عرض المتحف الوطني السويسري بزيورخ صورا فنية تعكس تطور الأسرة السويسرية في المجتمع مقارنة بمثيلاتها الأوروبية منذ القرون الوسطى إلى اليوم. وفي حين أشار المعرض الذي يتواصل حتى الخريف إلى أن الأسرة تكيفت مع المتغيرات السياسية والاقتصادية، يرى بعض المؤرخين أن الحديث عن "أيام الأسرة الأوروبية المثالية" مبالغ فيه لأنها لم تكن موجودة في حقيقة الأمر. ويقول المعرض إن أول ظهور لمصطلح الأسرة كمرادف لزوجين وأبناء في بيت مستقل، كان منتصف القرن الثامن عشر مع بدايات "عصر التنوير" ومحاولة وضع قوالب اجتماعية تواكب توجهات دينية تنافس الكاثوليكية. الأسر البرجوازية
لم يحل اهتمام الثورة الفرنسية (1789) بالمساواة وترسيخ الاهتمام بالأسرة دون ظهور الأسر البرجوازية التي حرصت على وجود حاجز بينها وبين الفلاحين والعمال والبسطاء، رغم أن هاتين الفئتين كانتا تمثلان أغلبية المجتمعات. وتلا ذلك ظهور الأسر الريفية المنتجة في مجالات النسيج وأعمال الفخار والخزف ومنتجات الألبان، فزاد ربحها وتغير نمط حياتها. وتجسد ذلك في إقبال الكثير من شباب الريف على الزواج المبكر، بعد أن ظهر أن تأسيس الأسرة ليس قاصرا على الأثرياء فقط بل نواة لنشاط اقتصادي متعدد. بالمقابل كانت أسرة المدينة تهتم بالثقافة والعلم مع تفرغ الأم لرعاية الأبناء والأعمال المنزلية، لكن تمثل القاسم المشترك بين الفريقين في احترام الكنيسة وهيمنة الأب حتى إن جميع أفراد الأسرة كانوا يتحدثون إليه بصيغة المخاطب الجمع (أنتم). توزيع الأدوار وأوضح المعرض أن المرحلة الثانية من أنواع الأسر بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر مدة قرن كامل، شهدت خلالها أوربا ذروة ثورتها الصناعية وصراعاتها السياسية التي انعكست بصورة سريعة على الأسرة. وأصبحت الأسرة المنتجة آنذاك حافزا لزواج الأقارب لضمان بقاء الثروات تحت سقف واحد، كما ظهر تأثيرها الاقتصادي على السياسة لاسيما في ظل التنافس بين البروتستانتية والكاثوليكية. وتحولت بعد ذلك الأسر المنتجة إلى شركات صناعية، وأصبح الجميع في المدينة والريف مطالبين بالعمل والإنتاج، لكن توزيع أدوار الأب والأم اختلف، إذ ساهمت التقنية في تخفيف الأعباء المنزلية.
زيف الأسرة المثالية وفي الوقت الذي يعطي المعرض الانطباع بمثالية الأسرة الأوروبية نتيجة استقرار المجتمع ونشر التعليم، فقد أغفل تأثير ظهور التيارات الليبرالية والاشتراكية. بالمقابل كشفت الدراسة الأكاديمية التي اطلعت عليها الجزيرة نت للمؤرخة السويسرية بياتريكس ميسمر، ما سمته "خرافات الأسرة المثالية" حيث وجدت على سبيل المثال أن حالات الإنجاب غير الشرعي كانت ملحوظة منذ القرن الثامن عشر. ولم ينتشر الزواج المبكر كما يعتقد البعض، إذ وصل متوسط سن زواج المرأة بالقرن الثامن عشر 26 عاما، بينما وصل سن زواج الرجل ثمانية وعشرين عاما انتظارا للحصول على المال اللازم لإتمام الزواج سواء عن طريق الإرث أو العمل الشاق، وتواصل هذا المتوسط بالارتفاع إلى اليوم نتيجة الحرية الشخصية. بالمقابل أدت الثورة الصناعية -حسب الدراسة- لظهور المرأة العاملة، فتخلت الأم عن دورها في رعاية الأطفال لتعمل أربع عشرة ساعة يوميا أحيانا. وأدى ذلك لانفراط عقد الأسرة تدريجيا وصولا إلى تراجع أعداد المواليد وزيادة معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج وظهور الشواذ، حيث يتم التعامل مع كل تلك الظواهر كأنماط اجتماعية جديدة. ويستند المؤرخون في ذلك إلى مذكرات القس ألبرت بيتسيوس عام 1837، حيث دون مشاهد بيع الأسر السويسرية الفقيرة لأبنائها إلى بعض الأثرياء.