المادة (111): إذا اختلف الزوجان، وظن كل واحد منهما بنفسه أنه لا يقيم لصاحبه ما تقتضيه الزوجية من حقوق والتزامات مادية وأدبية، فقد شرع للزوجة أن تفتدي نفسها من عصمة زوجها بعوض تبذله له ويخلعها به، ولا حرج عليها فيما أعطت، ولا حرج عليه أن يأخذ، قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا ألا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، فسمي في الله الخلع افتداء، والافتداء يحتاج إلى تراضٍ بين الطرفين، فالخلع طلاق يقوم على أساس تعاقدي، وبسبب العوض الذي تبذله المرأة لتخليص نفسها من العصمة يقع به الطلاق البائن، فلا يستطيع الرجل مراجعتها، ولا تعود إليه إلا في زواج جديد بجميع شرائطه. وكون الخلع طلاقًا بائنًا هو مذهب جمهور العلماء، ومنهم: عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن علي، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والقاسمية، وأبن أبي ليلى، والشافعي في قوله الجديد. ولا يختص الخلع بلفظ معين، وقواعد الفقه وأصوله تقضي بأن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها، ولا صورها وألفاظها، ولهذا أخذ المشروع بأن الخلع هو الطلاق نظير عوض، ليتناول المبارأة، والطلاق على مال، ويقول القاضي أحمد وغيره: أن المبارئة، والمختلعة، والمفتدية، والمصالحة هي ألفاظ تعود إلى معنى واحد. وترتيبًا على ذلك، وعلى ما تقدم بالمادة السابقة، فإن الخلع لا يعتبر خلعًا بأي لفظ وقع إلا إذا وقع باتفاق الطرفين على عوض، وإذا استعمل الزوج لفظ الخلع أو ما في معناه بإرادته المنفردة دون اتفاق مع زوجته على عوض من جانبها، فإنه يعتبر طلاقًا مجردًا، ولا يقع به إلا الطلاق الرجعي وفق المادة السابقة.
المادة (112): لما كان الخلع طلاقًا على عوض، فإنه يشترط لصحته توافر جميع الشرائط الشرعية المقررة لإيقاع الطلاق حسب الفصل السابق، فيملك الزوج أو الزوجة التصرفات التي تترتب على الطلاق نظير عوض من آثار مالية وغيرها، وإن لم يبلغ أحدهما سن الرشد المالي.
المادة (113): يذهب الحنفية في تكييف الخلع إلى أنه من جانب الزوج يمين، ومن جانب الزوجة معاوضة فيها شبه التبرع، فهو يقصد تعليق طلاقها على قبولها إعطاءه العوض، والتعليق يمين، وهي تبذل العوض لتفدي نفسها منه ورتبوا على ذلك أن الزوج إذا ابتدأ بالخلع لم يملك الرجوع عن إيجابه قبل قبولها، لأن اليمين تلزمه بمجرد صدورها، أما الزوجة فلها أن ترجع عن إيجابها قبل قبولها كسائر المعارضات. وقد أخذ بعدم صحة تعليق الطلاق، فتعين تطبيق حكم المعاوضات في الإيجاب والقبول بالنسبة إلى الزوجين، فيكون للزوج أيضًا حق الرجوع عن الإيجاب قبل قبول الزوجة. هذا – وجواز الرجوع في الإيجاب قبل القبول، لكل من الرجل والمرأة، وقد نص عليه الحنابلة، كما جاء في فقه الزيدية بإطلاق القول بجواز الرجوع من الموجب قبل القبول.
المادة (114): يصح بدل الخلع من كل ما جاز أن يكون مهرًا، وهو ما صح التزامه شرعًا، وليست له نهاية صغرى، ولا حد لأعلاه، فتلزم به الزوجة بالغًا ما بلغ، لأنها التزمته برضاها في مقابل إسقاط حق الزوج ومن أدلة ذلك قوله تعالى: ولا جناح عليهما فيما افتدت به. وجواز الخلع بأكثر مما أعطاها الزوج هو مذهب الجمهور، فقد قال به مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهم، وأبو ثور، وروي عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وقبيصة، والنخعي.
المادة (115): يرى أبو حنيفة أن الخلع والمبارأة يسقطان كل حق لأحد الزوجين على الآخر مما يتعلق بالزواج الذي تم الخلع منه، كالمهر والنفقة المفروضة المتجمدة، وإن لم ينص في العقد على سقوط ذلك، فاعتبر السقوط هنا تبعيًا. وذهب المالكية، والشافعية ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن الخلع لا يسقط إلا ما اتفق عليه، سواء أكان بلفظ المخالعة أم المبارأة، مثل الطلاق على مال، لأن أثر المعاوضة ليس إلا في وجوب المسمى لا في إسقاط غيره، وقد ثبتت الحقوق المالية بالزواج الصحيح، فلا تسقط بمجرد ألفاظ تحتمل الإسقاط كالخلع، لأن الثابت بيقين لا يزول بالشك، وجاء في الفتاوى الصغرى: الخلع عقد معاوضة، فلا يزداد على ما تراضيا عليه، واللفظ وإن كان ينبئ عن الفصل فالفصل وجد على مقدار رضيا به، فكيف يسقط غيره. وقد رأت اللجنة أن هذا الرأي يجري عليه العمل، وهو أعدل وأجرى مع النظر القانوني، فأخذت به