السـؤال: هلِ السبُّ واللعن يُبطلان الحجَّ؟ وعلى تقدير بطلان الحجِّ فهل يلزم بطلان سائرِ عمله من حَجَّة الإسلام وغيرها، يُرجى إفادتَنَا بجوابٍ شافٍ، وجزاكم اللهُ خيرًا. الجـواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فاللهُ سبحانه وتعالى نهى عن إتيان كُلِّ قبيحٍ في الحجِّ وغيره قولاً وفعلاً، ففي خصوص الحجِّ قال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]، فبيَّن اللهُ أنَّ مَن أوجب بإحرامه حَجًّا فعليه أن يجتنب الرَّفَثَ وهو: الجِماع، وتعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل والضَّمِّ ونحو ذلك، أو التكلُّم به بحضرة النساء، كما نهى عن الفسوق وهو: عموم المعاصي، ويدخل فيه السِّباب واللعن، لِمَا ثبت في الحديث: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»(1)، كما نهى عن الجِدال في الحجِّ والمقصود به: المِراء والمخاصمة، ونقل عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: «الجدال في الحجِّ: السِّباب والمِراء والخصومات»(2)، فعُلِمَ أنَّ السِّباب من محظورات الإحرام، وهو متفاوتُ الدرجة، فإِنْ سبَّ غيرَه أو شَتَمَهُ أو قبَّح أفعالَه وتصرُّفاتِه على وجهِ الانتقاص والتهوين، فإنَّ هذا المحظورَ يترتَّبُ على صاحبه الإثمُ، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ»(3)، ولا يوجب فدية، ويصحُّ حجُّه ولا يبطل، غيرَ أنه ناقِصٌ لا ينال به ثوابَ الحجِّ الموعود به في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»(4). أمَّا إذا سبَّ اللهَ تعالى أو سبَّ الدِّينَ أو سبَّ الشعائرَ والمشاعِرَ ونحو ذلك فهذا كفرٌ بواح، وصاحبُهُ كافرٌ مرتدٌّ بالإجماع سواء كان عالِمًا أنه كفر أم لم يعلم، فإن وقع في هذا الناقض القوليِّ أثناءَ أداءِ حَجَّةِ الإسلام فإنَّ رِدَّتَهُ ترجع على حَجِّهِ بالنقض والبطلان، أمَّا إن أدَّى حَجَّةَ الإسلام قبل ردَّته فتجزيه إذا تاب، ولا يلزمه قضاءٌ على أصحِّ قولي العلماء، وهو مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا لمن يرى بوجوب إعادة حَجِّه إذا أدَّاه قبل رِدَّته، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وسبب اختلافهم يرجع إلى أثر الرِدَّة في فساد العمل، فمذهب الحنفية والمالكية أنَّ مجرَّد الردَّة يوجب إحباطَ العمل وفساده، وحُجَّتهم قوله تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: 5]، والحبوط هو: الفساد، وعليه فإنَّ عمله يَبطُل بالرِّدَّة وتلزمه الإعادة إن تاب، ومذهب غيرهم أنَّ الوفاة على الردَّة شرط في حبوط العمل، لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217]، فإذا عاد إلى الإسلام بالتوبة فلا تلزمه الإعادة مع فساد ثواب عمله دون عمله، حَمْلاً للمُطلق على المقيَّد. والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.