاول يا زميلي المربي أن تكسب الأجر والثواب بحسن تربية هذا الشاب الذي جعله الله تحت سلطتك الأبوية سواء كنت أباً أو مدرسأً أو مديراً أو مرشداً طلابياً . وثق أن هدايته بسببك خير لك من حمر النعم .
ان البدائل عن الضرب كثيرة وكلها تتوقف على دراسة الطفل أو الشاب أسرياً واجتماعياً ومادياً وصحياً ونفسياً وظروفاً مرت بحياته . وكل حالة لها علاج يختلف عن علاج الأخرى . فمن اختار العصا لتكون الوسيلة الوحيدة للعلاج مثله كمثل طبيب اختار علاجاً واحداً لكل الأمراض .
تعليم بلا عقاب
موضوع: تعليم بلا عقاب
