صاحب الوجهين
صاحب الوجهين
قال الله تعالى في شأن المنافقين :
” مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ” [النساء: 143.
ويُشبه هؤلاء ذا الوجهين ، وهو أخبث من النمَّام ؛ لأنَّ النمَّام يستحق هذا الاسم بنقل الكلام لأحد الطرفين دون الآخر ، أمَّا ذو الوجهين فإنه يزيد على ذلك فينقل الكلام إلى كلا الطرفين ، فيأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه .
وفى الرد على سؤال عن ذو الوجهين كان الجواب
لا يجوز الكلام بوجهين لقوله صلى الله عليه وسلم : «تجدون شرَّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» .
ومعنى ذلك أن يمدح الإنسان في وجهه ويبالغ في ذلك لقصد دنيوي ثم في غيبته يذمُّه عند الناس ويعيبه ، وهكذا يفعل مع أغلب من لا يناسبه ، فالواجب على من عرفه بذلك أن ينصحه ويُحذِّره من هذا الفعل الذي هو من خصال المنافقين ، وأن الناس ولا بدَّ سيعرفون هذا الإنسان بهذه الصفة الذميمة فيمقتونه ويأخذون منه الحذر ويبتعدون عن صُحبته فلا تحصل له مقاصده ، أما إذا لم يستفد من النصح فإنَّ الواجب التحذير منه ومن فعله ولو في غيبته .
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(يجئ يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه وآخر من قدامه يلتهبان نارا حتى يلهبا جسده ثم يقال هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يعرف بذلك يوم القيامة )
وقال «صلى الله عليه واله:
)من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار)
من هو ذو الوجهين وذو اللسانين؟
1 ـ وذو الوجهين وذو اللسانين هو صاحب العلاقة بين عدوين يتكلم مع كل واحد منهما بلسان يوافقه وهذا هو عين النفاق.
2 ـ ذو اللسانين هو صاحب الكلمات المتضادة والمتناقضة والذي يتحدث بأحاديث من أجل تحصيل المنفعة الدنيوية ومن دون ضرورة لذلك ، مثلا يعترف بشيء ثم ينكره بعد ذلك ، أو يشهد على شيء ثم يظهر خلافه بعد ذلك ، أو يمدح أحدا حال حضوره ولكنه عند غيابه يطعن به.
3 ـ ومن يلتقي بكل واحد من هذين المتخاصمين ويمدحه ويفضله على صاحبه، فهذا أيضا ذو لسانين.
4 ـ إذا كان بين شخصين عداوة وكل يتناول صاحبه في حال غيابه بكلام شديد، فمن ينقل كلام كل واحد إلى الآخر هو شخص ذو لسانين ، وهذا العمل أسوأ من النميمة، إذ أن النميمة هي نقل كلام الشخص لمن يعود عليه ذلك الكلام، أما إذا نقل كلام الطرف الآخر فانه يصبح ذا لسانين.
5 ـ من يمد كلا هذين المتخاصمين بالعون والمساعدة على الآخر، فهذا أيضا ذو لسانين.
والخلاصة إن الشخص في جميع هذه الموارد يقال له ذو لسانين وذو وجهين .
ولا يفوتنا القول إن الصداقة وإظهار المحبة مع كلا الشخصين المتنازعين من دون نقل كلام أحدهما للآخر، ولا تفضيله ، ولا وعده بالمساعدة على صاحبه ، فلا مانع منه ، وليس هو ذا لسانين.
اللهم إني أعوذ بك من ذو الوجهين وذو اللسانين وأعوذ بك من إبليس وذريته وشياطينه.
ومما سبق يتبين لنا
صفات صاحب الوجهين وهى :
الصفة الأولى : أنه صاحب نميمة وغيبة
الصفة الثانية : أنه من شر الناس في الآخرة .
الصفة الثالثة: أنه شر الناس في الدنيا .
الصفة الرابعة : أن له لسانين من نار – يوم القيامة – , لتعكس عليه صنائعه – من حاله – سهامه .
الصفةالخامسة :أنه ذو نفاق يغاير من خلاله ظاهره باطنه .
وتلك الصفات الخمس هي التي من خلال سوادها وظلامها يقوم بممارسة عادته الشهية إلى نفسه ! اللذيذة في عقله ! لأن نفسه صغيرة وعقله ضيق فذو الوجهين صغيرٌ , مهما كَبرَ اسمه , ومهما عَظُمَ رَسمُه , ومهما زاد حجمه , فمقاييس الدنيا ليس لها عند الله تعالى مكانٌ أو منزلة …
وهو محدود العقل و محدود النظر , ومحدوديته – هذه – وَلَّدَت عنده ضعفاً مكشوفاً ؛ ممارس للنفاق ألقولي والعملي الذي هو نفسه غطاء شفاف رقيق لا يكاد يستر نفسه !
وذو الوجهين ظاهره رشاد *** وباطن قلبه سوء يراد .
وهو مريض في قلبه , عَيِيٌّ في خُلُقه , لا يجد للصدق مذاقاً , ولا يعرف للحق طريقاً !
وذو الوجهين يُجيد القفز والتجاوز !! القفز فوق الأبواب , والتجاوز عبر النوافذ ؛ فهو لا يأتي البيوت من أبوابها , وإنما يدخل من الشقوق أو يتسلق الجُدر ..
وهو يعيش في شقاء مستمر , وتعاسة دائمة , لأنه لم يذق حلاوة الصدق , ولم ينعم بجمال الحق , وإنما تجرع مرارة الغيبة , وشَرِقَ بغصة النميمة
قال الله تعالى :
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ( النساء 108
حفظنا الله وإياكم من صاحب الوجهين وشفا صدورنا من أمراض الدنيا وجعل لنا لسانا ناطقا بالحق والعدل وذكر الله في السراء والضراء
والحمد لله رب العالمين