النقد الأدبي في الاصطلاح هو تقدير النّصّ الأدبي تقديرا صحيحا وبيان قيمته ودرجته الأدبيّة ولإيضاح هذا التعريف وتحليله نستطيع أن نذكر بجانبه الملاحظات الآتية:
يبدأ النقد وظيفته بعدالفراغ من إنشاء الأدب، فالنقد يفرض أن الأدب قد وجد فعلا ثمّ يتقدّم لفهمه وتفسيره وتحليله وتقديره ؛ والحكم عليه بهذه الملكة المهذّبة أو الملهمة الّتي تكون لملاحظاتها قيمة تمتازه وآثار محترمة أمّا القدرة علي إنشاء الأدب وتذوّقه فليس في مكنة النقد خلقها من العدم وإن كان يزيدها تهذيبا ومضاء علي أنّ هذه الملكات الثلاث إنشاء الأدب وقدرته ونقده قد توجد معا متجاورة متعاونة في نفس الأديب الموهوب.
يدلّ هذا التعريف علي أنّ الغرض الأوّل من النقد الأدبي إنّما هو تقدير الأثر الأدبي ببيان قيمته في ذاته قياسا علي القواعد أو الخواصّ العامّة الّتي يمتازبه الأدب بمعناه العام أو الخاص وهو النوع التوضيحي الّذي يعيين علي الفهم الذّوق. وأمّا القول في درجته بالنّسبة لغيره فهو في منزلته الثانية ومثله في ذلك محاولة ترتيب الأدباء ترتيبا مدرّجا حسب كفاياتهم المتفاوتة أو وضع نظام الموازنة بين آثارهم المختلفة وهو النوع الترجيحي الذّي يعني بالمفاضلة بين الأدباء وذلك لكثرة الفروق الأساسية بين الشعراء والخطباء والكتاب و المؤلّفين وقلّما نجدمنهم طائفة بينها مشابهات تسمح بعقد هذه الموازنة التّي تحدّد براعاتهم المتقابلة فإذا سئلت عن جرير والفرزدق والأخطل أيّهم أشعر، فجوابك السّديد هو أن كلاً منهم أشعر معني ذلك أن كلاً منهم يفضل زميليه ببعض الصفات اللفظيّة أو المعنوّية أو الموضوعية في حين أنك قدلاتجد بينهم من وجوه الإتّفاق مايكفي لعقد موازنة صالحة، ومع ذلك فيستطيع كلّ إنسان أن يؤثّر ما يحبّه ويرفض ما عداه من آثارهما جميعا، وعلي النقد توضيح الميزات الجوهرية لتفوق كلّ شاعر، فيساعدنا بذلك علي تقدير كلّ منهم تقديرا أقوم وأهدي سبيلاً.
ومها تكن وظيفة النقد وغايته التي يعمل لتحقيقها فلابد للنّاقد أن يكون ثاقب النظر، سريع الخاطر، مهذّب الذوق،قادرا علي المشاركة العاطفية (التعاطف) مع الأديب والبراءة من المؤثّرات الّتي تفسد عليه أحكامه كمايمرّبك فيما بعد، وذلك كلّه فوق الثقافة الأدبية العلمية، والتمّرس بالأدب، ومعرفة أطواره التاريخيّة، وصلاته بالفنون الأخري، وحسن فهمه وتعمّقه، إلي أبعد غاية، ليتسّرله الإنصاف والحكم الصّحيح، وقداستطاع پوب (Pob) أن يرد المصادر الرئيسية التّي يستقي منها النقد إلي مراجع ثلاثة1) وهي فكرة الطبيعة (2) وفكرة آثار السلف (3) وفكرة العقل، ولابدّمن الرجوع إلي الثلاثة جميعا وليس معني هذا أنّ الأديب مُطالب بأن يكون موزعا بين هذه الثلاثة لأنّ سلطان كلّ من هذه المراجع مثبت لسطان سائرها فالواجب أولا أن نتبع الطبيعة ولكن لكي يتسنّي ذلك لابدّمن دراسة آثار القدماء، لأنّ القدماء كانوا علي وفاق مع الطبيعة، وليس هناك خلاف بين الطبيعة وبين الشعر القديم، ودراسة القدماء معناها دراسة الفنّ الأصيل الّذي ينطبق دائما علي العقل، وسيأتي إيضاح ذلك في أثناء الفصول الطويلة في كتب النّقد.
وإذا كان موضوع الأدب هو الطّبيعه والإنسان، فإن موضوع النقد الأدبي هو الأدب نفسه أي الكلام المنثور أو المنظوم الّذي يصوّر العقل والشعور، يقصد إليه النقد شارحا، مُحَّلاً، معلّلاً، حاكما، يعين بذلك القّراء علي الفهم والتقدير، ويشير إلي أمثل الطرّق في التفكير والتصوير والتّعبير، وبذلك يأخذ بيدالأدب والأدباء والقرّاء الي خير السُبُل وأسمي الغايات والنقد يقوم علي ركنين مباشرين الناقد والمنقود ونكتفي هنا برأي ناقدين هما: رولان بارت وجولدمان.
يري رولان بارت: إن عمل النّاقد يتّسم بعدّة خصائص معيّنة، أهمّها تعقيل الأثر الأدبي تعقيلاً تامّا، اي النظر إليه وإلي وحداته أو عناصره علي ضوء مجموعة من المبادئ المنطقيّة.
ويقول جولدمان: «إنّ النقدالأدبي أوّلاً وقبل كلّ شي ء هو الدراسة العلميّة للأثر وهذه الدّراسة تخصص علي أساس فهم وتفسير الأثر تفسيرا مماثلاً ويشرح لنا جولدمان المقصود بالتفسير المماثل، فيقول إنّهُ استخلاص المميزات الخاصّة للأثر المنبثقة من مجموعة علاقات منطقيّة وربطها بالملامح العامّة للبينات الكلية للمجتمع.