تثقيف اللسان وتلقيح الجنان ¤¤¤ باب ما يكون فضيلة لشيء ورذيلة لغيره
49 - باب ما يكون فضيلة لشيء ورذيلة لغيره
من ذلك: الأمية، هي فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها من براهين حجته، وأدلة معجزته. وهي لغيره رذيلة ونقص.
ومن ذلك ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه النعاس في الصلاة من الشيطان، وفي الحرب أمنة.
ومن ذلك صيام يوم عرفة: مكروه للحاج لئلا يضعفه عن العبادة مستحب لغيره، لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنة قبله وسنة بعده".
قال الأصمعي: الصريف: إذا كان من الفحولة فهو إيعاد وهو نشاط، وإذا كان من الإناث فهو من الإعياء. وقال في قول النابغة:
مقذوفة بدخيس النخض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
الناس يغلطون في هذا، فيقولون: وصفها بهذا لنشاطها. وليس كذلك. إنما أراد أنه تركها يصرف بازلها من الكلال.
ومن ذلك: السخاء، والشجاعة، هما من مناقب الرجال، ومن مثالب النساء، كما قال القطامي:
لا عيب فيهم غير شح نسائهم ... ومن السماحة أن يكُنَّ شحاحا
ومن ذلك: السمن، مذموم في الرجال، محمود في النساء.
والرسح، وهو قلة لحم الوركين، محمود في الرجال، مذموم في النساء وذم رجل رجلا للنعمان بن المنذر فقال: إنه لقعو الأليتين في كلام طويل، يعني أرسح، فقال له النعمان: أردت أن تذمه فمدحته.
قال رؤبة:
لله در الغانيات المده
سبحن واسترجعن من تألهي
يريد المدح.
وقال رجل من العرب لآخر: والله ما أنت بعظيم الرأس فتكون سيدًا، ولا بأرسح فتكون فارسا.
ومن ذلك: السفا، وهو خفة الناصية، محمود في البغال والحمير، مذموم في الخيل.
ومن ذلك: التواضع، من الغني للفقير محمود، ومن الفقير للغني مذموم. ويروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء، طاعة لله عز وجل فقال بعض من حضره: إن هذا لحسن، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله، عز وجل، وقال بعض الشعراء:
شيئان لا أرضاهما خلقا ... تيه الغني ومذلة الفقر
وإذا غنيت فلا تكن بطرًا ... وإذا افتقرت فته على الدهر
ومن ذلك: التضمين، وهو عند الخليل: في الشعر من مقابحه، ومعايبه، وفي الغناء من محاسنه ومفاخره.
فأما التضمين في الشعر، وهو نوع منه، فإنه: تعلق آخر البيت بأول البيت الذي بعده، ولا يتم إلا به، كقول الشاعر:
وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم بغاث، إني
شهدت لهم مواطن صالحات ... وثقت لهم بحسن الظن مني
ويروى وثقن لهم وهو أحسن. وكقول الآخر:
لا صلح بيني فاعلموه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي
سيفي، وما كنا بنجد وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق
وأما التضمين في الغناء فهو: تكرير المغني أول بيت من المقطوع، عقيب كل بيت يغنيه، يبين به موضعه، ويحسن في النفوس موقعه، مثل قول ابن الرومي:
وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز
شرك العقول ونزهة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز
إذا فرغ من كل بيت منهن، وصله بقوله: إن طال لم يملك فتكمل بذلك طلاوة الشعر، وتضاعفت بهجته، ويبقى في المسامع أثره، وفي القلوب تصوره.