محمد راتب المرأة المبدعة، ولاسيما الأديبة، وخصوصاً الشاعرة، محاصرة بمنظومات من القيم الفنية والاجتماعية والأخلاقية ذات الطابع الذكوري، مما حال دون تفوقها وتألق موهبتها وتطورها. حدث هذا في الغابر والحاضر، وعند الأمم والشعوب كافة، يدلّ على ذلك قلة عدد الأديبات والشواعر، نظراً لما يتطلبه الشعر من بوح في أمور ظن الرجال أنها من حقهم وحدهم. أما ما وصلنا من شعر قالته المرأة، وأقصد المرأة العربية تحديداً، فقد كان مخصصاً للندب والرثاء وترقيص الأطفال.. تقول الكاتبة (فرجينيا وولف) ما معناه: إن المرأة الموهوبة لابد أن تصبح مجنونة.. أوأنها ستنتحر.. أو ستقضي أيامها وحيدة في كوخ منعزل خارج القرية (أي خارج المجتمع)، يخشاها الآخرون ويسخرون منها. ويبدوأن الكاتبة المذكورة على حق، فالمرأة الموهوبة التي تستجيب لنداء موهبتها ستشقى بذلك، ولن يقدم لها المجتمع أي دعم أو مساندة، بل إنها ستجد من يحطم موهبتها (ويكسّر مجاذيفها)، من الرجال والنساء (ويا للمفارقة): الرجال الذين يخشون على (فحولتهم الإبداعية) من امرأة تشعر بقوتها وتميّزها، وتقدّر ما تمتلكه من استعدادات.. والنساء بدافع الحسد، أو بدافع الاستهجان، بعد أن أدمنّ القهر واستبطنّ الاستلاب إلى الدرجة التي لم يعدن معها يشعرن بالعبء الذي يرزحن تحته، مما يجعلهنّ يستربن بالمتمردات، ويصفن هذا النمط من النساء بالمسترجلات، وكأن الشعور بالحرية والكرامة من حق الرجال وحدهم دون النساء. وثمة نمط آخر من الرجال يضرّ المرأة المبدعة من حيث يريد أن ينفعها، أعني أولئك الذين يقدمون دعماً مجانياً لها، حين يتقبلون منها أي إنتاج مهما كان متواضعاً، ويرفعونه إلى آفاق فنية لا يستحقها، ويتبرعون بتقديم المسوغات والمبررات الفنية المجاملة، بل المنافقة، في تدليس نقدي خبيث أوساذج، فالأمران سيان، كل ذلك لغايات تقع خارج الفن (والأدب ؟!). ودفعاً لأي التباس أقول: إنني من المؤمنين بأن الأنثى أنثى والذكر ذكر (وليس الذكر كالأنثى) من حيث طبيعة البنية الفيزيولوجية لكل منهما، مما يجعل لكل منها طبيعة خاصة ووظيفة خاصة (من الناحية الجسدية) وأما ما وراء ذلك فمن صنع المجتمع، لأن الوظيفة الجسدية لا تؤثر في المكانة الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية لأي منهما (زيادة أونقصاناً). أي إنها لا ترفع من قدر الرجل ولا تحط من قدر المرأة، فهما مخلوقان من نفس واحدة، والنساء شقائق القوم.. دون أن يفهم من كلامي أنني أدعوإلى المساواة بين الرجل والمرأة في الأمور كافة، لأن في المساواة ظلم للمرأة والرجل في آن معاً، ولاسيما حين يتم تكليف المرأة، بداعي هذه المساواة الساذجة والتبسيطية، بما لا تطيقه طبيعتها واستعداداتها الفيزيولوجية.. أما ماوراء ذلك فالمرأة إنسان كامل الإنسانية والأهلية ولا يقول غير ذلك إلا معاند أومفترٍ. أعود إلى الحيف والقهر اللذين نزلا بالمرأة نتيجة منظومات القيم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والفنية التي أنتجها، وكرّسها، الذكور، والتي تتعامل مع المرأة كمخلوق من الدرجة الثانية..هذه القيم التي تنتج، وتعيد إنتاج، القهر والاستلاب دون مبرر عقلي أو أخلاقي أو شرعي أو قانوني حتى ظن الناس، رجالاً ونساءً، أن القهر الذي تعانيه المرأة ضربة لازب؟!. ومادمت بصدد الحديث عن النقد بجوانبه المختلفة، ولاسيما الجانب الأدبي، فإنني أتساءل، باستغراب، عن القيم التي كرّسها الأدب، إبداعاً ونقداً، تجاه المرأة. وأتساءل، كذلك، عن صورة المرأة كما تم إنتاجها في النصوص الإبداعية والنقدية؟!. وأتساءل عن سبب كون هذه الصورة موضوع انتهاك واضطهاد دائماً ؟! وأتساءل، مستنكرأ هذه المرة، عن سبب تمرجل بعضهم على المرأة إذا حاولت أن تأخذ بعض حقها، وأن تحجز لنفسها المكان الذي تستحقه في المشهد الإبداعي، بفضل موهبتها واجتهادها؟!.