بعد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب، حيث نجد تشخيصا قويا وقاسيا لواقع التربية والتكوين؛ تسابق الجميع في انتقاذ منظومة التربية والتكوين وأصبح كل من هب ودب يفقه في السياسة التعليمية بل وخبيرا في تقديم الحلول البديلة. وهكذا صرح الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم بان منظومتنا معتلة بينما قال رشيد بلمختار المسؤول الأول عن القطاع بأن الوضع كارثي. زد على ذلك اجتهاد بعض أشباه النخب والباحثين المرتزقة مدعومين بمنابر إعلامية متعددة بشكل متعمد أو غير متعمد رسم صورة سوداء عن التعليم.
لا أحد يشكك في فشل المنظومة في إنجاز ما كان منتظرا منها، ولكن ما يتجاهله كل من طبل وزمر خلال «تشييع جنازة منظومة التربية والتكوين» هو أن هذه المنظومة لا يمكنها أن تكون كبش فداء لفساد وتردي عام. ماذا يمكن أن نقول عن واقع القضاء، والمستشفيات والتغطية الصحية ولوبيات المختبرات الصيدلية، والتشغيل، واحتلال السكنيات الوظيفية، والتعيينات في المناصب السامية والعليا، ورخص استغلال مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار، واستغلال المال العام لأغراض شخصية أو حزبية، والنظام الضريبي، ووجود التكنوقراط في الحكومة، والانتخابات، والعمل النقابي ومعايير التفرغ النقابي أو الجمعوي، وتغيب البرلمانيين والمستشارين عن القيام بمهامهم، وسبات النيابة العامة وعدم تفعيلها للمتابعات القضائية أمام عشرات الأخبار عن الاختلاسات أو الصفقات المشبوهة ؟ ماذا عن واقع السجون والرشوة والتهرب الضريبي وتعنيف المتظاهرين والتوقيت المستمر الرسمي والغير المفعل في أغلب المؤسسات العمومية ؟ و قس على ذلك ما يخطر على بالك ومالا يخطر على بالك وبال عائلتك وعشيرتك وصديقك بل وعدوك.
أليست كل هذه المجالات تابعة لمنظومات متعددة ابتداءا من العدل ووصولا إلى الصحة ومرورا بطابور طويل من القطاعات الحساسة. إن ما يقع حاليا حق يراد به باطل : حق استفادة أبنائنا من تعليم جيد وباطل تحميل قطاع التربية والتكوين كل مصائب المغرب، وهذا مايعتبره خبراء العنف في الوسط المدرسي بتعنيف المدرسة « victimation de l’école » . حبذا لو كان المنتقدون يتحدثون حبا في وطنهم أو غيرة على التعليم في بلدهم، ولكن جلهم مناسباتيين كمرتزقة الزرود وجهلة لما يقولون أو غير مدركين للتوجيهات الملكية السامية التي شددت على عدم ربط مشاريع الوزارة وبرامجها وسياساتها بما هو حزبي، وعلى ضرورة ضمان الإستمرارية رغم تغير الأشخاص في مناصب المسؤولية. وها هو الوزير الجديد على سبيل المثال جاء لينتقد عمل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وهو المشروع الذي أشرفت عليه مديرية تكوين الأطر وكوفئ صاحب المشروع بتنصيبه على رأس احدى الاكاديميات كما تغنى به ومدحه من ينتقده حاليا تملقا وتقربا من توجهات القيادة الجديدة؛ وها هي المفتشية العامة للشؤون التربوية وهي المعنية أكثر من غيرها بتدبير الحياة المدرسية وتفعيل المبدأ القائل بوجود التلميذ في قلب اهتمامات المنظومة والمعنية كذلك بتحسين مستوى التلاميذ تجد نفسها مهمشة ومكثوفة الأيدي أمام تغول المفتشية العامة للشؤون الإدارية من جهة وانهزامها أمام المديريات المركزية من جهة أخرى في إطار ما يعرف في علم الاجتماع بصراع لوبيات التنظيمات بما فيها الوزارية؛ والأمثلة كثيرة لدرجة يصدق على وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مقولة المغاربة « فين ما ضربتي القرع يسيل دمو».
ومع ذلك نقر بأن في المنظومة رجال يكدون ويجتهدون مثل باقي القطاعات؛ وكذلك نؤكد على أن الفشل فشل عام ولا يقتصر على قطاع التعليم لوحده لعل المطبلين والمزمرين يسمعوننا فهل سيخففوا من ضجيجهم الذي يضر أكثر مما ينفع.